كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:
“أعطِنا خبزنا كفاف يومنا”.. هكذا تعيش عائلة جوزف جورج وردة، بائع الذهب الذي اختفى منذ يوم السبت الماضي على طريق المتن السريع، الطريق نفسها التي شهدت على جريمة قتلٍ ذهبَت ضحيّتها الديبلوماسية البريطانية ريبيكا ديكس في اليوم نفسه، وكأنّ الشرّ سكنَ هذه البقعة مرّةً واحدة، وقرّر الانقضاضَ على عائلتين في الوقت نفسه.
لم يكن يوم السبت عادياً على آل وردة، إذ كان آخرَ يوم يرون فيه ربَّ العائلة جوزف (67 عاماً) الذي ترَك مركز عمله المعَد لبيع المجوهرات في محلّة كرم الزيتون الأشرفية نحو الساعة الرابعة متّجهاً نحو منزله الكائن في بلدته بحرصاف – المتن، مستقِلاً سيارته نوع «تويوتا» طراز «TERCEL» لون ذهبي، تحمل اللوحة رقم 214187/و، لكنّه لم يعد.
في بيتٍ متواضع متمركز في أحد أحياء البلدة، تجلس زوجته غلادس مع ولديها وأختِ زوجها. لا ينفكّ الأربعة ينظرون إلى الباب علّ جوزف يطلّ مفاجئاً إياهم في العيد، «اللي بيَعرِف جوزيف ما إلو قلب يرميه بوردة»، تقول غلادس لـ«الجمهورية» دامعةً.
وتتابع: «يوم السبت استفقدتُ جوزف بعدما تأخّر في العمل، إتّصلتُ على الرقم الأرضي لأستعجلَه المجيء، فأجابني إبني الذي يعمل معه، فسألتُه أين البابا؟ فردَّ: «بعد ما وصل؟ فَل من الساعة 4»، هنا بدأ الهَم يأكلني بعدما اتصلنا به مرّات عدة من دون أن نتلقّى جواباً، لحين أُقفل الخط».
وتقول غلادس: «عند الساعة الـ11 مساءً تأكّدت من أنّ جوزف تعرّضَ لمكروهٍ ما، فاتّصلتُ بأخي وهو عميد متقاعد ليجريَ اتّصالاته، لكنّه أوضَح لي أنّه علينا الانتظار حتى الصباح»، وتضيف: «طلوع الضوء كان صعباً ذاك النهار وكان الأطول، لم تجفّ أعينُنا من الدموع».
وتؤكّد غلادس أن «لا معلومات حتى الساعة عن زوجي، إلّا أنّني أشكّ في أنّه قد يكون أوقفَ سيارته لأحد الأشخاص متوقّعاً أن يكون رجلاً مسكيناً، قد يكونان تبادلا الحديث وعَلم ما هي مصلحة زوجي فحاوَل نَشله، أم قد تكون عصابة متمرّسة راقبَته عن كثب ولحقَت به وانقضّت عليه من خلال افتعال حادثةِ صدمٍ مثلاً، مستفيدةً من غياب الأنوار عن هذا الطريق ومِن كونه طريقاً نائياً وسريعاً ومن الصعب أن يتنبّه أحد لأيّ عملية تجري عليه»، موضِحةً: «كلّ ذلك يبقى في إطار التحليلات في ظلّ غياب المعلومات الأكيدة».
«متواضع الى أبعد الحدود»
«فاعلُ خير، يأكل من حقّه كي لا يزعج الآخر، ورَجل طيّب»، هكذا يصِف الأقرباء والأصدقاء جوزف، فهو معروف بكرم نفسِه وتواضعه وبروحه الطيّبة.
وتقول زوجته: «إلى جانب عمله في الذهب، يعمل في بيع الأجهزة الخلوية مع ابننا الذي يشدّد عليه دوماً بانتقاء أحدثِ الهواتف، إلّا أنّ جوزف يحبّ «النوكيا» القديم رغم أنّ باستطاعته تغييرَ هاتفه بسهولة، «بس ما بهِمّو لا «واتساب» ولا تصوير»، كذلك الأمر بالنسبة إلى سيارته وهي من موديل الثمانينات، فهو لا يحبّ «الفخفخة»، متواضع إلى أقصى الحدود، لدرجة أنّني إن لم أشترِ له الثيابَ يبقَ في ثيابه القديمة».
غموض يلفّ القضية
تعمل الأجهزة الأمنية جاهدةً على تعقّبِ جوزف، لكنّ الغريب أن لا أثر له أو لسيارته أو هاتفِه، حيث تشير بعض المعلومات إلى أنّه تمّ رميُ هاتفِه وخطّه، وأنّ الشكوك حامت أمس حول إحدى السيارات في الدورة، ليتبيّن لاحقاً أنّها لا تعود له.
أمّا عن كاميرات المراقبة فيتمّ تفكيكها الواحدة تلوَ الأخرى بدءاً من الأشرفية. وفي ما خصَّ داتا الاتّصالات فإنّ العمل جارٍ لتعقّبِها كذلك، وتقول إحدى الروايات إنّ الاتّصال الأخير من خطّ جوزف حصَل عند الساعة السادسة من يوم السبت من طريق المتن السريع، ويُنتظر أن تكشف التحقيقات المزيد من الخفايا.
إذاً، تمرّ الليالي قاسيةً على عائلة جوزف، يستمدّون القوّة من الله، خصوصاً أنّهم في زمن الميلاد، يبكون تارةً ويصَلّون طوراً «خيفانين يئذوه بس»، ويُجمِع كلُّ الموجودين في منزله أنّه آخِر ما يخطر في بال أحدٍ أن يُخطَف جوزف، مشيرين إلى أنّ المهنة التي يَمتهنها «بتغِش».
جورج، إيلي، شربل، جان وغابي، خمسة شبّان أكبرُهم عمرُه 42 عاماً وأصغرُهم 28، يفتقدون والدهم بشِدّة، عينا غلادس لا تجفّان من الدموع «انشالله عودته بالسلامة بتكون هدية الميلاد مع ولادة يسوع المخلص».