كتب رضا السناري في صحيفة “الراي” الكويتية:
وسط أنباء الارتفاعات القياسية للعملات الإلكترونية، وفي مقدمتها «بتكوين» وما حققته من مكاسب واسعة في فترات وجيزة، استحوذت معها على عناوين الأنباء العالمية، يبرز السؤال بين بعض المتفرجين على شاشات التداول.
لو مات حائز العملة الرقمية قبل أن يكشف عن رمزها الرقمي لأحد غيره، هل يمكن أن تنتقل هذه الثروة الموجودة في عالم افتراضي غير محمي من أي سلطة رقابية للورثة أو حتى للشريك؟.
الإجابة قد تبدو صادمة بالنسبة للمستثمرين، خصوصاً المتلفحين بالسرية في تعاملاتهم بهذا المجال، والذين لا يفضلون كشف حجم تداولاتهم أو حتى مجرد فضح سرهم لأحد، لأسباب متعددة، بعضها عائلية وأخرى تجارية، وأحياناً لأهداف مضاربية، ولذلك نجد العديد منهم يحمل اسماً افتراضياً عبر الإنترنت، دون أن يكشف تفاصيل حيازته لهذه العملة حتى للمقربين منه.
ووفقاً لآلية تداول العملات الرقمية، وفي مقدمتها «بتكوين»، يقوم الطرف المشتري بتأسيس محفظة يجمع فيها رصيده من العملة المشفرة، ولهذه المحفظة رمز سري (كود) ضمن سجلات جميع معاملاتها بالدفاتر الرقمية، لا يعرفه إلا حائزها، ومن خلال هذا الرمز يستطيع إدارة محفظته سواء بتوسعتها استثمارياً، أو تخفيض وزنها، أو حتى التخلص منها نهائياً وإغلاقها.
وبشكل مبسط لا بد للطرفين من تثبيت برنامج المحفظة الإلكترونية على جهاز الكمبيوتر أو إنشاء حسابات محفظة في إحدى المواقع التي توفّر تلك الخدمة كموقع «blockchain.info» مثلاً.
ويقوم الطرف الأول بإدخال عنوان المحفظة التي يرغب بإرسال الأموال لها، وكتابة المبلغ، ومن ثم الضغط على إرسال، ويتم تسجيل العملية في الشبكة لكي لا يتمكن الشخص المرسل بإرسال تلك الأموال مرة أخرى لجهة أخرى.
وما لم يكن المرحوم أفضى لغيره بكود حيازته لأي سبب ما، وأشهرها حالات الوفاة الفجأة، لا يستطيع أحد بعده فتح المحفظة، حتى الحائز الرئيس لهذه العملة لا يستطيع فتحها مجدداً في حال فقد «الكود»، حيث تظل خزنته من العملة الرقمية مستغلة حيزاً على الإنترنت من إجمالي رصيد العملة المشفرة دون حائز حقيقي، وقد يستمر ذلك مدى الحياة.
وإحدى خصائص هذه العملة عدم وجود آليه لعكس عمليات التحويل كما أن التحويل يتم إلى ما يسمى المحفظة (Wallet) مباشرة، والتي يتم الوصول إليها عن طريق عنوان يشبه رقم الحساب، بيد أنه يضم أحرفاً وأرقاماً والمحفظة غير مرتبطة باسم شخص معين أو بريد إلكتروني، ما يجعل نظام «بتكوين» يوفّر خصوصية كبيرة للمستخدمين.
وربما يكون المستثمرون الأفراد الأكثر عرضة لهذه المخاوف، باعتبار أنهم يعملون في هذا المجال بشكل شخصي، يضم العميل ونفسه فقط، دون وجود أي أطراف مطلعة على رمز الحماية وحتى ولو كانت مقربة.
أما المحافظ التي تؤسس عبر شركات متخصصة في إدارة استثمار العملات الرقمية، تكون محصّنة بشكل كبير ضد هذه الاحتمالات، فعادة تكون رموزها محفوظة بطريقة مؤسساتية، تضمن انتقالها وإعادة تشفيرها.
لكن أيعقل أن تظل هذه الثروة خاملة تبحث عن أصحاب جدد مدى الحياة؟ في الغالب نعم، باستثناء بعض الحالات النادرة والمعقدة التي يمكن خلالها استعادة زمام مثل هذه الثروات الحبيسة في عالم الإنترنت، حيث يلجأ بعض الورثة أحيانأ إلى القراصنة لمساعدتهم، وغالباً ما يعمل القراصنة بطريقة الذئاب المنفردة، التي تبحث في الإنترنت على حسابات خاملة للعملات الرقمية.
ومثلما يسعى «الهاكرز» باستمرار إلى اختراق حسابات النقود الخاملة، أو حتى النشطة، غير المؤمنة جيداً بمصدات دفاعية ضد عمليات الاحتيال، يجد المخترقون في سوق العملات الرقمية، نافذة إضافية، يستطيعون من خلالها توسيع نطاق عملياتهم، حيث يتسابقون باستمرار إلى كسر وسائل الحماية لمحافظ «بتكوين»، وغيرها من العملات الرقمية، خصوصاً العائدة للأفراد، في مسعى منهم لاستعادة السيطرة عليها، والتصرف في أصولها لاحقاً.
وربما تعد قصة «يابيان» التي تملك منصة «يوبيت» في كوريا الجنوبية إحدى علامات الفشل في طريق مكاسب «البيتكوين» الواسعة، حيث أفلست بعد تعرضها للاختراق الإلكتروني الثاني في أقل من 8 أشهر.
وتسبب الاختراق في خسارة بنسبة 17 في المئة من عملاتها الإلكترونية، وأبلغت العملاء بإمكانية سحب 75 في المئة من الأصول المحتفظ بها حتى اكتمال عملية الإفلاس، أما عن الاختراق الأول لـ «يوبيت» فقد حدث في أبريل الماضي، لكن الشركة قامت حينها بتحسين وسائل الحماية والأمن من أجل صيانة النظام.
ورغم شهرة قصة «يابيان» بعد تكرار اختراقها، وإفلاسها من وراء ذلك، إلا أنها لا تعد مؤشراً لسهولة قرصنة العملات الرقمية، حيث تظل هذه العمليات محدودة، ولا تمثل نسبة من الفضاء الافتراضي، كما أن «الهاكرز» يحاولون فقط اختراق وسائل الحماية لمحافظ العملات الرقمية، لكنهم لا يستطيعون اختراق العملة المشفرة.
يذكر أن «بتكوين» تراجعت خلال تعاملات، أول من أمس، لتفقد نحو 40 مليار دولار من قيمتها السوقية منذ بداية الأسبوع، وكانت العملة المشفرة قد سجّلت مستوى قياسياً أعلى من 20 ألف دولار يوم الأحد الماضي، قبل أن تتراجع بشكل حاد.
وهبطت «بتكوين» عن مستوى 12 ألف دولار أثناء تداول أمس الجمعة بعدما خسرت أكثر من ثلث قيمتها في خمسة أيام فقط لتتجه العملة الرقمية إلى تسجيل أسوأ أسبوع منذ 2013 بعد صعود قوي وصلت فيه إلى ذروة قرب 20 ألف دولار يوم الأحد.
وحققت «بتكوين»، الأكبر والأشهر بين العملات الرقمية، زيادة بلغت 20 مرة منذ بداية العام، حيث قفزت من أقل من ألف دولار إلى 16.66 ألف دولار في بورصة «بيتستامب بلوكسمبورغ» يوم الأحد، وتجاوزت 20 ألفاً في بورصات أخرى.
ورغم تلك الارتفاعات، هبطت «بتكوين» بصفة يومية منذ ذلك الحين، وتسارعت وتيرة الخسارة، يوم أمس، وانخفضت إلى 12.56 ألف دولار في «بيتستامب»، مسجلة هبوطاً بنحو 20 في المئة خلال يوم واحد فقط.
وانخفضت القيمة السوقية لـ «بتكوين» من 320.9 مليار دولار في مستهل تعاملات الإثنين الماضي إلى 280 مليار دولار، أول من أمس، لتخسر بذلك نحو 40.9 مليار دولار.
ولا تزال التوقعات متباينة في شأن مستقبل العملات الإلكترونية، مع تأكيدات متواصلة في شأن أنها فقاعة لا تستحق هذا السعر، وتحذيرات من انهيار قريب.
انتشرت في الأيام الأخيرة إشاعة قوية مفادها أن هناك «لاب توب» باعه صاحبه لأحد المحلات المتخصصة في هذه الأجهزة في حولي، قبل أن يكتشف أن جهازه كان محملاً بـ 38 وحدة «بتكوين»، ربحها من ألعاب كان يجيدها على الإنترنت، لكنه لم يعلم ذلك، وعندما وصلته رسالة إلكترونية تخطره بذلك كان الأوان قد فات، وتخلّى عن جهازه مقابل 100 دينار.
ومع انتشار الإشاعة من مكان إلى آخر، أخذت القصة تحمل فصولاً إضافية بين ناقليها، اكتسبت طابع الفكاهة بين البعض فيما صدقها آخرون.
ومن أشهر فصول القصة، طرفة يرويها مصطفى موسى لأصدقائه، وهو شاب متخصص بقطاع التكنولوجيا، بأن مالك الجهاز المصدوم عرض على صاحب المحل إلغاء الصفقة، بعد أن اكتشف الثروة الافتراضية التي هبطت على جهازه من الـ «بتكوين» والتي تقدّر قيمتها بنحونصف مليون دولار، بحسب قيمتها المتداولة بها قبل أمس.
ومن أجل تحفيز صاحب المحل، عرض عليه استراداد الجهاز مقابل تعويضه بهامش إضافي، لكن صاحب المحل رفض العرض متذرعاً بأنه باعه لزبون آخر ولا يستطيع التواصل معه، ما دفع هذا الشاب إلى اللعب معه على المكشوف، ومفاوضته على استرداد الجهاز مقابل مبلغ وصل لربع مليون دولار، ما يقارب 50 في المئة من حجم الثروة.