كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”:
لا يتوقف عدّاد المستشفيات الخاصة عن الربح، تماماً كعدّاد الفوائد المصرفية الذي يواصل الدوران على مدار الساعة. المريض يدفع ثمن كل لحظة يمضيها في المستشفى وكل خدمة يحصل عليها، بدءاً من استعمال السرير ومياه الحمّام واستهلاك ورق الحمام، وصولاً إلى العمليات الجراحية والمستلزمات الطبية وزيارات الأطباء واستهلاك الأدوية… والفوترة تبدأ قبل دخول المريض إلى المستشفى (دفعة مقدماً)، وتستمرّ حتى لحظة خروجه منها.
هكذا هي الحال في كل المستشفيات. إلا أن مستشفى الجامعة الأميركية يعدّ «حالة خاصة» لمرضى الضمان الاجتماعي، حيث لا مكان لهؤلاء إلا في «الدرجة الأولى» ولا فواتير إلا وفق تعرفات هذه الدرجة!
في أيار الماضي، رفعت مصلحة المراقبة الإدارية على المستشفيات في صندوق الضمان تقريراً إلى المدير العام محمد كركي عن إجبار الـAUH مرضى الضمان على دفع فروقات مالية باهظة بعد الامتناع عن استقبالهم في درجة الضمان بحجة عدم توافر أسرّة، وتخييرهم بين الدرجة الأولى أو البحث عن مستشفى آخر يستقبلهم… يومها اتخذ كركي قراراً بوقف السلف المالية للمستشفى استمرّ لشهرين، قبل أن يلغيه بعد مفاوضات أفضت إلى اتفاق على استقبال مرضى الضمان في درجة الضمان ومعالجة المشاكل العالقة لجهة الفوترة المُبالغ فيها.
ستة أشهر مرّت على الاتفاق من دون أن يسجّل أي تغيير فعلي في سلوك المستشفى. فرغم موافقة إدارته على «تصحيح» عملية الفوترة وحذف الشوائب التي اشارت إليها مصلحة المراقبة الإدارية، إلا أنها أضافت بنوداً جديدة إلى الفاتورة لم تكن مذكورة سابقاً، بحجّة أن الضمان لم يطلب حذفها! وبعد التزام استقبال مرضى الضمان في درجة الضمان لفترة وجيزة، عادت إدارة المستشفى إلى ممارساتها السابقة بالحجّة نفسها: لا أسرّة شاغرة للضمان. ومنذ ذاك، وصلت إلى مصلحة المراقبة الإدارية على المستشفيات في الضمان عشرات الشكاوى عن حالات مستعصية وفواتير باهظة وإذلال لمضمونين أُجبروا على التخلّي عن حقّهم في الحصول على الاستشفاء مقابل التفاوض على الفروقات المالية!
ويبدو أن «الظهر» السياسي الذي يسند المستشفى يجعله يتصرف وكأنه فوق القوانين. فبحسب مصادر مطلعة، دفعت ضغوطات مراجع سياسية إدارة الضمان في المرة الماضية إلى التراجع عن قرار وقف السلف المالية، ما شجّعه على العودة إلى المخالفات السابقة. ومصدر نفوذ المستشفى هو السياسيون الذين يتلقّون العلاج فيه، وبينهم رؤساء ووزراء ونواب حاليون وسابقون، بعضهم «يمون» على الضمان وإدارته.
وعلى مدى سنوات، حصل المستشفى من صندوق الضمان على سلف مالية بقيمة 3.3 مليارات ليرة شهرياً في مقابل استقبال نحو 1100 مريض فقط، علماً بأن المستشفى يضم 300 سرير، إضافة إلى أسرّة مستشفى سانت جود واللواحق الأخرى. وهذا يعني أن حصّة كل سرير تبلغ 3.6 من مرضى الضمان شهرياً، وهي حصّة متدنية جداً قياساً إلى القدرة المتاحة وإلى سلفة بقيمة 3 ملايين ليرة مقابل كل مريض.
والأخطر من النمط القديم ــــ الجديد في تعامل مستشفى الجامعة مع مرضى الضمان، طبيعته «التجارية» وشبكة المصالح بين المستشفى والطبيب. إذ يوضح مصدر طبي من داخل الـAUH أن الهدف من ادعاء عدم توافر أسرّة لمرضى الضمان هو «تشغيل الدرجة الأولى بعد تقلّص أعداد المرضى العراقيين والخليجيين الذين كانوا يقصدون المستشفى». ويلفت إلى أنه كلما زادت الدرجة ارتفعت أجرة الطبيب وازدادت الفاتورة، «فما تطلبه الإدارة من فروقات للدرجة الأولى لا تشملها تغطية الضمان، لا تذهب إلى ميزانية المستشفى حصراً، بل إن جزءاً أساسياً منها يذهب إلى الطبيب. وهذا ينطبق على كل المستشفيات». وتضيف المصادر: «الموضوع تجاري بحت ولا علاقة له بحاجات المريض الطبية. إذ إن لغالبية الأطباء علاقات متينة مع مستوردي المستلزمات الطبية. لذلك يطلب هؤلاء من المرضى استعمال مستلزمات معينة بحجة تدني جودة تلك التي يغطّيها الضمان، علماً بأن الأخير لا يغطّي إلا المستلزمات الموافق عليها من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)».
النفوذ السياسي القوي الذي تحتمي به إدارة المستشفى يترك الضمان عاجزاً عن التحرّك إلا ضمن سقف التفاوض مع المستشفى على قيمة الفرق المستحق لها عن الدرجة الأولى. إدارة الضمان تؤكد أنها تتابع الأمر، وأنها ضبطت، على مدى الأشهر الماضية، محاولات لدى أكثر من مستشفى للتلاعب بالفواتير، وقد أعيدت مبالغ للمضمونين عن فروقات استوفتها إدارات المستشفيات من دون وجه حق، وبالاستناد إلى العقد الموقع بين الضمان والمستشفيات. علماً أن محاولات المستشفى لتدفيع المضمون فرق الدرجة الأولى بحجّة عدم توافر سرير شاغر، لا تشكّل مخالفة للعقد مع الضمان فحسب، بل ترقى إلى مستوى «السرقة الموصوفة»، وهو ما يوجب على إدارة الضمان حماية المضمونين وحقوقهم في الاستشفاء من خلال إجراءات زجرية تعيد تصويب مسار العلاقة بين الطرفين. وقد يتطلب الأمر أكثر من إجراء تأديبي كالذي قامت به إدارة الضمان في أيار الماضي، أي وقف السلف، بل ربما فسخ العقد معها وتحويل السلفة المالية إلى مستشفى آخر قادر على تلبية حاجات المضمونين الملحّة ومنع إذلالهم والتعدّي على حقوقهم.
حق المضمون
من ضمن شروط «إدخال مريض الضمان إلى المستشفى» المنصوص عليها في المادة الخامسة من العقد الموقع بين الضمان والمستشفيات، الآتي:
ـ من المتفق عليه صراحة أنّ على الفريق الثاني (المستشفى) أن يمتنع عن تقاضي أي مبلغ مسبق على سبيل التأمين من المستفيد. ويُعَدّ حساب قسم الطوارئ داخلاً في حساب الاستشفاء.
ـ في حال عدم توافر سرير في درجة الضمان، فإن الفريق الثاني ملزم باستقبال المريض المستفيد ومعالجته في الدرجة الأعلى من دون تقاضي أي فروقات مالية، سواء للطبيب المعالج أو للمستشفى، على أن ينقل إلى درجة الضمان فور توافر أي سرير فيها.