كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: يَتزامن إحياء عمل الحكومة اللبنانية اليوم للمرة الأولى بعد أزمة استقالة رئيسها سعد الحريري التي انفجرتْ في 4 نوفمبر الماضي وانتهتْ رسمياً في 5 الجاري، مع ملامح مسعى لضمان انتظام الوضع السياسي وفق ضوابط تتيح نقْل معالجة ما بقي من ذيول مرحلة الاستقالة على مستوى العلاقات الداخلية الى «الغرف المغلقة» بما يسمح باختبارٍ فعلي للنسخة الجديدة من التسوية التي قامتْ على نقطةِ ارتكازٍ عنوانُها النأي بالنفس عن أزماتِ المنطقة وصراعاتها وعن التدخل في شؤون الدول العربية.
وشكّل إرجاء الرئيس الحريري (الى أجَل غير مسمى) إطلالته التلفزيوينة التي كانت مقرَّرة لـ«يبقّ فيها» ما وصفه بأنه «بحصة كبيرة» حول مَن «طَعَنَه في الظهر» إبان أزمة الاستقالة، إشارةً واضحة الى رغبةٍ في تفادي تأجيج المناخ مع بعض القوى السياسية التي يَعتبر أنها أدتْ أدواراً سلبية في ملف الاستقالة، وسط مُلاحَظةِ أوساطٍ متابعة ان لقرار تأجيل «الكلام الكبير» اعتبارات محلية وأيضاً سعودية، بما يعكس حرص زعيم «تيار المستقبل» على عدم اعتماد سياسة «حرق المراكب» في علاقاته، متوقّفة في الوقت نفسه عند أن التوتّر بين «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» لم يجد طريقه بعد الى التبريد الكامل بدليل «المناوشات» المستمرّة عبر الشاشات والتي بدأتْ تثير تفاعلاتٍ في أكثر من اتجاه، الأمر الذي قد يفرض على الطرفين الذهاب الى مُكاشَفةٍ خلف الكواليس.
وشكّلتْ مشاركة الحريري في منتدى الحوار الذي نظّمه مركز «كارنيغي» للشرق الأوسط في بيروت أمس مناسبةً أكد فيها إرجاء إطلالته التلفزيونية ،موضحاً انه لم يحدد في الأساس موعداً للمقابلة مع الإعلامي مارسيل غانم «بل قلتُ إنه في يوم من الأيام سأقوم بإجرائها وبقّ البحصة»، قبل أن يتحدّث عن موضوع النأي بالنفس مؤكداً أنه «مبدأ مهمّ للغاية ومَن لا يحترم هذا المبدأ فسيكون اللوم عليه ولن نسمح بأن يدفع الشعب اللبناني الثمن»، لافتا الى «أن اي فريق سياسي يريد تحقيق الاستقرار وتحقيق مصالح لبنان الاقتصادية فعليه ان يلتزم بتطبيق سياسة النأي بالنفس». واذ شدد على أنه ستكون لديه خطوات محدَّدة لضمان احترام وتطبيق سياسة النأي بالنفس، قال: «موقف الولايات المتحدة ودول اوروبا تجاه( حزب الله) واضح والجميع يطالبون بحوار وطني وعلينا ان ننظر الى هذا الحوار بشكل جدي ومسألة (حزب الله )هي أكبر من لبنان وهي مسألة اقليمية ويجب عدم لوم لبنان على هذا الوضع»، لافتاً الى «ان بعض المسائل حصلتْ في الجنوب واتخذتُ شخصياَ مع الرئيس ميشال عون خطوات في هذا الصدد» في إشارة الى زيارة قائد ميليشيا «عصائب أهل الحق» العراقية قيس الخزعلي للحدود الجنوبية.
ولم يكد ينهي الحريري كلامه في المنتدى الحواري حتى استقبل في السرايا الحكومية قائد القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل ترافقه السفيرة الأميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد التي ذكّرت بعد اللقاء باجتماع «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان في باريس للاعتراف بدور رئيس الوزراء الحريري كشريك رئيسي في الحفاظ على وحدة لبنان واستقراره»، موضحةً ان المجموعة «لفتت الانتباه إلى إعادة الحكومة اللبنانية التأكيد على سياسة النأي بالنفس عن الصراعات والحروب الإقليمية، وأعادت الى الاذهان التزامات لبنان السابقة بقرارات مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك القرارين 1559 و 1701».
وأوضحتْ ان زيارة فوتيل واللقاء مع الحريري ومع قائد الجيش العماد جوزف عون تخللهما نقاش حول ثلاثة برامج جديدة لوزارة الدفاع الأميركية لدعم الجيش اللبناني بقيمة أكثر من 120 مليون دولار، معلنة ان «هذه الأنظمة تشمل ست مروحيات هجومية خفيفة من طراز MD 530G، وست طائرات من دون طيار جديدة من طراز Scan Eagle بالإضافة الى أحدث أجهزة اتصالات والرؤية الليلية». بدوره، قال فوتيل «اننا أجرينا محادثات ممتازة وأعتقد اننا بدأنا باتخاذ بعض الخطوات للمضي قدماً في تمتين علاقاتنا. ونحن فخورون جداً بشراكتنا مع القوى اللبنانية المسلّحة وهم محترفون وفعالون ويضعون مصلحة الشعب اللبناني نصب أعينهم، وأنا هنا أتحدّث نيابةً عن القيادة الوسطى الأميركية ونحن فخورون جداً بأدائهم».
وفي موازاة ذلك، تتّجه الأنظار الى القمة الروحية المسيحية – الإسلامية التي تُعقد اليوم في مقر الكنيسة المارونية في بكركي دعماً للقدس كعاصمة لفلسطين وتنديداً بقرار الرئيس الأميركي الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، في الوقت الذي يلتئم مجلس الوزراء في قصر بعبدا وعلى جدول أعماله رزمة من البنود أبرزها نقاش العروض في ما خصّ التنقيب عن الغاز في الحقلين 4 و9، في حين تَحضر في المداولات عناوين سياسية بارزة بينها ملف القدس وجولة الخزعلي جنوباً ونتائج اجتماع مجموعة الدعم الدولية.