كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
أصابَ ضجيجُ الصاروخ البالستي، الذي أطلقه الحوثيون أمس في اتجاه الرياض، بيروت بقلقٍ مُضاعَف لما انطوى عليه من إشارةٍ واضحة الى انتقال «المنازلة» بين إيران والمملكة العربية السعودية الى مستوى تصعيد أعلى، وهو ما عبّر عنه إعلان ميليشات الحوثي ان ضربة 19 كانون الأول البالستية هي «افتتاح لمرحلة جديدة من المواجهة مع السعودية». واستحضرتْ بيروت مع هذا التطور النوعي أن المواجهة الإيرانية – السعودية شكّلتْ الخلفية الرئيسية في الاستقالة المفاجئة التي كان أعلنها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من الرياض في 4 نوفمبر الماضي قبل ساعات من الصاروخ البالستي الذي أطلقه الحوثيون في اليوم نفسه باتجاه العاصمة السعودية، وهي الاستقالة التي عكَسَتْ ارتفاع منسوب «غضب» المملكة من الأدوار العسكرية والأمنية لـ «حزب الله» العابرة للحدود وصولاً الى لعبه في «الحديقة الخلفية» لها، أي اليمن، وتالياً تهديد أمْنها القومي.
وباحتدام شدّ الحبال بين الرياض وطهران، وإعلان تحويل «البالستي» عنصراً ثابتاً في المواجهة المفتوحة، تزيد علامات الاستفهام حول مدى قدرة «مرْكب النأي بالنفس» الذي استخدَمَه الحريري لإنهاء أزمة الاستقالة قبل العودة عنها نهائياً على الصمود في وجه «العاصفة الآتية»، ولا سيما ان الرياض التي أعلنتْ قبل أيامٍ أنها تراقب عن كثبٍ مدى الالتزام بموجبات نأي كل مكوّنات الحكومة اللبنانية عن أزمات المنطقة والتدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية، كانت تلقّت إشارةً سلبيةً مع التقارير التي تحدّثتْ عن مقتل خبيرِ متفجّرات لبناني خلال ضربةٍ وجّهها التحالف العربي ضدّ الحوثيين في اليمن أوّل من أمس.
وتبدي أوساط سياسية في بيروت خشيةً من أن يؤدي اشتداد «الرياح الساخنة» على الجبهة الإيرانية – السعودية الى تشظياتٍ في الواقع اللبناني الذي لم يَخرج بعد كلياً من تداعيات أزمة الاستقالة ولا سيما في علاقته مع الرياض وهو ما تجلّى في أمريْن:
* الأوّل بوادر الأزمة الديبلوماسية بين لبنان والسعودية على خلفية التأخّر في قبول أوراق اعتماد سفيريْ البلديْن، وسط إشاراتٍ متصاعدة على أن الخارجية اللبنانية ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون يربطان تحديد موعد للسفير السعودي وليد اليعقوب (لتقديم أوراق اعتماده) الموجود في بيروت منذ نحو شهر بقبول الرياض أولاً باعتماد السفير اللبناني المُعيّن لديها فوزي كبارة (تقول مصادر الخارجية ان ملفه أُرسل قبل نحو 4 أشهر إلى السعودية).
وأثير هذا الملف أمس في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة لهذه السنة التي انعقدت برئاسة الحريري الذي عُلم انه أكد انه أخذ على عاتقه معالجة هذه القضية بما يَخدم العلاقات بين لبنان والسعودية.
* والثاني الكلام الأخير لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي عبّر فيه عن مخاوف حقيقية من نتائج الانتخابات النيابية المقبلة في ضوء القانون الذي ستجري على أساسه (قائم على النسبية) والذي اعتبر ان الرئيس عون و«حزب الله»استخدما الحريري كواجهة لتغييره.
وفي حين كان لافتاً ان دعوة الهيئات الناخبة الى الانتخابات التي حُدد موعدها في 6 مايو المقبل جرت في اليوم نفسه لكلام الجبير بما يقطع الطريق عملياً على أي إمكان لإدخال تعديلات على قانون الانتخاب، برز خلال جلسة الحكومة أمس موقف للرئيس الحريري بدا وكأنه ردّ ضمني على الجبير إذ قال «أمام الحكومة استحقاق وطني كبير، هو إجراء الانتخابات النيابية على أساس القانون النسبي الجديد، وكما يعرف الجميع، القانون أُنجز بعد نقاشٍ طويلٍ استمر سنوات ونتيجة اتفاق بين كل مكوّنات الحكومة، أي بين غالبية القوى السياسية في لبنان»، مضيفاً: «أؤكد انه في موضوع الانتخابات لا عودة الى الوراء. فالانتخابات ستجري في المواعيد التي حددتها وزارة الداخلية. ولدينا رهان جدي على ان تكون فرصة لعملية انتخابية شفافة تنقل البلد الى مسار ديموقراطي جديد».
وفيما كان الحريري يقوم على طاولة مجلس الوزراء بـ «جرْدةٍ» لإنجازات الحكومة في عامٍ رغم «هزة» الاستقالة، و«بينها قانون الانتخاب»، كانت أزمة توقيع رئيسيْ الجمهورية والحكومة منْح عدد من ضباط الجيش الذين تخرجوا في دورة العام 1994 سنة أقدمية مع تَجاوُز توقيع وزير المال (الشيعي)، تشي باستعادة مناخات التشنّج و«الحساسية» بين عون ورئيس البرلمان نبيه بري الذي «رفع الصوت» مدعوماً من «حزب الله»، بوجه ما اعتبره «َضرْباً للميثاقية» وسابقة لن يسمح بمرورها، ملوّحاً بمشكلة كبيرة ما لم يجرِ تدارُك الأمر. وفيما سمح طلب رئيس الحكومة «الترّيث» في نشر المرسوم بشراء الوقت لمعالجة المسألة، بدا ان إصرار فريق رئيس الجمهورية على عدم الحاجة الى توقيع وزير المال على هذا المرسوم (استناداً الى قانون الدفاع وسوابق عدة) ينذر بتفاعُل الأزمة.
وعلى وقع هذه المناخات الداخلية والخارجية، تكتسب لقاءات منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في بيروت التي وصلتْ إليها أمس أهمية خاصة لجهة تأكيد الموقف الاوروبي الداعم لاستقرار لبنان ومؤسساته، في غمرة المراقبة الحثيثة لسياسة «النأي بالنفس».