كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:
“بحسّ عا طول بالوحدة، إمي وبيّي ما بيهتمو فيّي، ما عندن وقت تا يسمعوني، بحسّ حالي عا طول قلقان وبدي إبكي”، هذا ما يشكو منه فريدي إبن السبعة عشر عاماً، أما والدته فتقول: “شو ناقصو، شو ما بدو بجبلو، أجدد تلفون، أحلى تياب، أطيب أكل، ورح نجبلو سيارة من الشركة، وبأهم مدرسة حاطينو. ليش بيضلّ حزين ما بعرف، بيطلب مية دولار بعطي ميتين”. ما يعاني منه فريدي هو حال العديد من الشباب والشابات في مجتمعنا، حيث يسعى الأهل للعمل لتحصيل المزيد من المال، ويحاولون تعويض غيابهم عن العائلة بالهدايا والترف.
تكتظّ الشوارع والطرقات في مواسم الأعياد بالمئات، والسبب لا يُخفى على أحد، إنه التسوّق. في هذه الفترة تتحوّل الموضة والملابس الخاصة بالمناسبات حديث الساعة، ويصبح الملتقى واجهات المحال والمجمعات التجارية الكبرى. الهمّ الأكبر هو هدايا العيد، والسؤال الموحّد: «أين سنمضي سهرة رأس السنة»؟
ما قيمة المال؟!
يحتاج الإنسان بطبيعته للإحتفال والفرح، وإشباع هذه الحاجة يمنحه الشعور بالإكتفاء والإستقرار والهدوء والسلام الداخلي. كما تقرّب الأجواء الفرحة والإيجابية الناس من بعضهم البعض، فيتّحد أفراد العائلة الصغيرة، وتجتمع العائلة الكبيرة ولو لمرة واحدة في السنة.
سؤالٌ يُطرَح على هامش الإحتفالات والعزائم والتسوّق والهدايا، وعلى هامش المبالغ المالية التي تُدفَع سعياً وراء الفرح والسعادة، هل يشعر أولادنا بالفرح مع كل هذه المظاهر؟
لا! فالمال لا يشتري السعادة والهناء.
كفّوا عن شراء أغلى الهدايا لأبنائكم، فلن تُشبع الهواتف الذكية والملابس الباهظة الثمن والألعاب جوع عواطفهم. هم يحتاجون وجودكم معهم، يحتاجون رفقتكم النوعية، والمال لن يسدّ هذه الحاجة يوماً. وهذا التواجد النوعي مع أولادكم لا يستوفي شروطه إذا غرقتم بأحاديثكم الجانبية على وسائل التواصل الإجتماعي حيث يتعرّضون للإبتزاز والإستغلال، حيث يتعلّمون أسوأ العادات، في حين يبحثون عمّن يعوض غيابكم الرمزي عنهم.
لا يكفي تواجدكم في المنزل، وأنتم تتلهّون بصغائر الأمور، فالأبناء لا يهتمون للموائد الفخمة ولا للضيف الذي يحلّ فيزيد المسافة بينهم وبينكم، فقد تعبوا من المظاهر الخداعة، من السلوكيات والآداب الإجتماعية، هم بحاجة أن يكونوا معكم على طبيعتهم، أن تشاركوهم الحديث واللعب والضحك.
عاطفتكم أكبر هدية
يملأ الفراغ عيون الأطفال، فهل مَن يلاحظ؟ فراغ عاطفي جدّي، صرخة للأهل لإشباعه وإلّا فات القطار. سوف يبحث الأبناء عن هذا الإشباع في كل شخص ومكان، في الشارع، في المدرسة، في رفاق السوء.
سوف يكونون على استعداد للتنازل عن أيِّ شيء مقابل الحصول على ما يسدّ هذا الفراغ، والنتيجة تحرّش وشذوذ جنسي، صراع مع السلطة، مخدرات، سرقة وتورط في عصابات. سوف لن يشبع فراغ غيابكم ما يدمنون على مشاهدته من أفلام إباحية، ولسوف يزيدهم جوعاً تنوّع الطعام ووفرته على الموائد.
لتكن هدايا هذه الأعياد مختلفة، أشبِعوا نفوس أولادكم بالحب والتفهّم والمحبة، إملأوها بالتواضع والحوار. إصغوا لشكواهم واشعروا بوجعهم، فكّوا شيفرات أسرارهم. كونوا مثلاً صالحاً لهم، علّموهم أفعال الرحمة والعطاء، أضيئوا لهم على المبادئ والعدالة الإنسانية، تعلّموا ثمّ علّموهم بأنّ قيمة الآخر ليست بما يقتني بل بما يتمتّع به من مزايا إنسانية.