كتب أحمد كموني في صحيفة “المستقبل”:
ضاعف استقرار الطقس منذ مطلع الخريف حتى الأمس، مشكلة تلوث نهر الليطاني وبحيرة القرعون، وجعل تدفقات المعامل والمصانع ومجاري الصرف الصحي إلى مجاري الأنهر أكثر خطورة من أي وقت مضى.
ففي العادة، ينتظر الناس في البقاع موسم الشتاء، لـ«يغسل» مطره والثلج، موبقات أصحاب المعامل على اختلاف أنواعها وملوثاتها المنبعثة من مجاريرها الضخمة، ويحد أيضاً من خطورة مكبات النفايات ومجاري الصرف الصحي. هذا الموسم، لم تتطابق الأمنيات مع مزاج الطبيعة، فكان صيف ثانٍ، كرس الإشكالية البيئية في وادي البقاع واستطراداً الجنوب، وفضح ليس فقط عقم إجراءات الإدارات المعنية بملف مكافحة التلوث، بل سحب من بين أيديها ورقة الطبيعة التي كانت تغطي فشلها التاريخي في إيجاد حل جذري لأهم وأبرز مصادر التلوث في لبنان.
وأمام ندرة المطر، وبقاء مجاري الأنهر أقرب إلى الجفاف القاتل، ارتفعت صرخات الأهالي في برالياس والمرج وحوش الحريمه والقرعون وغيرها، مطالبة بالتشدد في قمع مصادر التلوث على طول مجاري الأنهر، خصوصاً أن انحباس المطر رفع من مستوى انتشار الأوبئة ونسبة الأمراض «الشتوية» وهي، على خطورتها، تبقى عادية قياساً إلى توسع دائرة المصابين بأمراض سرطانية في البقاعين الأوسط والغربي وبخاصة برالياس والقرعون.
يشير محمد عراجي، وهو ناشط بيئي، إلى أن قرار وزير الصناعة إقفال ثمانية عشر مصنعاً إلى حين تسوية أوضاعهم، لا يقدم حلاً ناجعاً للمشكلة، فالموضوع أكبر بكثير رغم أهمية أي إجراء ردعي لمسببي التلوث. ولفت إلى أن إجراءات ردع المصانع والمعامل المسببة لأخطر أنواع التلوث لم ترتقِ إلى مستوى المشكلة. فهناك العشرات منها يعمل بشروط غير مطابقة تماماً من دون أي حسيب أو رقيب، كما أن تدفقات مياه الصرف الصحي إلى ازدياد نحو الأحواض المائية سواء الأنهر أو بحيرة القرعون.
واعتبر قرار الحكومة في ما خص «الخطة الوطنية لمعالجة تلوث الليطاني» هام جداً إذا ما أخذت الخطة طريقها إلى التنفيذ. فموضوع تمويل الخطة لم يُحسم بعد، كما أن العديد من الإدارات لم تواكب الخطة بما يجب وكذلك العديد من المجالس البلدية المحلية التي تلقي باللائمة على الدولة.
وذكر علي ياسين، ناشط بيئي من القرعون، بقرارات مماثلة في السنوات الماضية قضت بإقفال العديد من المنتزهات على ضفتي الليطاني. واعتبر كل تلك الإجراءات من دون هدف استراتيجي لأنها تتم بشكل عشوائي وعلى فترات طويلة ومتقطعة. فنحن لا نعرف لماذا أقفل هذا المنتزه أو ذاك، وما جدوى إقفال معمل أو عشرة في الوقت الذي تواصل مئات المصانع ضخ سمومها إلى الليطاني، ومثلها معامل الحجارة والمرامل والكسارات التي تضج بها مناطق جنوب الليطاني والعيشية وصولاً إلى الخردلي.
ويأمل بأن يكون قرار السماح لهذه المعامل بالعودة إلى العمل متأتياً من التزامها الشروط البيئية لا نتيجة تبويس اللحى أو «الواسطة».
وكشف عن ارتفاع حدة التلوث في الآونة الأخيرة في حوض البحيرة، وموات الحياة في بيئتها كنتيجة طبيعية للسموم والمواد الكيماوية المتراكمة منذ سنوات. ورأى في هطل مطر قريب هذا الشتاء ما يمكن أن يُساعد في تخفيف نسبة التلوث، لأن المطر والطبيعة هما الملاذ الوحيد لنا في ظل تقاعس الدولة عن تنفيذ خطتها الموعودة.
إلى ذلك، لفت العديد من المزارعين إلى كوارث غذائية متأتية من قيام تجار كبار بثوب مزارعين، بريّ مزروعاتهم من البطاطا والبصل والثوم والخضر مما تبقى من سواقٍ في مجرى الليطاني. وأشار هؤلاء إلى أن قرارات المنع والردع التي نفذتها محافظة البقاع على أهميتها، لم تقضِ على هذه الظاهرة الخطرة. وتكفي جولة واحدة على الطرق العامة في المرج أو حوش الحريمه أو سهل زحلة لرؤية مضخات «تشفط» المياه الآسنة لري المزروعات.
يبقى أن مشكلة التلوث مقيمة، ولا جديد يزيل كابوس مخاطره الصحية والبيئية. وما جرى حتى الأمس لا يعدو كونه مسكنات آنية لا تقدم ولا تؤخر، على ما ختم المزارعون.