كتبت صحيفة “الأخبار”: فتح توقيع الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري مرسوم منح أقدمية سنة لضباط «دورة عون» خلافاً جديداً بين رئيس الجمهورية والرئيس نبيه برّي، خصوصاً أن المرسوم تخطّى توقيع وزير المال علي حسن خليل، ما ينذر بأزمة سياسية جديدة بعد أسابيع على طي أزمة استقالة الحريري
لم يُكتب لشهر العسل السياسي منذ تجديد التسوية وعودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته أن يستمر طويلاً. ومع أن مرحلة الاستقرار القصيرة أنتجت اتفاقاً حول النفط، وثبتت الانتخابات النيابية في موعدها، إلّا أن توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري، قبل يومين، مرسوم منح أقدمية سنة خدمة لعددٍ من ضباط الجيش مما يسمّى «دورة عون»، ينذر بأزمة سياسية جديدة بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي.
وبعدما بدا أن التناغم بين عون وبري أثناء أزمة الحريري طوى صفحة التوتر بينهما، إلا أن توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة المرسوم ينذر بعودة التوتر مجدداً، وبقوة، مع إصرار بري على رفضه جملةً وتفصيلاً، وخصوصاً أن المرسوم الذي من المفترض أن ينشر اليوم لا يحمل توقيع وزير المال علي حسن خليل.
ومنذ وصوله إلى بعبدا، يصرّ رئيس الجمهورية على منح ضباط «دورة عون» أقدمية سنة خدمة على زملائهم. ولأشهر مضت، بقي المشروع يتأرجح في اللجان النيابية مع إصرار برّي والنائب وليد جنبلاط على رفضه. إلّا أن رئيس الجمهورية أصرّ عليه أخيراً. وبحسب مصادر وزارية متابعة، فقد وقّع الحريري المرسوم السبت الماضي، وبعده وقّعه عون في غضون ساعة واحدة، ليكون أمراً واقعاً في بداية الأسبوع.
وتعود حكاية هؤلاء الضباط إلى نهاية الثمانينيات، عندما طوّعت المدرسة الحربية التي كانت تحت سيطرة حكومة عون العسكرية دورتي ضباط عامي 1989 و1990. ولدى خروج عون من بعبدا في 13 تشرين الأول 1990 إلى فرنسا، وحسم المعركة لمصلحة القوات السورية وجيش الشرعية الذي كان يقوده العماد إميل لحّود، لم يسرّحوا من الجيش ولم يتابعوا دوراتهم، واستمروا في تلقي الرواتب من الجيش، بالإضافة إلى الضمائم الحربية. وفي بداية كانون الثاني 1993، جرى ضمّ الدورتين بمبادرة من لحّود لإعادة لمّ شمل الجيش واحتضان الضباط العونيين، وأعيد هؤلاء لمتابعة الدراسة في المدرسة الحربية في السنة الثانية، ويقدّر عددهم بـ 190 ضابطاً «فئة أولى» (من المسيحيين، بحسب تسمية الأسلاك العسكرية)، و15 ضابطاً «فئة ثانية» (أي من المسلمين). وفي الوقت نفسه، قُبل طلب 346 تلميذاً للدخول إلى الكلية الحربية في كانون الأول 1990، ولم يجرِ إدخالهم إلى الكليّة حتى 4 كانون الثاني 1993 كتلاميذ سنة أولى، أي بعد أيام على إعادة «دورة عون» إلى الكليّة الحربية.
تخرّج طلاب «دورة عون» في أول نيسان 1994، وبذلك يكون هؤلاء قد أمضوا في المدرسة الحربية حوالى 14 شهراً، أي أقل من سنتين دراسيتين في الكلية الحربية (السنة الدراسية 11 شهراً)، بينما تخرّجت الدورة التالية في أول آب 1995. وبذلك يكون ضباط «دورة عون»، الذين تعرّضوا للتأخير نفسه الذي تعرض له زملاء لهم (لم يحصلوا على رواتبهم والضمائم الحربية مثلهم)، قد حصلوا تلقائياً على أقدمية ستّة أشهر بالترقيات على زملائهم (بفعل المواعيد المحدّدة للترقيات في بداية كانون الثاني أو بداية تموز)، بحيث تمت ترقيتهم إلى رتبة ملازم أول في بداية نيسان 1997، بينما تأجلت ترقية زملائهم حتى أول آب 1998، وهكذا دواليك.
مصادر عين التينة أكدت لـ«الأخبار» أن برّي شديد الانزعاج ممّا حصل، وخصوصاً في ما خصّ تخطي توقيع وزير المال، ويعتبر الأمر مخالفة دستورية صريحة. وبحسب المصادر، فإن عون والحريري استندا إلى حالات سابقة لأقدميات على خلفية معارك عرسال والجرود جرى تجاوز توقيع وزير المال فيها، إلّا أن الأخير لم يكن على علم بها، واكتشف الأمر أخيراً. وسبق لوزير المال أن وقّع الأسبوع الماضي على ترقيات في قوى الأمن الداخلي وفي الأمن العام وفي أمن الدولة، وبالتالي فإن توقيعه بحسب المصادر «ضروري دستورياً، كما أن الترقيات والأقدميات ترتّب أعباء مالية، ووزير المال معني بهذا الأمر». وقالت إن «ما حصل سيترك تداعيات كبيرة. والرئيس برّي لن يقبل بالأمر حتى لو تطور إلى أزمة سياسية وشلل حكومي». ونقلت عن رئيس المجلس قوله إن «الأمور لا تمشي في البلد بالعناد وبإكراه الآخرين على القبول بالأمر الواقع. هذا المرسوم لن يمرّ مرور الكرام». واعتبرت المصادر أن الحاضر لا يلغي التاريخ، و«هو أنه كان هناك تمرّد في ذلك الحين على الشرعية»، وأن «جيش عون كان فئويّاً». وبالتالي، فإن «هذا الإجراء، إذا كان مطلوباً منه تغيير وقائع تاريخية، فإنه يعيدنا إلى زمن الانقسامات الحادّة من دون سبب، وسيترك توتّراً في البلد نحن في غنى عنه». وأعربت عن خشيتها من أن يكون هذا الإجراء «جزءاً من تغييرات تعدّ للجيش تعيده إلى زمنٍ مضى، بعدما تحوّل إلى مؤسسة جامعة لكل اللبنانيين».
ولفتت المصادر الى أن المرسوم سيثير بلبلة داخل المؤسسة العسكرية، «إذ يشعر 346 ضابطاً بالظلم نتيجة نيل زملاء لهم أقدمية لا يستحقونها، تؤهّلهم للحصول على ترقيات إلى رتبة عميد في غضون سنتين، بينما يحتاج العقداء الآخرون إلى أربع سنوات للوصول إلى الرتبة نفسها. وبسبب غلبة المسيحيين على ضباط «دورة عون»، فإن هذا المرسوم سيحدث خللاً في بنية الجيش الطائفية في العامين المقبلين. فالعمداء في دورة 1986 معدّلهم من يوم إلى ثلاث سنوات للتقاعد، وضباط دورة 1993 لن يحصلوا على ترقية عميد قبل أربع سنوات، وبذلك سيكون الجيش بعد عامين أمام مئات العمداء من المسيحيين، في مقابل عدد قليل من العمداء المسلمين، مع ما تعنيه رتبة عميد من أهمية داخل المؤسسة العسكرية.
وفيما استغربت مصادر عين التينة توقيع الحريري على المرسوم، قالت مصادر معنيّة إن حزب الله معارض لهذه الخطوة، وهو يقف خلف موقف الرئيس بري، من دون أن يقوم حتى الآن بمبادرة للتدخل وحل الأزمة. فيما أكّدت مصادر عين التينة أن موقف جنبلاط حاسم إلى جانب برّي، لكنّه حتى مساء أمس لم يكن قد اطلع على حيثيات التطورات التي حصلت في اليومين الأخيرين، ولم يتسنَّ لـ«الأخبار» أن تطّلع على موقفه من التطورات.