كتبت دوللي بشعلاني في صحيفة “الديار”:
قبل إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري عن استقالته من الرياض، كان البحث جارٍ حول ضرورة إعادة النازحين السوريين الى بلادهم لعدم قدرة الدولة اللبنانية على تحمّل المزيد من الأعباء الهائلة الناتجة عن استقبالهم على أراضيها منذ 6 أعوام، لكن الخلاف داخل الحكومة أوقفه بين مؤيّدين للتفاوض مع النظام السوري لتحقيق هذه العودة، وبين المعارضين لهذه الفكرة والمنادين بضرورة التعاون مع الأمم المتحدة ووكالاتها ومنظماتها المتخصّصة فقط لتحقيق هذه الغاية.
وبعد عودة الحريري عن الإستقالة، وعودة الحياة الى مجلس الوزراء ومشاركة رئيسه في اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان التي «أثنت على الجهود الحثيثة التي يبذلها لبنان، شعباً وسلطات، من أجل استقبال اللاجئين السوريين»، وذكّرت «بضرورة عودة اللاجئين إلى ديارهم عودة آمنة وكريمة متى تتوافر الظروف المناسبة على أن تيسّر الأمم المتحدة هذه العودة، وذلك وفقاً للقانون الدولي، بما فيه مبدأ عدم الإعادة القسرية»، فإنّ النقاش حول موضوع «إعادة النازحين السوريين الى بلادهم» سيعود الى الواجهة.
وموضوع إعادتهم، لن يكون مقتصراً هذه المرّة على التفاوض بين كلّ بلد مجاور وبين سوريا فقط، على ما أكّدت أوساط ديبلوماسية لبنانية، بل سيكون من صلب مهام المجتمع الدولي، كما الإتحاد الأوروبي الذي دعا الى عقد المؤتمر الثاني بعنوان «دعم مستقبل سوريا والمنطقة» في ربيع العام 2018 والذي سيبحث فيه الإستجابة للإحتياجات الإنسانية ومساعدة لبنان على تحمّل عبء النزوح الكثيف وكيفية إعادة إعمار سوريا وعودة النازحين اليها من دول المنطقة.
غير أنّ ما سيُطالب به لبنان، على ما أفادت الاوساط، هو مساعدته على إعادة النازحين السوريين على مراحل، الى المناطق الآمنة والمستقرّة في سوريا والتي أصبح عددها كبيراً جدّاً. وإذا كانت الأمم المتحدة لم تقتنع بعد بإعادتهم قبل الحلّ السياسي النهائي والشامل للأزمة السورية، إلاّ أنّها لا بدّ وأن تُبدّل رأيها بعد التوافق على هذا الحلّ الذي سيحصل قريباً. علماً أنّ العودة يمكن أن تكون فردية، من لبنان باتجاه المناطق الآمنة في سوريا، ما دامت الطريق الدولية مفتوحة أمام النازحين للذهاب والإياب، ما قد ينفي الحاجة الى تنظيم عودة جماعية بأحجام كبيرة، إلاّ في حال رفض النازحون العودة من دون ضمانات.
وذكرت الاوساط بأنّ النازحين بدأوا يعودون من الأردن التي تستضيف 660 الف لاجىء مسجّل الى سوريا، بالتنسيق مع مفوضية اللاجئين فيها، وذلك منذ أن اتُخذ القرار بوقف إطلاق النار جنوب غرب سوريا في تموز الماضي. ويعود نحو 200 لاجئ كلّ ثلاثة أيام، وفق موعد رحلات الحافلات التي تُنظّمها السلطات الأردنية الى نقطة عبور في منطقة الرويشد. وهذه العودة تتمّ بمحض الإرادة، ومن دون أي ضغوط، على أن يقوم الراغبون بالعودة الى تسجيل أسمائهم في سجلات مكتب العودة للحصول على مقاعد لهم.
كذلك فإنّ عمليات عودة النازحين السوريين من تركيا الى مناطقهم السورية قد بدأت منذ أشهر، بحسب المعلومات، من خلال منحهم فرصتين لقضاء عيدي الفطر والأضحى مع عائلاتهم. كما وضعت فترة محدّدة على النازحين العودة خلالها الى حيث كانوا في تركيا وإلاّ فقدوا حقّ اللجوء. وقد لاحظ الخبراء أنّه من أصل 120 ألف نازح قضوا عطلة عيد الفطر في سوريا، بقي 22 ألفاً و640 منهم في مناطقهم، ما يعني أنّهم قرّروا البقاء في بلادهم بعد أن لمسوا الإستقرار وشعروا بالطمأنينة فيها. في المقابل، ذكرت أنّ عودة النازحين الذين توجّهوا الى مناطقهم لقضاء عطلة الأضحى لا تزال مستمرة من سوريا الى تركيا، على أن تنتهي الفترة المسموح بها لعودتهم في 31 كانون الأول الجاري. ويتوقّع المراقبون بقاء عدد كبير من النازحين السوريين في بلادهم.
أمّا من لبنان فيعود بعض النازحين السوريين الذين لم يترك كلّ أفراد عائلاتهم البلد، ولكن بأعداد قليلة، على ما أفادت المعلومات، وعدم اتخاذ الحكومة قراراً رسمياً بإعادتهم الى بلادهم، أو بترحيلهم يجعلهم يطمئنون أكثر، وينتظرون ما سيجنوه من المساعدات الدولية. وبحسب أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فيه، فإنّ عدد المسجّلين لديها قد تراجع الى المليون بعد أن كان مليون ونحو 300 ألف نازح سوري. كما أنّه بإمكانها مساعدة لبنان على إحصاء عدد الراغبين بالعودة الى بلادهم، وغير القادرين على الإنتقال اليها، إذا طُلب منها ذلك. لكن هذا الأمر يحتاج بالطبع الى قرار يتخذه مجلس الوزراء في هذا الإطار، ومن المتوقّع أن يبحث موضوع العودة في جلساته القادمة، على ما أكّدت الأوساط نفسها، سيما وأنّ جميع المكوّنات السياسية متفقة على ضرورة عودة النازحين لكنها تختلف حول الوسيلة.
وشدّدت الاوساط على أنّ لبنان لا يُمكن أن يقبل سوى بالعودة الطوعية، لكنّه في المقابل يعمل في المؤتمرات الدولية كافة على شرح النتائج السلبية الذي تسبّبها استضافة أعداد كبيرة من النازحين السوريين، فضلاً عن اللاجئين الفلسطينيين، على الوضع الداخلي اللبناني بحيث يصعب معها المضي في ورشة الإصلاح الإقتصادية والإجتماعية. فيما تبدو «مجموعة الدعم الدولية»، على ما كشفت الاوساط، مصمّمة على مساعدة لبنان للتخلّص من هذه المشكلة من خلال مبادرات أو اقتراحات من بعض الدول المشاركة فيها، سيجري طرحها في اجتماع بروكسل.
وبحسب الأوساط، فإنّ غالبية النازحين السوريين في لبنان يرغبون في العودة الى بلادهم، لكنّ أكثر ما يمنعهم من تنفيذها هو خوفهم من المستقبل المجهول، على ما يقولون، فضلاً عن استمرار الأسباب التي كانت وراء مغادرتهم لمناطقهم من ملاحقة واعتقال وتدمير وما الى ذلك…، غير أنّهم إذا تمكّنوا من العودة لفترة قصيرة ومعرفة ما ستكون عليه حالهم في ديارهم، فإنّ هذا الأمر يُشجّعهم على اتخاذ القرار النهائي بالعودة سيما وأنّ أوضاعهم الحالية مذرية في المخيمات التي تفتقر الى الحدّ الأدنى من مقوّمات العيش… والمشكلة لا تتوقّف عند رغبة النازحين بالعودة أم لا، إنّما تتعلّق بموقف النظام السوري منهم، رغم أنّه جرى صدور مراسيم عفو بحقّ الكثير من الذين حملوا السلاح في وجه الجيش النظامي.
في الوقت نفسه، كشفت الاوساط أنّ مناقشة موضوع العودة تجري بين المسؤولين السياسيين الذين يُشدّدون على عودة النازحين بكلّ عزّة وكرامة الى المناطق الآمنة في بلادهم. وثمّة اقتراح يجري التداول به يقضي باعتماد كلّ نازح لا يخشى من العودة خط المصنع، فيما يلجأ النازحون الآخرون الى تركيا للعودة الى المناطق الآمنة شمال البلاد، والى الأردن للعودة الى المناطق الجنوبية فيها. وإذا كانت الظروف الحالية غير مؤاتية لعودة أكثر من خمسة ملايين سوري يعيشون كنازحين في البلدان المجاورة الى ديارهم، على ما ترى منظمات الأمم المتحدة، إلاّ أنّ عودة مليون أو اثنين منهم، بحسب رأيها، لا بدّ وأن تُسهم في إعادة الحياة للبلاد كما في إعادة إعمارها.