كتب طوني أبي نجم
لا نحتاج إلى عبقرية لندرك أن الأمور في لبنان ليست بخير. في أقل من شهر تتم ملاحقة الإعلامي الزميل مرسيل غانم. يتم توقيف أحمد الأيوبي اعتباطياً لـ12 يوماً خلافاً للقوانين وبسبب مقال. يحيل وزير العدل كلام النائب سامي الجميل إلى النيابة العامة التمييزية، ويُحال النائب السابق الدكتور فارس سعيد إلى التحقيق بسبب خطأ مطبعي سخيف والتهمة تحقير الذات الإلهية، إضافة إلى كل ما اعترى التحقيقات مع الممثل المسرحي زياد عيتاني من تسريبات للتحقيقات وزج بأسماء مجموعة من الصحافيين والإعلاميين بطريقة مشبوهة.
نعم، كل ما تقدّم حصل في أقل من شهر، وبعد أن كانت السلطة السياسية أحكمت سيطرتها على القضاء عبر تشكيلات قضائية فاحت منها روائح المحاصصة علناً وبطريقة أقل ما يُقال فيها أنها وقحة. والنتيجة أن هذه السلطة السياسية باتت تسعى إلى فرض نظام يشبه النظام الأمني السابق أيام الاحتلال السوري، لقمع كل صوت معارض للنهج القائم على السياسة المؤيدة لـ”حزب الله” والتي تغطي سلاحه، وعلى تغطية واقع الصفقات والفساد المستشري، والذي يتراشق الاتهامات حوله الوزراء والنواب قبل غيرهم.
ففي حين تتم ملاحقة مجموعة من السياسيين والإعلاميين المعروفين بتوجهاتهم والرافضين للخضوع، يصبح المسؤولون السياسيون والقضائيون في كوما حين يتعلق الأمر بمن هم في الطرف الآخر الموالي لـ”حزب الله” سياسياً وإعلامياً! فوزير العدل لم يسمع من تصاريح النواب عن الفساد والفاسدين سوى تصريح رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” سامي الجميل، ولم يسمع على سبيل المثال لا الحصر مداخلة عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله في مجلس النواب حين تحدث عن تواقيع لوزراء بملايين الدولارات، إضافة إلى غيرها من الاتهامات. كما أنه تتم ملاحقة الزميل مرسيل غانم بسبب كلام قاله ضيوف سعوديون في برنامجه المباشر ويتم التغاضي عما تكتبه صحف مثل “الديار” و”الأخبار” وكل ما فيه من إساءات تتخطى التجريح بدول صديقة، وهو ما تعاقب عليه القوانين اللبنانية بوضوح. ولن ننسى مقالات “تحسّس الرقاب” وغيرها من الكتابات التحريضية والتهديدية التي لم يُحرّك لها القضاء ساكناً… فعن أي عدالة يحدثوننا؟!
إن العودة إلى أساليب زمن الاحتلال السوري والنظام الأمني السوري- اللبناني، وخصوصاً في ظل عودة بعض وجوهه وأركانه إلى الساحة السياسية، لا يمكن أن تحصل مهما كان الثمن، لأن الحرية دفعنا ثمنها دماءً ونضالاً وتعباً وعرقاً. ولا يظنن أحد أن بمقدوره ترهيبنا مجدداً بممارسات بالية وبفبركة ملفات واتهامات سخيفة، أو باستدعاءات للتهويل تحت أقنعة قضائية.
اليوم كلنا مرسيل غانم وأحمد الأيوبي وسامي الجميل وفارس سعيد. هذه الأسماء تمثل اليوم عناوين للنضال السياسي تحتّم على كل منا التضامن الكامل، والتحضّر لمعركة حريات جديدة في وجه الممارسات القديمة والعفنة إياها. وليعلم المعنيون أننا لن نتراجع ولن نهاب أحداً. سنبقى نقول الحقيقة مهما كانت صعبة، وخصوصا في وجه سلطة جائرة وفاسدة بأكثرية من فيها. ونحن على يقين أن معركة الحريات كما معركة تحرير لبنان من هيمنة سلاح “حزب الله” وحلفائه، ومن سلطة الفساد والفاسدين، لن تتوقف قبل تحقيق “الاستقلال الثالث” الكامل والناجز مهما طال الزمن. وإذا كان الخيار اليوم هو بين القضاء والقدر فإننا حتما نختار المواجهة بجبين مرفوع لأن لبنان يستحق وشهداؤنا يستحقون.