كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:
أطلق وزير الداخلية نهاد المشنوق بتوقيعه مشروع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في 6 أيار المقبل صفارة السباق الانتخابي الذي ستغلب التحضيرات له على الحياة السياسية في الأشهر المقبلة، لإعادة تكوين السلطة، وسط ترقب محلي وخارجي لميزان القوى الذي سينتجه قانون الانتخاب الجديد الذي يعتمد للمرة الأولى في تاريخه النظام النسبي، نظراً إلى اهتمام دول كثيرة بتموضع السلطة في لبنان في إطار الصراعات التي تشهدها المنطقة.
ولعل إشارة بيان «مجموعة الدعم الدولية للبنان» بعد اجتماعها قبل 10 أيام في باريس والذي كرس الاحتضان الدولي لاستقرار لبنان، إلى «التحضير للانتخابات النيابية تماشياً مع المعايير الدولية» دليل على رصد المجتمع الدولي هذا الاستحقاق، واهتمامه بأن تنتج منه سلطة تلتزم المبادئ التي نص عليها البيان، بدءاً بأهمية احترام النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية وعدم التدخل فيها مروراً بتطبيق القرارات الدولية ولا سيما القرارين 1701 و1559 و2373 و «استئناف المناقشات في شأن خطة الدفاع الوطني» المتعلقة بسلاح «حزب الله». كما أن قول وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و «حزب الله» لم يعطيا رئيس الحكومة سعد الحريري «هامشاً سياسياً واستخدماه واجهة لتغيير قانون الانتخاب»، يعبّر عن القلق الخليجي من أن تستفيد إيران من القانون الجديد للهيمنة على المجلس النيابي المقبل للإفادة من لبنان في ترسيخ نفوذها عبر حلفائها في الإقليم.
وترى مصادر سياسية مواكبة لتوجهات الحريري بعد أزمة استقالته، أن ما قصده حين قال أن الانتخابات «ستكون بين خطين: من يريد الاستقرار والأمن والاقتصاد ومن يريد فقط الصراخ والمزايدة على سعد الحريري»، هو إشارة إلى أن تنفيذ قرار مجلس الوزراء بالنأي بالنفس الذي اعتبره مدخلاً للاستقرار سيكون في صلب المرحلة المقبلة، مؤكداً أنه سيكون «أول من ينتقد أي خروج عن الالتزام به»، فضلاً عن أنه سيواجه التعبئة الانتخابية ضد تياره لجهة السياسة التي يتبعها بالحفاظ على هذا الاستقرار، متحصناً بالتأييد الذي حصل عليه لنهجه بعد عودته عن الاستقالة.
وفي وقت يردد معظم الأقطاب أن حديث التحالفات الانتخابية لم ينضج بعد وأن ملامحه لن تظهر قبل شهر شباط المقبل، فإن التحضيرات لرسمها بدأت منذ الآن، وتسمية بعض الفرقاء بعض مرشحيهم تمهد لكشف الأوراق. ويتطلع الوسط السياسي إلى ما ستؤول إليه العلاقة بين «تيار المستقبل» وبين حزب «القوات اللبنانية» في ضوء التوتر الذي شاب علاقة الحليفين بعد استقالة الحريري، وفي ضوء تشديد الأخير على تحالفه مع «التيار الوطني الحر». ويقر الحليفان المختلفان وفق مصادرهما بأن المعالجة تتطلب توافقاً على التوجهات السياسية قبل أي شيء، إذ لا تقتصر على إيجاد الحلول لمواقف ظرفية ظهرت.
وقال مصدر في «تيار المستقبل» لـ «الحياة» أن هناك جهداً شبه يومي من أجل ما سماه الحريري الحاجة إلى توضيحات في ضوء اختلاف الأداء أثناء استقالته، وأن التواصل شبه يومي بين وزيري الإعلام ملحم رياشي والثقافة غطاس خوري بهدف «إعادة هيكلة العلاقة في الملفات الداخلية».
ويقول المصدر أن سوء التفاهم بين الجانبين بدأ يظهر قبل الاستقالة وزادت حساسيته بعدها، بفعل الالتباسات في شأن موقف «القوات» من الاستقالة وظروفها في ضوء ما اعتبره بعض محازبي «المستقبل» في تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي تحريضاً من «القوات» على الحريري لدى المملكة العربية السعودية بمهادنة «حزب الله»، ما تسبب في ردود من محازبي «القوات» وسجال دفعت الحريري إلى القول إن هناك تضخيماً في وسائل الإعلام للخلافات.
وفي تقدير المصدر في «المستقبل»، إن الحريري ورئيس «حزب القوات» سمير جعجع التقيا قبل الاستقالة وناقشا في أجواء إيجابية العلاقة، مشيراً إلى أن حيثيات العلاقة تنقسم إلى شق داخلي وآخر يتعلق بالسياسة الخارجية. وعلى الصعيد الداخلي، نشأت حساسية لدى «القوات» من تحالف الحريري مع الرئيس عون، فيما المشكلة ليست مع زعيم «المستقبل» في هذا المجال بل مع «التيار الوطني الحر» نتيجة الخلاف على التعيينات الذي عبر عنه وزراء «القوات» في الحكومة، وعلى التنافس في الساحة المسيحية انتخابياً مع بدء الترشيحات. وبعض التجاذب أخذ بعداً يتعلق بالحسابات المبكرة جداً في شأن معركة رئاسة الجمهورية. وفي هذا المجال، لا علاقة لـ «المستقبل» بحسن تطبيق ورقة التفاهم في معراب بين الفريقين حين قرر جعجع دعم العماد عون للرئاسة. وفي المقابل، لم يكن بإمكان الحريري أن يلعب دوراً في مسألة حصة «القوات» في التعيينات، لأن القاعدة هي أن تتولى قيادة كل طائفة تسمية من تراه مناسباً لمناصب الفئة الأولى. وذكر المصدر أن الحريري معني بأن تكون للمسيحيين حصتهم، لكنه ليس في وارد الاختلاف مع رئيس الجمهورية بسبب الحصص المخصصة للمسيحيين في الإدارة، بسبب تحالفه مع جعجع، لاقتناعه بأن الخلاف بين رئيسي الحكومة والجمهورية يجمد البلد والمؤسسات، والتجارب على مر السنوات أثبتت ذلك. لكن المصدر يردف قائلاً»: «لكن الحريري يعتقد أيضاً أن رغبته في عدم الاختلاف مع عون لا تعني أن يختلف مع جعجع، مثلما أن حلفه مع الأخير لا يفترض أن ينسف علاقته مع عون».
إلا أن أوساطاً مراقبة لعلاقة الجانبين ترى أن من أسباب تفاقم الخلاف شعور حزب «القوات» بأن خلافه مع «التيار الوطني الحر» ورئيسه وزير الخارجية جبران باسيل، الذي برزت مظاهره داخل الحكومة (ملف الكهرباء ورد التيار بعرقلة مشاريع لوزارة الصحة وغيرها) وفي مواقف باسيل ضدها في عدد من المناسبات، يعود إلى خضوع «التيار البرتقالي لضغوط «حزب الله» عليه لفك تحالفه مع «القوات». وفي رأي المراقبين أن شعوراً نشأ لدى حزب «القوات» بأن باسيل يستفيد من تحالف عون مع الحريري لإبعاد «القوات» نزولاً عند رغبة الحزب ربطاً بالانتخابات النيابية ولحسابات مبكرة تتعلق برئاسة الجمهورية التي يطمح إليها باسيل مستقبلاً.
ويعتبر المصدر في «المستقبل» أن التباين في إدارة الملفات الداخلية بين الفريقين المسيحيين مختلف تماماً عن الموقف من إدارة الحكومة والرئيسين عون والحريري للسياسة الخارجية والموقف من سياسات «حزب الله» وتدخلاته في الدول العربية، حيث إن رئيس الحكومة تصدى قبل الأزمة الأخيرة لتصرفات الحزب مذكراً بخطوات أخذها بدءاً بزيارة الجنوب قبل أشهر رداً على تنظيم «حزب الله» رحلة لصحافيين إلى المنطقة الحدودية حيث ظهر مسلحون تأكيداً للالتزام لبنان القرار 1701، وهو من زار الجرود الشرقية للتشديد على دور الدولة في تحريرها من «داعش» رداً على سعي الحزب إلى مصادرة الانتصار على التنظيم الإرهابي. كما أنه كان يتولى الرد بعد ساعات قليلة على الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في كل مرة يهاجم المملكة العربية السعودية سواء في شأن اليمن أو غيره، وهو في اليوم نفسه لمغادرته بيروت إلى الرياض قبل يوم من الاستقالة رد على أحد خطب نصر الله، مشيراً إلى أن «محاولة تغيير هوية لبنان العربية قرصنة» أثناء رعايته مؤتمراً عن قرصنة الإبداع الإعلامي. كما ذكّر المصدر بزيارة الحريري الكويت لاستدراك الأزمة معها وإدانة تورط الحزب في خلية العبدلي.
ويشير المصدر في «المستقبل» إلى أن الحريري (ووزير الداخلية نهاد المشنوق وكتلة المستقبل) تصدر رفض التطبيع مع النظام السوري وهو الذي نزع الشرعية عن زيارات وزراء حلفاء لسورية إليها، وقبوله تعيين سفير في سورية سببه تكريسه مطلب إقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين.
ويضيف المصدر أن الخلاف مع «حزب الله» الذي أدى الى اعتماد ربط النزاع، له وجهان، الأول يتعلق بسلاحه في ظل احتضان أكثرية كبرى في الطائفة الشيعية للحزب والذي يوجب مقاربة الأمر بطريقة لا تؤدي إلى فتنة داخلية، ما استوجب إحالة الأمر إلى الحوار على الاستراتيجية الدفاعية ومواصلة بناء الدولة وتسليح الجيش الذي يوظف رئيس الحكومة كل اتصالاته مع الدول من أجله قبل أن يعود إلى الرئاسة الثالثة، باعتراف الدول الغربية. فالحريري يعتقد أن هذه هي الوسيلة الفضلى لتحقيق التوازن الداخلي مع حفظ مؤسسات الدولة الأخرى. وهو أمر لا خلاف عليه مع «القوات». والوجه الثاني المتعلق بتدخله في الخارج، الذي تصدى له الحريري وفق قدراته في الأشهر الأخيرة للتأكيد من أن وجود الحزب في المحور الإيراني لا يعني أن الدولة اللبنانية في هذا المحور وصولاً إلى العودة إلى سياسة النأي بالنفس بقرار مجلس الوزراء.
ويقول المصدر إن «الحريري سيراقب بدقة تنفيذ النأي بالنفس مثلما أن الدول المعنية تراقب، كما قال الوزير الجبير. وهو كي يتابع عمل الحكومة في هذا المجال، لا بد من أن يتعاون مع رئيس الجمهورية. وقد يكون الوزير الجبير على حق حين وضع عون والحزب في خانة واحدة، والأمر سيخضع للاختبار في المرحلة المقبلة. وهو سبق أن ناقش الأمر مع الجانب السعودي».
وينتهي المصدر إلى تأكيد أن معالجة الملفات الداخلية مع «القوات» قبل الانتخابات، تتم مع التوافق على السياسة الخارجية وعلى قاعدة حرص الحريري على تبريد السجالات.