Site icon IMLebanon

صراع “الحلفاء” في جبل محسن

كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:

دهمت قوّة من الجيش اللبناني منازل في جبل محسن، بحثاً عن «مطلوبين». جريمة هؤلاء أنهم نزعوا لافتات مُرحبة بزيارة الوزير جبران باسيل (أمس) للمنطقة، وصوراً له وأعلاماً للتيار الوطني الحر. أوقف الجيش «المطلوبين»، ثم أعاد إطلاق سراحهم. وهم، بالمناسبة، ليسوا «طابوراً خامساً»، ولا خصوماً للتيار، بل مناصرون لحليف التيار الوطني الحر، الحزب العربي الديمقراطي.

ردّ الفعل على نزع الصور والأعلام مبالغ به، لا شك. ففي أيلول الماضي، حصلت حادثة مماثلة في مدينة بشرّي «الخصمة» للتيار الوطني الحرّ، حيث أُحرقت صورة لباسيل، وشُوِّه حائط مكتب «التيار» في المدينة بكتابات مسيئة، ومرّ الأمر باعتبار العونيين ما حصل «ولدنات فردية». لكن المُستغرب أيضاً أن يجري التعامل مع المناطق بوصفها «غيتوات» لأحزاب أو طوائف، ويُعتبر أنّ دخول أي «غريب» إليها يستوجب الحصول على إذنٍ مُسبق بذلك. ولا سيّما أنّ التيار العوني ليس مُعادياً للعربي الديمقراطي.

الإشكال في جبل محسن لم يدفع وزير الخارجية إلى تعديل برنامجه. أصرّ على زيارة «الجبل» وافتتاح المكتب، حيث قال إنّ «التيار مسؤول عن استرجاع الحقوق المهدورة لكل لبناني. عاد للطائفة العلوية سفير في الملاك وعضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولا ننسى أيضاً المحافظ بشير خضر». لكن في المقابل، انطلقت حملة إلكترونية تؤكد أنّ «الجبل ليس مزرعة… وليس مكسر عصا». وعُقد اجتماع طارئ للعربي الديمقراطي، كشف على أثره عضو المكتب السياسي علي فضّة أنّ نقاشاً حصل «مع التيار بأنّنا معكم بالجملة لماذا تأخذوننا بالمفرق؟ فأتى الجواب من أحد المسؤولين العونيين بأنّ علينا أن نختار بين التيار العوني أو تيار المردة». ورأى أنّ «قرار التيار الوطني الحر فتح مكتبٍ له في جبل محسن كان محطّ ترحيب، خاصة أنّ المكتب فُتح بناءً على وعود بوظائف كما يظهر بطلبات الانتساب». فنضال العربي الديمقراطي «بالأساس هو لاسترداد حقوقنا وتوظيف أبنائنا». فيما كتب الأمين العام للحزب رفعت عيد، على صفحته على «فايسبوك»: «بالقوة وبالظلم ممكن أن تدخلوا إلى جبل محسن، ولكن لن تدخلوا إلى قلوب أهالي جبل محسن. عماد الزيبار (أحد الموقوفين) أنت تُمثلني».

القصة لم تبدأ يوم الأحد مع زيارة باسيل، بل تعود إلى قرابة ستة أشهر حين قرّر التيار الوطني الحرّ إطلاق عمله رسمياً في جبل محسن. يُخبر أحد الذين تابعوا الملفّ أنّه «جرى التواصل مع أحد المسؤولين في التيار، وسألناه لماذا لا يُنسّق حليفنا معنا ونُناقش وإياه العمل في جبل محسن؟». نفى المسؤول العوني علمه «بطريقة العمل التي انتهجها مسؤولو التيار في طرابلس، كاستغلال حاجات الناس والنقص الذي يعانون منه على صعيد الوظائف والخدمات، وإغداق الوعود عليهم. ووعد بمتابعة الموضوع»، بعد تسليمه رسالة رسمية ليوصلها إلى باسيل «تتضمن عتباً على قدر الحِلف الذي يجمعنا». بعدها، تلقّى باسيل رسالة أخرى من رفعت عيد: «لماذا تدخل إلى جبل محسن بالمفرّق، في حين أنّه يُمكن أن نكون معك بالجملة؟»، وقد عنى بذلك التنسيق سوياً. طلب باسيل، بحسب المصادر، أن «تصل تحياته إلى رفعت، ووعد بأنّ الأمور ستُعالج». أكمل العونيون عملهم، فيما لم يتوقف المسؤولون في العربي الديمقراطي عن تقديم الشكاوى إلى حلفائهم في 8 آذار بحق العونيين.

في تشرين الأول، صدر عن مسؤول «التيار» في جبل محسن علي سليمان، بيان يُعلن استقالته والـ560 مُنتسبة ومنتسباً، «بعد أن شعرنا بالغبن الكبير». على الرغم من هذه «الانتكاسة»، استأجر العونيون مكتباً في جبل محسن، وشكّلوا هيئة حزبية جديدة. حاول المجلس الإسلامي العلوي التدخل، عبر نائب الرئيس محمد عصفور الذي طلب موعداً من باسيل. لم يلتقِ الرجلان لأنّه حين اتصل مكتب باسيل، بعد فترة، بعصفور لتحديد موعدٍ له كان الأخير مُسافراً. قبل قرابة أسبوعين «تلقّى عصفور اتصالاً من باسيل، يُخبره فيه أنه سيزور الأحد (أمس) جبل محسن والمجلس العلوي». واللافت أنّ باسيل، الذي يحرص على لقاء كلّ الحلفاء والمرجعيات السياسية في المناطق التي يزورها، لم يطلب لقاء «العربي الديمقراطي».

تضاعفت الاتصالات، وتقرّر على الأثر أن «يُبلغ عصفور باسيل بأنّه مُرحب به إذا كان فقط يريد زيارة المنطقة، ويتم تأجيل افتتاح المكتب لظروفٍ أخرى. وإلا فهو يعتذر عن عدم لقائه، لأنّ العربي الديمقراطي أساسي في المنطقة ولا نقبل بتخطيه». استُكمل ذلك بإقدام عدد من الشبان فجر الأحد على تمزيق الصور وأعلام «التيار»، ليتدخّل بعدها الجيش.

من جهتها، تسأل مصادر التيار الوطني الحرّ: «هل يُفترض في كلّ مدينة نُريد أن نفتتح فيها هيئة أن يكون هناك أحد نتواصل معه؟ إذا نعم، نكون أخطأنا في جبل محسن ونعتذر من العربي الديمقراطي». ولكن، في صيدا ــ الزهراني، وبنت جبيل، والبقاع الشمالي، والنبطية، «لدينا حلفاء أيضاً، فليقولوا لنا إن كنا قد نسّقنا معهم قبل افتتاح مكاتب حزبية». والسؤال الثاني الذي يطرحه العونيون على العربي الديمقراطي: «كيف استَفزَزْناهم؟ في زغرتا ولدينا مكتب!». تُقلّل المصادر من أهمية الاعتقالات التي حصلت، «عادي. هناك شبّان مزقوا الصور، فقام الجيش بدوره. نحن لا دخل لنا بذلك، ولم نعمد إلى استفزاز أحد». وتقول إنّ التنظيم الحزبي في جبل محسن «لا علاقة له بالانتخابات، فالعمل بدأ قبل قرابة سنة ونصف سنة، وعقدنا أكثر من 100 اجتماع في الجبل». ماذا عن الاستقالة الجماعية؟ «شخص استقال وكان معه عدد قليل من الأشخاص. ما بأثر. ما يهمنا هو العمل على انتشارنا».