كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية: لم يحضر الرئيس الإيراني حسن روحاني قمة المناخ التي انعقدت في باريس، بعدما كان متوقعا حضوره تلبية لدعوة رسمية، وقبل أيام أعلن عن تأجيل زيارة كانت مقررة لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لدوريان الى طهران وهذان مؤشران الى توتر طرأ على العلاقة الفرنسية ـ الإيرانية بعدما كانت سجلت تحسنا ملحوظا منذ إبرام الاتفاق النووي وتدفق الشركات الفرنسية الى إيران، وبروز تمايز في الموقف من هذا الاتفاق بين باريس وواشنطن، ثمة لهجة فرنسية جديدة في مخاطبة طهران ونمط جديد في مقاربة الملفات الإقليمية التي لإيران صلة أو تدخل فيها.
فقد تخلت باريس عن لغة التلميح والإيحاء في الملفات والسياسات المقلقة، وقررت اللجوء الى الأسلوب المباشر في حديثها عن التهديدات الإيرانية، وحصل ذلك بعد التقرير الذي أعدته الأمم المتحدة الذي يندد بتحركات مسؤول العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني التي أجراها أخيرا في سورية والعراق، وكذلك التقرير الآخر حول المصدر الإيراني لصواريخ أطلقها الحوثيون على الأراضي السعودية، وبعد تصريحات لكبار المسؤولين الإيرانيين عن تمسك وتحكم إيران بالقرار السياسي في أربع عواصم عربية، وعن ممر متواصل من طهران الى المتوسط مرورا ببغداد ودمشق، ووصولا الى بيروت.
لعل ما جاء في حديث وزير الخارجية جان إيف لودريان، في برنامج تلفزيوني خصص للحرب في سورية، وبث على القناة الثانية، يأتي بالدليل القاطع على تبدل اللهجة الفرنسية، فالوزير الفرنسي لم يتردد أبدا في التنديد بالموجات الإقليمية الإيرانية، وبسياسة طهران في سورية والعراق وغيرهما من بلدان المنطقة، وإزاء الطموحات الإيرانية المتمددة، أعلن لودريان أن فرنسا تقول: «لا للوجود الإيراني، وللرغبة الإيرانية في إقامة محور من البحر المتوسط إلى طهران»، ولم يكتف الوزير الفرنسي بذلك، بل إنه طالب بخروج المقاتلين الإيرانيين من سورية باعتبار أن سورية «دولة سيدة، ما يعني أنها يجب أن تكون بعيدة عن الضغوط، وخالية من الحضور الأجنبي» بعكس الوضع القائم هناك منذ سنوات، حيث إن إيران تورد لسورية «ميليشياتها وتدعم حزب الله»، حقيقة الأمر، أن الخارجية الفرنسية تتحدث علنا للمرة الأولى عن محور إيراني من طهران إلى المتوسط، رغم أن لودريان نفسه سبق له أن أشار، خلال زيارته للسعودية الشهر الماضي، إلى «نزعة الهيمنة» الإيرانية، كما أن رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون ندد بالبرنامج الباليستي الذي تطوره طهران والذي اعتبره «بلا ضوابط».
وسبق للرئيس ماكرون أن حاول التزام موقف وسطي بين طهران وواشنطن، فمن جهة، أكد تمسكه بالاتفاق النووي المبرم مع طهران، وهذا لا يتوافق ما رغبات الإدارة الأميركية، لكنه من جهة ثانية طالب طهران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات للبحث في برنامجها الصاروخي والباليستي، وهذا ما لا ترضاه القيادة الإيرانية، وفي الملف السوري، تعتبر باريس أن لطهران وروسيا تأثيرا كبيرا على نظام الرئيس الأسد.
ولذا، فإن لودريان دعا إلى أن تعمد موسكو وطهران، وهما أبرز جهتين قادرتان على الضغط على دمشق من أجل الوصول إلى حل سياسي بالتعاون مع الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وخص روسيا بالدعوة إلى ممارسة ضغوط على الأسد حتى يخفف الحصار عن الغوطة الشرقية قرب دمشق.
أما بخصوص مصير الرئيس السوري، فإن باريس، رغم تعديل موقفها مع مجيء ماكرون إلى السلطة والتوقف عن المطالبة برحيله لا لإطلاق محادثات السلام، ولا في بدء المرحلة الانتقالية، فإنها ما زالت تعتبر أنه ليس الحل لسورية، هذا التوتر الإيراني الفرنسي بسبب رفض باريس لسياسات وطموحات طهران في المنطقة، انعكس على لبنان حيث لإيران نفوذ قوي ولفرنسا وجود تاريخي وقاعدة ارتكاز، والرئيس الفرنسي ماكرون يطمح الى أن يستثمر دوره في لبنان كمنصة لعودة باريس الى المنطقة، وذلك على نحو يحاكي استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسها، الذي يستثمر بدوره سورية كمنصة لإعادة روسيا الى المنطقة.
وفي إطار الاهتمام الأوروبي بالملف اللبناني يبرز دور فرنسا كمرجعية مدعومة أميركيا وإقليميا لرعاية استكمال حل البعد الإقليمي لأزمة استقالة الرئيس سعد الحريري، وأيضا لإعادة لبنان الى خريطة الدول المانحة لاقتصاده، وتفيد معلومات بأنه لا يوجد حماسة في طهران لمنح باريس مساحة تمكين لها في لبنان تستخدمها منصة لإعادة إثبات حضورها في سياسات الشرق المتوسطي.
وثمة اعتقاد أن جولة أحد قادة «الحشد الشعبي» العراقي قبل أيام في الجنوب وتسرب صور عنها عبر محطة تلفزيونية مؤيدة لهذه الجهة، إنما يشكل رسالة ليس فقط لإسرائيل بأنها ستواجه حربا إقليمية شاملة في حال أشعلت حربا ضد حزب الله، بل هي أيضا رسالة الى باريس لإفهامها أن هوامش نفوذها في لبنان ليست كبيرة، وأن باريس لا تستطيع تجاهل وقائع موجودة في المنطقة التي تطمح للعودة إليها، وهي وقائع لديها امتداداتها انطلاقا من لبنان حتى العراق، وبالعكس.