كتب د. فايز بن عبدالله الشهري في صحيفة الرياض:
كنت ذكرت لصحيفة “سبق” قبيل ساعات من بدء عاصفة الحزم (25 مارس 2015) أن “الحوثي” لن ينجح في استنساخ حزب الله في اليمن وأن مراهناته خاسرة لأسباب موضوعيّة ذكرتها آنذاك. وها نحن اليوم نشهد انهيار “تحالف الثعالب” الهش بين عفاش الذي لم يستطع أن يستمر طويلا رئيسا “للعكفة” مع إمامه الحوثي. وبدون أدني شك فإن “عاصفة الحزم” كتبت للتاريخ العربي أقوى صد للمشروع الفارسي في العصر الحديث. ولعل لبرز نجاحاتها هو إفشال استنساخ تجربة حزب الله اللبناني في جنوب جزيرة العرب.
ومن الأسباب التي جعلت الحركة الحوثيّة تحمل في نشاطها بذور فنائها أنّها قدمت نفسها كحركة دينيّة تستمد مشيختها من رمزيّة “آل البيت” الذين يتصل بنسبهم بدرالدين الحوثي ونسله ولكن هذه الرمزيّة ليست (نادرة) وحصريّة للحوثي ولمدينة “صعدة فاليمن “يفيض بالعائلات بل والقبائل” التي تتّصل بهذا النسب الشريف. وهذا ليس واقعا فقط في “شمال اليمن” بل حتى جنوبه حيث يحظى “السادة” بهذه الرمزيّة والحظوة الروحيّة التي جعلتهم حاضرين في القرار اليمني الجنوبي. وهكذا وجدنا شخصيات جنوبيّة لم يمنعها الانتساب للبيت الهاشمي من تسويق “اشتراكيتهم” ردحا من الزمن مثل علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي الحاكم (رئيس جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة بين عامي 1986-1990، وحيدر أبو بكر العطاس آخر رئيس لهيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى للجمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة (اليمن الجنوبي سابقا) وأول رئيس وزراء بعد وحدة اليمنين. وهكذا فإن “السادة” في كل قرية يمنيّة تقريبا وعرف اليمنيون، بينهم هاشميون زيود وهاشميون شوافع بل وبعض الهاشميين الذي يُتهمون بالانتساب للوهابيّة والسلفيّة بنسختها السعوديّة.
وسبب آخر لفشل الحوثة أن المنتسبين إلى “السادة” في اليمن كانوا حكاما سياسيين وروحيين طيلة قرون في اليمن القبلي واليمن الدولة ويمن العصر الحديث وفق نظريّة الحكم في البطنين حتى كانت الثورة اليمنيّة عام 1962 وانتقال الحكم السياسي إلى “عامة” اليمنيين من خارج البيت الهاشمي بدءا بالمشير عبدالله السلال ثم القاضي الأرياني وانتهاء بعلي صالح وأخيرا عبدربه منصور. وطيلة حكم “السادة” لم تكن هناك محطات نجاح سياسي أو تنموي باهر يمكن أن تشفع ناهيك عمّا قامت به الثورة من تشويه ممنهج لتاريخ الحكم “الامامي” بحلوه ومرّه. ومن الأسباب أيضا أن (قبائل) السادة الهاشميين طيلة تاريخ اليمن لم يكونوا في دوائر حسم الصراع القبلي أو الطبقي بل كانوا جزءا من تكريس بعض هذه المظاهر فهم مع القبائل حلفاء (غير محاربين) يتمتعون بالحماية وفي الترتيب الطبقي احتفظوا بمرتبة “السادة” وغيرهم إمّا قبيلي يحمي أو من المزاينة (أصحاب الحرف) والخدم المنبوذين.
أمّا أهم الأسباب التي أفشلت مشروع ولاية الفقيه في داخل اليمن فيمكن عزوه إلى سذاجة الحوثي حين اظهر نفسه أجيراً تابعاً “للأجنبي” الفارسي ولم يحسب حسابه للشخصيّة اليمنيّة العروبيّة العنيدة التي تأنف من هذا التلوث “المجوسي” في الوعي واللاوعي حيث تنتفض “طاقة” القبيلة وشيمة العربي ونسبه لتطغى على المذهب والولاء لأي مركز قوة (أجنبي).
قال ومضى:
الذين لا يكتبون التاريخ سيجدون أنفسهم خارج صفحاته.