كتبت بولا أسطيح في صحيفة “الشرق الأوسط”:
تنكب القوى والأحزاب السياسية اللبنانية في الأسابيع القليلة المقبلة على بلورة برامجها وشعاراتها الانتخابية التي ستخوض على أساسها الاستحقاق النيابي المقبل في 6 مايو (أيار) 2018. فالانقسام ما بين فريقي «8» و«14 آذار» والذي خاضت الأحزاب على أساسه الانتخابات النيابية الأخيرة التي شهدتها البلاد في عام 2009، تلاشى مع مرور السنوات، خصوصا بعد التباعد الحاصل بين «القوات» و«المستقبل» وتقارب بين الأخير و«التيار الوطني الحر»، وهو تقارب كان قد بدأ مع تبني الحريري ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية قبل أكثر من عام.
وقد كان رئيس الحكومة سباقا في الإفصاح عن الشعارات الانتخابية التي سيعتمدها في الاستحقاق المقبل، حين أعلن صراحة الأسبوع الماضي أن «الانتخابات النيابية المقبلة ستكون بين خطين: من يريد الاستقرار والأمن والاقتصاد، ومن يريد فقط الصراخ والمزايدة على سعد الحريري لتحصيل مكاسب بعيدة المنال». ويبدو واضحا أن البرنامج الانتخابي الذي اعتمده الحريري وفريق «14 آذار» في انتخابات 2009 التي ظهرت حينها كاستفتاء على سلاح «حزب الله»، تلاشى على حساب إعطاء الأولوية للاستقرار السياسي، وهو العنوان نفسه الذي اعتمده رئيس «المستقبل» حين قرر السير بالتسوية الرئاسية التي ساهمت بعودته إلى السراي الحكومي وتبوؤ العماد عون سدة الرئاسة الأولى.
ولا تتردد مصادر قيادية في تيار «المستقبل» في الحديث عن «أولويات مختلفة سيتم خوض الانتخابات الربيع المقبل على أساسها»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «التمسك بالشعارات عينها في الاستحقاقات المتلاحقة لا يؤدي أي مصلحة انتخابية، بل بالعكس تماما؛ على من يعتمد هذه الاستراتيجية أن يُدرك أنه سيكون في صفوف الخاسرين من أول الطريق».
وتشير المصادر إلى أنه «ومع تبدل المعطيات والأهداف المرحلية خلال السنوات الـ12 الماضية، وعدم تمكننا من إحداث أي خرق يُذكر في موضوع سلاح (حزب الله) وتغلغل إيران في المنطقة من منطلق أننا بالداخل اللبناني غير قادرين على لعب أي دور في هذا المجال، كان لا بد من اعتماد شعارات جديدة تُختصر بوجوب الانكباب على تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية قدر الإمكان، مع التمسك بمبادئنا القائلة بعدم جواز استمرار السلاح غير الشرعي متفلتاً». وتؤكد المصادر أن كل ما يُحكى عن تحالفات محسومة «يندرج بإطار التحليلات»، مشددة على أن «صورة التحالفات لن تتبلور قبل شهر من الآن»، وتضيف: «ما يُحكى عن حلف خماسي يضمنا إلى (التيار الوطني الحر) والثنائي الشيعي و(الحزب التقدمي الاشتراكي)، كلام لا علم لنا به على الإطلاق، وهو في المرحلة الحالية غير وارد بالنسبة لنا، خصوصا أن تحالفا عريضا كهذا قد يضرنا انتخابيا على أساس القانون النسبي الجديد».
وإذا كانت الأرضية لتحالف خماسي يخوض الانتخابات في كل المناطق اللبنانية غير متوافرة بعد، فإن الحراك الحاصل في كليمنصو حيث دارة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط، يمهد لتحالف عريض أقله في الجبل. فبعد استقبال الزعيم الدرزي وزير الخارجية جبران باسيل مساء الثلاثاء، استقبل مساء أول من أمس الأربعاء رئيس الحكومة، حيث كان هناك تشديد على «التكاتف والتضامن» معاً. وتشير المعلومات إلى قيام جنبلاط بجهود حثيثة لتجنيب الجبل معركة انتخابية وتشكيل لائحة ائتلافية تضم كل الأحزاب ومن بينها «القوات اللبنانية».
من جهته، يتابع حزب «القوات» عن كثب المواقف الصادرة عن قياديين ونواب في «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» تفيد بـ«تحالف شبه محسوم» بين الطرفين، بعدما كان حلف «(المستقبل) – (القوات)» هو الأقوى قبل الأزمة السياسية الأخيرة. ولا يرى النائب في «القوات» فادي كرم أي انعكاس سلبي لتقارب «(الوطني الحر) – (المستقبل)» على عودة العلاقات الجيدة ما بين «القوات» و«المستقبل»؛ «باعتبار أن ما يجمعنا ثوابت وطنية أولها السيادة كما العمل وفق مبدأ الشفافية»، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «القانون الانتخابي الجديد لا يحبذ التحالفات الكبيرة كونه يسمح لكل طرف بأن يتمثل بحقيقته الشعبية»، مشيرا إلى أن قيام «حلف خماسي» يعزل «القوات»… «حلم لبعض الأطراف، خصوصا أن علاقتنا مع (المستقبل) تبقى جيدة رغم ما يشوبها من مشكلات في المرحلة الراهنة وهي مشكلات يُعمل على حلحتها». ويعد كرم أن «المشروعين الكبيرين اللذين ستجرى على أساسهما الانتخابات المقبلة يختصران بمن يريد الإبقاء على المزرعة والدويلة، ومن يريد قيام دولة حقيقية سيدة حرة مستقلة».
وإذا كان «المستقبل» يبحث عن مصلحة سياسية ووطنية، كما يقول بتحالفه مع «التيار الوطني الحر» ومع أحزاب أخرى، فلا يبدو أن ذلك سينعكس على مصلحته الانتخابية؛ إذ يعد الخبير الانتخابي أنطوان مخيبر أن تحالف «(المستقبل) – (الوطني الحر)» في الانتخابات المقبلة يفيد الأخير أكثر مما يصب في مصلحة الحريري، لافتا إلى أنه في صيدا – جزين مثلا سيحصل «التيار» على مقعدين مقابل مقعد واحد لـ«المستقبل»، كما أن «التيار» سيستفيد في عكار من الحضور الكبير للحريري في المنطقة؛ حيث الصوت المسيحي غير قادر على الحسم وحده، كما أن المصلحة العونية تنسحب في التحالف مع «المستقبل» على الكورة وزغرتا.