كتبت راغدة درغام في صحيفة “الجمهورية”:
لن تتمكّن قمّة مجلس التعاون الخليجي المنعقدة اليوم في الكويت من تجاهلِ ذلك «الفيل في القاعة» بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح على أيادي الحوثيّين، لأنّ مصرعه يغتال استراتيجية الخروج من حرب اليمن وإخراج إيران وميليشياتها من اليمن، كما تصوّرتها دول خليجية، وعلى رأسها السعودية. فانتقام الحوثيّين من انقلاب شريكهم السابق عليهم يُنذر بحرب أهليّة دموية طويلة الأمد، وقد يؤدّي إلى تأجيج الصراع السعودي – الإيراني إقليمياً.
علي عبدالله صالح كان في الآونة الأخيرة أداةً حادّة من أدوات تقليم أظافر إيران في اليمن وإغلاق أبواب النفوذ الإيراني بالذات إلى الدول الخليجية، وذلك بموجب صفقة الواقعية – السياسية التي حشَدَت الدعمَ السعودي والإماراتي وراء عدوّ الأمس في صنعاء، وأبرزَت الرغبة في تخفيف الحصار وتعزيز فرَص إنهاءِ الحرب في اليمن. الآن، سيعود التشدّد كضرورة – أقلّه في الوهلة الأولى – ما لم تكن هناك خطة «باء»، إمّا لخلافة علي عبدالله صالح والمضيّ إلى الحسم العسكري، أو للعودة إلى طاولة صياغة الخيارات.
واضحٌ أنّ اليمن لم تكن له الأولوية عندما اتُّخِذ قرار انعقاد القمّة الخليجية على عجَلة لتكون الأولى التي تجمع قطر مجدّداً بالسعودية والإمارات والكويت والبحرين وعمان. أحداث اليمن ضخمة لدرجةٍ قد تجعل مشكلة الخلاف مع قطر حقاً صغيرة.
إنّما ما أرادت القمّة أن تُحقّقه بتواضع له الكثيرُ من الأهمّية، وهو إنقاذ مجلس التعاون الخليجي من التفكّك والاتفاقُ على هدنة متدرّجة مع قطر أساسُها احتواء الإفراط في الديبلوماسية الانفرادية.
المبادرة إلى طلبِ انعقادِ القمّة لانتقال الرئاسة من البحرين إلى الكويت أتَت، كما أكّدت مصادر مطّلعة، مِن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وتلقّاها أمير الكويت الشيخ صباح الجابر الصباح كتقديرٍ لجهود حثيثة بَذلها لشهورٍ لاحتواء الأزمة مع قطر.
البعض اعتبَرها رغبةً واضحة للحفاظ على مكانة البيت الخليجي وخصوصية القوّة الجماعية لدول الخليج التي مِن دونها يتمّ تفكيك الدول وتفتيتُ منزلةِ الدول الخليجية عربياً وإقليمياً ودولياً.
البعض الآخر أشار إلى أنّ انعقاد القمّة الخليجية دورياً سنوياً في شهر كانون الأوّل (ديسمبر) هو جزء أساسي من أعمال مجلس التعاون الخليجي، وأنّ الإصرار على عقدِ قمّةِ الكويت هو من أجل عدمِ إعطاء قطر فرصة إفشال دورية القمّة.
لم تُقاطع اجتماعَ وزراء الخارجية أمس أيٌّ مِن الدول السِت، وللمرّة الأولى منذ اندلاع الأزمة جلسَ وزير خارجية قطر مع وزراء ووكلاء وزراء خارجية الدول الخمس الأخرى تحت سقفٍ واحد.
الكلّ تكتّمَ على ما جرى في الاجتماع الذي اعتُبر بحدّ ذاته إنجازاً. وعندما خرَجت الوفود متوجّهةً إلى غرفةِ تناوُلِ الغداء، لم يَظهر التشنّج على الوجوه ولم يُدلِ أحدٌ بتصريحات ناريّة، إنّما لوحِظ أنّ وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني غادر قصر الريان ولم ينضمّ إلى الغداء.
قيمة القمّة هي في انعقادها بحضور الملك سلمان بن عبد العزيز، ولا سيّما أنه هو الدافع وراء انعقاد القمّة في الكويت بمشاركةٍ قطرية على مستوى أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني. المصالحة الجَذريّة مستبعَدة في هذا المنعطف، إنّما المطروح هو التفكير في فترةٍ زمنية لمراقبة تنفيذ قطر للوعود، والمرفوض هو الاكتفاء بكسرِ الجليد. فإذا لم تَعبر قمّة الكويت أزمة قطر إلى محطّة جديدة، سيتفاقم الضّرر وستشتدّ أزمة اللاثِقة وستنعكس المواجهة خليجياً وإقليمياً في مختلف الملفّات المشتعلة.
أحدُ المصادر المطّلعة على المواقف الأميركية قال إنّ إدارة ترامب أبلغَت كلَّ الدولِ الخليجية أنّ الأولويات الإقليمية تتطلّب طيَّ صفحةِ الخلاف المستعر في أزمة قطر كي لا يؤثّر على استراتيجيّات الأولويات، وعلى رأسها محاربة الإرهاب، والتصدّي للطموحات الإيرانية، والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، واستقرار العراق.
وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون باقٍ في منصبه، حسبما قال الرئيس دونالد ترامب، وهو يريد جدّيةً خليجيّة في احتواء الأزمة مع قطر. إنّما، حسب المصدر، ليس تيليرسون هو الدافع الأوّل، علماً بأنّ علاقاته مع السعودية والإمارات والبحرين تأزّمت بسبب مواقفه التي فُسِّرت بأنّها منحازة لقطر، وإنّما البيت الأبيض.
فبرغمِ التطمينات أنّ تيليرسون باقٍ في المنصب الآن، قالت مصادر أخرى إنّ رحيله ما زال مطروحاً إنّما بعد مرور سنة كاملة على استلام الإدارة زمام السلطة منتصفَ كانون الثاني (يناير)، وذلك لأسباب ذات علاقة بدفع ضرائبه كما بسمعته كي لا يكون وزير خارجية لم يكمل السنة.
الاستراتيجية الأميركية المعنيّة بإيران تحتاج من قطر إلى أن تُعدّل مواقفَها كي تكون ضمن الإطار العام لمجلس التعاون الخليجي. المطلوب من قطر ألّا تتبنّى سياسةُ تضرّ بالمجرى الخليجي العام. فالكويت لا تتبنّى العداءَ مع إيران الذي هو من صلبِ سياسة السعودية والإمارات والبحرين، لكنّ الكويت حذِرة ولا تخرج عن الأفق الخليجي.
حتى عُمان التي لها سياساتُها المميّزة لا تخرج عن الأفق. المطلوب خليجياً من قطر ألّا تتبنّى ديبلوماسيةً منفردة تضرّ بدول مجلس التعاون، والمطلوب أميركياً أن تستدركَ قطر أبعاد ديبلوماسيّتها الانفرادية على الاستراتيجية الأميركية المعنيّة بإيران.
ما يقوله الأميركيون للخليجيّين هو أنّ المقاطعة لقطر دفعَت بها إلى مضاعفة تعاونِها العسكري وعلاقاتها الخاصة مع كلّ من تركيا وإيران، وأنّه مِن المفيد للجميع استدراكُ هذه الأضرار وإيجاد الوسائلِ لتلافيها.
ما لا تتساهل فيه إدارة ترامب هو محاربة الإرهاب ومكافحة «الراديكالية الإسلامية، السنّية منها والشيعية، وهي تريد حَشد كتلةِ الدول السنّية شريكاً في مواجهة الإرهاب والراديكالية، وفي طليعتها دولُ مجلس التعاون الخليجي مجتمعةً.
هناك من يتّهم واشنطن بأنّها ضالعة في أزمة قطر وفي ذهنِها تفكيكُ ليس فقط مجلس التعاون نفسه وإنّما تفكيك دولِ مجلس التعاون.
قمّة الكويت تأتي ردّاً على كلّ من يَرغب بتفكيك مجلس التعاون، فهو يبدو باقياً إلى مرحلةٍ ما الآن. وما يتدارسُه الخليجيون هو كيفية إعادة النظر على أساس استخلاص العِبَر.
المصالحة مع قطر أو استمرار الأزمة معها كان العنوانَ الإعلامي لقمّة الكويت قبل انعقادها. لكنّ حدثَ اليمن أقحَم نفسَه على القمّة الخليجية لأنّ همَّ أهلِ الخليج هو إيجاد وسيلةٍ للانتهاء من حرب اليمن باستراتيجية خروجٍ لا تترك الأبوابَ مشرّعةً أمام نفوذ إيران وغاياتها في اليمن.
فكُّ الشراكة بين الحوثيّين وعلي عبدالله صالح كان جزءاً أساسياً من استراتيجية إعادة خلطِ الأوراق بما يؤدّي إلى انحسار النفوذ الإيراني من خلال إلحاق الهزيمة بالحوثيّين. عرقلةُ الحوثيّين للصفقة كانت متوقّعةً إنّما اغتيالُ علي عبدالله صالح يغتال الصّفقة نفسَها. هذا سيؤدّي بـ«التحالف العربي» بقيادة السعودية إلى الانخراط في الحرب بضراوةٍ أكبر، وهذا بدوره سيؤدّي إلى انخراط إيران في حرب اليمن أكثر فأكثر.
والصراع الآن هو على العاصمة صنعاء حيث إنّ إخراج الحوثيين منها يَعني خسارةَ إيران في اليمن. وكلُّ هذا يعني أنّ صنعاء مقبلة على أيام تعيسة من الحصار والجوع والحرب الأهلية الدموية.