كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
يشبّه أحد السياسيين واقع القوات اللبنانية بحالة رجلٍ تخاصم مع عددٍ من أصدقائه، ليتصالحوا بعدها. ولكنّ «الأصدقاء» لم يُصفّوا نيّاتهم تجاه ذلك الرجل. في أحد الأيام، نظّموا حفلةً، من دون أن يدعوه إليها. لا أحد يريده أن يكون موجوداً.
إلا أنّ الرجل عرف بأمر الحفلة. حَضَر من دون دعوة، والأنكى إدراكه أنّه غير مرغوبٍ فيه. الرجل هو حزب القوات اللبنانية، والأصدقاء هم التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، يُضاف إليهم حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي. تصرّف أطراف الحُكم مع «القوات»، يوضع في إطار ردّ الفعل، ونتيجة لرهانها الفاشل على وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، واعتقادها لوهلة أنّ الرياض «ستُنصّبها» على رأس السلطة الانقلابية ما إن تنجح خطّة ابن سلمان في إطاحة التسوية الرئاسية، والرئيس ميشال عون، ورئيس الحكومة سعد الحريري. لم تدخل ضمن حسابات رئيس الحزب سمير جعجع أنّ الخطة السعودية، التي أسهم فيها عبر تقديم «التقارير» السلبية بحقّ الحريري وعلاقته بعون وأركان «8 آذار»، سيتم وأدها لبنانياً قبل أن تنجح في تفجير الوضع الداخلي. حاول ساكن معراب استلحاق التطورات السياسية، من خلال تبديل نبرته «الانتقادية»، ومضمون خطاباته، لا سيّما مقاربته لموضوع استقالة الحكومة ووزرائه، وتقديمه التنازلات (أهمّها حديثه من القصر الجمهوري عن سلاح حزب الله). السبب أنّه «لا يُمكن لجعجع أن يتخيّل نفسه خارج التسوية التي كان مُشاركاً فيها»، يقول أحد السياسيين المُقرّبين من السعودية والمُطّلعين على أجواء معراب.
ولكنّ «توبة» جعجع، ومحاولته بشتّى الطُرق إصلاح علاقته بالتيارين الأزرق والعوني، لم تُقنعا حتى الساعة حليفيه السابقين، الحانِقَين عليه؛ الأول يُعلن على لسان مسؤولين فيه عن العلاقة غير الجيدة بين بيت الوسط و«القوات»، واتهامها بلعب دور سلبي في الرياض. وكان آخرهم، أول من أمس، الوزير غطاس خوري الذي قال: «لا يمكنني تأكيد أو نفي علاقة جعجع بالأزمة التي حصلت مع الرئيس الحريري في السعودية». أما الثاني، فهو أكثر المُتحمّسين لإجراء تعديل وزاري يُخرج «القوات» من الحكومة. والتياران شبه مُتفقين على حلف انتخابي يأتي على حساب الوجود القواتي، تمهيداً لعزلها في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، أو في «أحسن الأحوال» عدم نفخ حصّتها مُجدداً.
لا تُحسد معراب على الوضع الذي حشرت نفسها فيه. هي من أسوأ المراحل السياسية التي تمرّ بها، منذ خروج جعجع من السجن عام 2005. أكثر من أيّ يومٍ مضى، يقف جعجع وحيداً من دون حلفاء أساسيين؛ تيار المستقبل فضّل الشراكة مع «الرئيس القوي» والتحالف مع التيار الوطني الحر. بين العونيين و«القوات»، أسهمت ملفات الإدارة والنظرة إلى الحُكم في تردّي العلاقة إلى أدنى مستوياتها. تخلّى جعجع عن «المستقلين» في 14 آذار، بعد أن بات يعتبر نفسه ذا مكانةٍ أهمّ منهم، وصولاً إلى حزب الكتائب، حيث هناك قطيعة سياسية وشعبية بين الطرفين. انطلاقاً من هنا، «جعجع مُضطر إلى أن يلتزم أكثر من قبل بالتسوية»، بحسب السياسي «الحليف» للسعودية. معايير عدّة تُحتّم على جعجع اتخاذ هذا القرار، «الذي تُشجعه عليه زوجته، النائبة ستريدا طوق، والنائب جورج عدوان»، وهي أولاً الرغبة في «الفوز في الانتخابات النيابية بحصة وازنة، وهو ما لن يحصل عليه إن كان في صفوف المعارضة». وقد أبلغ عددٌ من السياسيين مسؤولين قواتيين أنّ «الخروج من التسوية يعني الفوز بنائبين في بشرّي، وبعض المقاعد المتفرقة في أقضية أخرى، كحدّ أقصى». ثانياً، جعجع الـ2017 «يختلف عن جعجع التسعينيات، الذي أمضى أكثر من عشرين سنة من حياته بين المشاركة في الحرب الأهلية والسجن. هو الآن رجل السلطة». يقود ذلك إلى السبب الثالث، وهو «تطور الوضع المالي والانتشار الحزبي للقوات، بما يختلف عن السنوات السابقة». يُدرك جعجع جيداً، من التجربة الماضية، أنّه «إذا خرج من التسوية فذلك يعني خسارة كلّ شيء». ومن الصعب أن يتحول بين ليلةٍ وضحاها إلى قائد أوركسترا المعارضين، أولاً لأنّ النائب سامي الجميّل سبقه إلى ذاك الموقع، وهو مسارٌ اتخذه لنفسه قبل فترة وقرّر أن يسير إلى الانتخابات النيابية وفقه. وثانياً، لا يُمكن للقوات اللبنانية أن تُقنع الرأي العام بين ليلةٍ وضحاها بأنّها معارضة، في حين كانت طيلة عام شريكة في الحُكم، ووافقت على تعيين سفير لبناني لدى سوريا، واعترضت على «حصتها» من التشكيلات الادارية والدبلوماسية والقضائية وليس حرصاً على القوانين والشفافية والدستور، ولم يُقدّم وزراؤها أداءً استثنائياً.
ما المطلوب من «القوات» لتعود إلى التسوية التي حاولت إطاحتها؟ «ينزلوا عن المئذنة متل ما طلعوا»، تُجيب مصادر رفيعة المستوى في تيار المستقبل. أما بالنسبة إلى مصادر معراب الرسمية، فهناك تمسّك بالتسوية، «والقوات موجودة في صلبها. منذ اللحظة الأولى ميّزنا بين التسوية الرئاسية التي لا تشوبها شائبة، وبين التسوية الحكومية التي اهتزّت بسبب تصرفات حزب الله». هذه المرّة، أيضاً، تحاول القوات اللبنانية أن تقطف اللحظة لمصلحتها، فتقول المصادر إنّ «كلّ النقاش السياسي، من لحظة عودة الحريري إلى البلد، يؤكد أنّ القوات كانت على حقّ، وما يحصل الآن هو إعادة تزخيم التسوية الحكومية عبر الانتقال من نأي بالنفس شكلي إلى نأي بالنفس فعلي».
لا تزال القوات اللبنانية تُحاول التعتيم على عمق خلافاتها بين «المستقبل» والعونيين، وعملية شدّ الحبال في البلد بعد فشل المُخطط السعودي. فحتى الساعة، لم يجد الحريري نصف ساعة من وقته يُخصّصها لجعجع، يعملان فيها على تذليل العقبات بينهما. ولا تنفع حجة القوات بأنّ الحريري «مُنشغل في البيان الذي سيصدر عن الحكومة ومؤتمر دول الدعم من أجل لبنان»، فإصلاح العلاقة بين حليفين مُفترضين وإنهاء الأخذ والردّ بين مسؤوليهما والمناصرين يوازيان بأهميتهما الملفات الأخرى. تكشف مصادر معراب أنّ «التواصل بيننا وبين المستقبل استؤنف قبل 5 أيام، عبر قناة رسمية يتولاها الوزيران ملحم رياشي وغطاس خوري، وقنوات أخرى غير رسمية، وهناك تواصل مع الحكيم»، تمهيداً لعقد لقاء بين الحريري وجعجع «بعد التمهيد له والانتهاء من القراءة السياسية للمرحلة السابقة». المفارقة أنّ مصادر «المستقبل» نفسها تردّ على ما تقوله «القوات»، بالسؤال ساخرةً: «حوار مع شتائم لغطاس خوري؟»، وذلك بالإشارة إلى حملة الردود التي أطلقتها «القوات» على خلفية حلقة خوري التلفزيونية.