كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
مع دخول البلاد في مدار الأسبوعيْن الأخيريْن من 2017، بدأ لبنان يتهيّأ لوداع عامٍ حَمَلَ الفصل الأخير منه «هزّةً» سياسية كبيرة بـ «الصاعقة» التي شكّلتْها استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري وجاءت كتعبيرٍ عن “الصدَع” غير المسبوق في العلاقة بين لبنان والسعودية الذي فتحتْه الأدوار الخارجية لـ «حزب الله» وكامتدادٍ للمواجهة المحتدمة بين الرياض وطهران، في حين تشي سنة 2018 بأن لا صوت سيعلو فيها صوت الانتخابات النيابية التي تم تحديد موعدها في 6 ايار المقبل.
وإذا كانت الاستقالة الصادمة التي أُعلنتْ في 4 تشرين الأول الماضي من الرياض انتهتْ بعودة الحريري عنها بعد رجوعه إلى بيروت استناداً الى تفاهُمٍ تعهّدتْ بموجبه كل مكوّنات الحكومة «النأي بالنفس» عن أزمات المنطقة والتدخل بشؤون الدول العربية في تطوُّر عَكَس تراجعاً «لفظياً» من «حزب الله» لزوم تقديم ما يساعد رئيس الحكومة على احتواء الضغوط الخارجية عليه وتالياً الحفاظ على التسوية التي كانت أنهتْ الفراغ الرئاسي والتي توفّر للحزب «درع حماية» من العاصفة الخارجية التي تهبّ عليه، فإنّ انتخابات 2018 تبدو مفتوحةً على كل «العصْف» الذي حفِلتْ به 2017 داخلياً وخارجياً.
والأكيد أن استحقاق 2018 موضوعٌ في بُعده الاستراتيجي على «فالق» المواجهة المفتوحة بين المجتمع الدولي والعالم العربي من جهة وبين إيران و«حزب الله» من جهة ثانية في محاولةٍ لمنْع طهران من استثمار تطوّرات أزمات سورية والعراق واليمن في تثبيت «الدور» الذي لطالما أرادتْه كمدخل الى «نادي اللاعبين الأقوى» في المنطقة على حساب العرب الباحثين عن دورٍ على «أنقاضِ» عواصم (بغداد، صنعاء، ودمشق) تفاخر إيران بأنها «تسيطر» عليها الى جانب بيروت.
وهذا بالتحديد ما يجعل هذه المحطة الانتخابية محور معاينةٍ عن كثب من العواصم الغربية، كما العربية، التي رسمتْ في 2017 «خطوط الإطباق» السياسي – الديبلوماسي والمالي على «حزب الله» بوصْفه الذراع الإيرانية الرئيسية التي تَستخدمها في «مدّ يدها» على الدول العربية وتكريس تَفوُّقٍ في «حرب النفوذ» بالمنطقة، وهو الأمر الذي تجلى في جامعة الدول العربية التي أرفقت الشهر الماضي تصنيف «حزب الله» إرهابياً بوضْع «رِجْل» في اتجاه رفعْ شكوى في مجلس الأمن ضد طهران ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار، وصولاً إلى إحياء مجموعة الدعم الدولية للبنان القرار 1559 كإطارٍ دولي مع القرار 1701 لمعالجة سلاح الحزب من ضمن حوار داخلي تحت عنوان الاستراتيجية الوطنية للدفاع، بعدما كانت واشنطن مهّدت في 2017 لتعزيز العقوبات المالية عليه.
وحملتْ الأيام القليلة الماضية المزيد من إشارات «ربْط النزاع» الدولي والعربي مع قضية «حزب الله» لسنة 2018، وهو ما تجلى في ما كشفته الخارجية الأميركية عن فحوى الاجتماع الخامس لمجموعة تنسيق عمل هيئات الأمن LECG والتي تهدف إلى مواجهة «حزب الله» الذي انعقد الأسبوع الماضي، وإشارتها الى ان الاجتماع الذي جرى بمشاركة أكثر من 25 دولة إضافة لممثلين للشرطة الأوروبية والشرطة الدولية «بحث في نشاط «حزب الله» وتحركاته وكيفية تطبيق وسائل هيئات الأمن ومراقبة الحدود للتصدي للتهديدات العابرة للحدود التي يشكلها هذا الحزب»، وصولاً إلى الترحيب بـ «التزايد المستمر» لعدد الدول المشاركة في اجتماع LECG واعتبار ذلك بمثابة «اعتراف متنامٍ بين شركاء واشنطن بضرورة التعاون لمواجهة المنظمة الإرهابية الدولية حزب الله».
وتَرافق ذلك مع ترحيب الرياض في بيانٍ لخارجيتها بتصريحات السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي بعد إظهارها أدلة بأن الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون على الرياض الشهر الماضي إيراني، معتبرة (السعودية) ذلك انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن الدولي 2216 و2231 في شأن اليمن و1559 و1701 في شأن لبنان.
وتؤشّر هذه «المُراكمة» العربية – الدولية الى أن المواجهة مع «حزب الله» ستنتقل إلى جولات أكثر احتداماً في 2018، على أن تكون الانتخابات النيابية إحدى «ساحاتها»، بدليل الكلام البالغ الدلالات لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و«حزب الله» لم يعطيا رئيس الحكومة «هامشاً سياسياً واستخدماه واجهة لتغيير قانون الانتخاب»، وهو ما عَكَس أن هذا القانون الذي أُقرّ قبل أشهر شكّل إحدى «حلبات» الصراع الذي أفضى لاستقالة الحريري، كما عبّر في بُعده الآخر عن الخشية الكبيرة من الرياض والمجتمع الدولي من أن تشكّل الانتخابات المَدخل لإمساك «حزب الله» بالغالبية البرلمانية مع حلفائه للمرة الأولى منذ 2005 وتالياً سقوط لبنان رسمياً بالحضن الإيراني رغم عدم استبعاد ان يعمد الحزب ومن موقع «المنْتصر» الى حفْظ صُوَري للتوازنات عبر احترام التمثيل السني بعودة الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة تكريساً للحماية الداخلية للحزب بوجه «العاصفة» الخارجية.
وإذ شكّل تحديد موعد الانتخابات في 6 ايار إشارة لعدم امكان إدخال اي تعديلات على القانون النسبي الذي ستجرى على أساسه، فإن الأنظار تبقى شاخصة تبعاً لذلك على ما إذا كانت السعودية تحديداً ستنجح في معاودة لمّ صفوف حلفائها ليشكّلوا «خط دفاع» انتخابياً بوجه «حزب الله» يمنعه من تحقيق مكاسب سياسية، ومن هنا تتركّز الأنظار على إعادة وصْل ما انقطع بين حزب «القوات اللبنانية» والرئيس سعد الحريري على خلفية أزمة الاستقالة، وسط إشاراتٍ لافتة أطلقها «حزب الله» أمس بلسان نواب فيه وصلت الى اعتبار «قانون الانتخاب الجديد يوازي انجازات التحرير»، مع الدعوة المبكّرة للجميع «للتعاطي مع الانتخابات على أساس أنها تعبّر عن إرادة اللبنانيين العامة».