IMLebanon

الحريري في انتخابات 2018: مأزق المفاضلة

كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:

لم يكن القانون الجديد للانتخاب مذ بوشر الخوض فيه في شباط 2017 واقره مجلس النواب في حزيران، هو نفسه ما اقترحته مسودات الافرقاء في الاشهر المنصرمة. تحت مقص المفاوضات التي اجروها، ادخلوا تعديلات تلو تعديلات كي يخرجوا بالصيغة الملائمة لائتلافهم السياسي. مَن تتبع المرحلة تلك تحقق من ان اياً من هؤلاء الافرقاء لم يكن يرضى بالدائرة التي يريدها لنفسه فحسب، بل راح يدافع عن دائرة الآخر كي يحفظ له موقعه ــ الى جانبه ــ في المعادلة السياسية القائمة.

ذلك ما عنى تمسك الجميع برغبة النائب وليد جنبلاط في ضم عاليه الى الشوف، وتمسكهم بإراحة الرئيس سعد الحريري في الدائرتين الثانية والثالثة اللتين دُمجتا في بيروت ودائرة طرابلس ــ المنية ــ الضنية. كذلك حال المسيحيين في الدائرة الاولى من بيروت ودائرة جزين ــ صيدا وصولاً الى دائرة اقتتالهم في البترون ــ الكورة ــ بشري ــ زغرتا.

حَسِبَ الفريق الواحد حصته من حصة الآخر، كي يمضي الجميع الى اول انتخابات نيابية وفق الاقتراع النسبي ــ غير المجرّب ــ ويخرجون منها بنتائج مرجحة ان لم تكن متوقعة، تحافظ على التوازن الحالي مذ أرسته التسوية السياسية في مطلع العهد. فسّر ذلك جلسات منهكة من التفاوض في السر والعلن، الى ان ابصر القانون الجديد النور على يد القوى السياسية نفسها تقريباً التي لم تكتفِ بوضع قانون 2009، بل اقامت في قلب قوانين الانتخابات المتعاقبة منذ عام 1992، ذات يد طولى في وضعها.
قد لا يكون مفارقة القول ان هؤلاء، في ظل الوجود السوري في لبنان وبعده الى الامس القريب، وفي ظل قوانين اختلف بعضها عن البعض الآخر قليلاً، كانوا هم الكتل النيابية الكبرى المنبثقة منها. على نحو كهذا نُظِر الى قانون 2016 على انه يشكل مظلة التوازن السياسي القائم مذذاك بدءاً من احجام الكتل النيابية. حمل هذا التصور وزيراً بارزاً مشاركاً في لعبة التفاوض على القول على اثر اقرار القانون انه لا يتوقع منه اختراق اكثر من عشرة مرشحين في احسن الاحوال المعادلة القائمة ويفوزون خارج ارادة القوى الفاعلة.

كانت معالم المعادلة حينذاك مستقرة على شبكة تحالفات غير مسبوقة منذ انتخابات 2005. تبخّر فريقا 8 و14 آذار تماماً، بل اختلط احدهما في الآخر كي يمسوا خلطة ثالثة، ليس فيها خصوم سوى الذين ارتضوا ان يكون خارجهم. الجميع حليف الجميع: تيار المستقبل حليف التيار الوطني الحر الذي هو حليف القوات اللبنانية الحليفة بدورها لتيار المستقبل؛ ثنائي حزب الله ــ حركة أمل حليف الائتلاف الآخر بفروق ضئيلة ارتبطت بالعلاقة الباردة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري من غير ان يجدا نفسيهما على تماس في واحدة من الدوائر الانتخابية بعد انتزاع فتيل جزين. جنبلاط حليف الفريقين اللذين يحتاجان اليه مقدار ما يحتاج هو الى وقوف الصوتين السنّي والماروني في الدائرة الجديدة الواسعة الى جانبه، من دون ان يبدو للحظة انه خصم احدهما. النائب سليمان فرنجيه حليف تيار المستقبل اوصد الابواب دون التيار الوطني الحر وفتحها نصف فتحة على القوات اللبنانية.

ظل يقال ان هؤلاء جميعاً ذاهبون الى استحقاق 2018 كما لو انهم حسبوا سلفاً نتائجه، مع اليقين الجازم بأن الحريري هو الرئيس المفترض لحكومة ما بعد الانتخابات، في ضوء محافظته على ترؤس الكتلة النيابية الكبرى.

حينما أُرغم على الاستقالة من الرياض في 4 تشرين الثاني، وشاع لوقت قصير انه سيُرغم ايضاً على الاعتزال، بدا ان خللاً جوهرياً وقع في معادلة 2016 بسقوط احد اركانها. ما ان عاد الرجل عن استقالته تصاعدت نبرة حادة صوّبت على القوات اللبنانية على انها طعنته في الظهر، ثم تلاحقت حملات سرية وعلنية من تيار المستقبل والتيار الوطني الحر ضدها. بدا ان خللا آخر اصاب المعادلة بمحاولة اخراج هذا الفريق منها.

ما بين هذين الخللين ثالث قد يوازيهما اهمية، هو الكلام الرائج عن شرخ ضرب علاقة الحريري بالسعودية اذ غادر اراضيها ــ بعد الاقامة الجبرية ــ خلافاً لإرادتها، وتخلى عن استقالة هي التي فرضتها عليه. مذذاك لم يعد الى اراضيها، ولم تعد حياته في خطر، ولا هو مهدد بالاغتيال تبعاً لما اشاعته.

قيل ان الحريري الذي استعاد موقعه في رئاسة الحكومة ليس متيقناً من ان المملكة ستغفر له. ما قد يحملها على الاضطلاع بدور سلبي حياله في انتخابات 2018 بمدّ خصومه بالمال نفسه الذي مدّته هي به في انتخابات 2009 كي يربح وحلفاؤه الغالبية النيابية. الى الآن لا مؤشر مباشراً على تطبيع علاقته بها. مع ذلك، الاتصال بها غير مقطوع. يمر بقناتين ثانويتين فحسب، الا انهما بإرادة القيادة السعودية: في بيروت مع السفير الجديد الذي لم يقدم بعد اوراق اعتماده وليد اليعقوبي، ومع الرياض من خلال احد وزراء الحكومة السعودية، الهامشي الدور، يتردد انه وزير التجارة. علامتان غير كافيتين بعد للقول باستعادة علاقة الطرفين، خصوصاً وان التواصل لا يظهر الى العلن.

لا ينفي ذلك مأزقاً بات رئيس الحكومة امام حائطه، وهو على ابواب انتخابات 2018: مفاضلته بين التحالف مع التيار الوطني الحر او التحالف مع القوات اللبنانية. وراء كل منهما مشكلة اكبر: يدين لرئيس الجمهورية بالوقوف الى جانبه وإنجاده في محنته الاخيرة، مقدار ما يخشى من ان يُفسّر ابتعاده عن حليفه السابق سمير جعجع على انه استفزاز اضافي للسعودية، شأن استفزازه اياها بالوقوف مع الرئيس حليف “حزب الله”.