كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: تدفع هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية إيران إلى العمل على إبقاء حالة الفوضى في المنطقة وملء الفراغ الذي سيتركه داعش، وذلك من خلال دعم الميليشيات المسلحة على غرار الحوثيين في اليمن؛ لكن هذه الاستراتيجية ليست طويلة المدى وغير مضمونة النتائج خصوصا في ظل توجه دولي صاعد لمواجهة إيران.
في مقابل ذلك، تلجأ إيران إلى أسلحتها التقليدية في خلق صوت لها في المنطقة، وعمادها حزب الله اللبناني والتهديد باستهداف إسرائيل وسط توقعات بتصعيد حربي بين إيران وإسرائيل تكون سوريا ميدانه ولبنان غرفة عملياته.
ونشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى مؤخرا دراستين منفصلتين لكنهما يلتقيان عند هذه النقطة، حيث يشير، الجنرال المتقاعد من الجيش الإسرائيلي مايكل هرزوغ إلى مواجهة محتملة بين إسرائيل وإيران في سوريا، فيما تذهب الباحثة اللبنانية حنين غدار إلى أن إيران تساعد حزب الله على السيطرة من خلال تعزيزها للاستقرار في لبنان الذي “تريد مواصلة استخدامه كجهاز عمليات مستقر للصراعات الإقليمية”.
يشير مايكل هرزوغ في دراسته حول إمكانية اندلاع حرب بين إيران وإسرائيل، إلى أن إيران تسعى إلى وجود عسكري دائم في سوريا وسيكون ذلك عبر تركيز قوى دائمة مثل حزب الله السوري، الذي سيبني “شرعيته” من خلال تهديد إسرائيل على غرار نظيره اللبناني، بالإضافة إلى بناء قاعدة بحرية وإنشاء منشآت عسكرية صناعية لإنتاج صواريخ دقيقة في سوريا ولبنان.
وتعدّ هذه التحركات جزءا من خطوة استراتيجية أوسع لخلق مجال حيوي له القدرة على التأثير المباشر، ويتمثّل هذا المجال في ممرّ أرضي يمتد عبر العراق وسوريا إلى البحر المتوسط؛ من هنا يحذّر هرزوغ من أنه “بينما تعتبر إسرائيل هذه التحركات تهديدا استراتيجيا طويل الأمد، فإن روسيا والولايات المتحدة تبدوان مترددتين في مواجهة إيران في سوريا. لذا، فإن إسرائيل آخذة في التوسع، وتعمل بشكل متزايد على خطوطها الحمراء في هذا المسرح”.
وكثّفت إسرائيل من مناورتها على الحدود مع سوريا ولبنان، وسط قلق لبناني من أن تؤدي أيّ عملية استفزازية، في ظل التصعيد ضد إيران وحزب الله، قد تقحم البلد في ما يحاول تجنّبه من اندلاع الأزمة في سوريا وتطوّر الوضع بالمنطقة، خصوصا في ظل تحركات مريبة جنوب البلاد.
ومؤخرا، زار قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، وميليشيا عراقية تدعمها إيران، جنوب لبنان لإطلاق تهديدات ضد إسرائيل يرافقه مقاتلون من حزب الله. وتعلّق حنين غدار على هذه الزيارة قائلة إنه للوهلة الأولى، بدا الفيديو الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة وكأنه يشير إلى أنّ طهران قد توسع أنشطتها العسكرية في سوريا لتشمل الجارة لبنان. فقد أعلن الخزعلي، وهو يحدّق على طول الحدود، أن ميليشياته “مستعدة تماما للعمل يدا واحدة مع الشعب اللبناني والقضية الفلسطينية”.
وتلفت غدار إلى أنّ هذه الخطوة جاءت بمثابة رسالة إلى رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري، بعد تراجعه عن استقالته، وأعاد تأكيد سياسة بلاده المتمثلة في “النأي بالنفس”التي تقول غدار إنها لن تجبر حزب الله على الانسحاب من الحرب السورية أو غيرها من الاشتباكات الإقليمية في العراق أو اليمن.
تصف الباحثة اللبنانية الجولة المرئية للخزعلي بأنها مجرد غيض من فيض، إذ تتمتّع جميع الميليشيات الشيعية الإيرانية بوجود قويّ في لبنان، وتقوم على نحو متزايد بإنشاء مكاتب سياسية ومؤسسات إعلامية داخل الضاحية الجنوبية في بيروت. كما أنها تتلقّى تدريبا عسكريا في المخيمات في لبنان على يد عناصر من حزب الله.
وتشير إلى أن طهران لا تريد أن تشعل نيران الحرب في لبنان، بل بالعكس من مصلحتها أن يبقى البلد مستقرا على الأقل حتى يعزّز حزب الله قبضته وتمرّ مرحلة الانتخابات البرلمانية، فيما ولا تزال طهران تحاول تثبيت وجودها في سوريا في انتظار الانتخابات البرلمانية العراقية في نيسان 2018، التي تأمل أن تساهم في تعزيز نفوذها في بغداد.
يعي حزب الله أن قلق المجتمع الدولي من تعطيل الديناميات السياسية في لبنان أقوى من رغبته في احتواء النفوذ الإيراني هناك. وتقول غدار إنه وفي خضم هذا السياق المرهِب، بإمكان الحزب الله المضيّ قُدما للاستفادة من الدعم الدولي للبنان بهدف التحضير لخطوته المقبلة.
وتُكسِب التغطية، التي توفرها سياسة النأي بالنفس، الوقت الكافي لحزب الله لتأهيل نفسه للفوز في الانتخابات البرلمانية في مايو 2018. ومع القانون الانتخابي الجديد الذي أقرّته حكومة الحريري هذا الصيف، ربما سيتمكّن حزب الله من جلب حلفائه إلى البرلمان وتوطيد سلطته بشكل ديمقراطي. وهذا بدوره سيسمح له باختيار رئيس الوزراء والرئيس، وتعيين كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين، وحتى تغيير الدستور.
على سبيل المثال، يمكن لحزب الله أن يغيّر توزيع السلطة في البرلمان من نصف مسيحي/نصف مسلم إلى نظام ثلاثي بين المسيحيين والسنّة والشيعة، وبالتالي يضمن لنفسه السلطة الدائمة في مؤسسات لبنان. وقد كشف الحزب عن هذه الفكرة في الماضي لكنه فشل في تنفيذها لانعدام أغلبية برلمانية. وقد لا يكون ذلك مشكلة في الانتخابات القادمة، ومن هنا، تأتي أهمية تشجيع الدعم الجادّ للمرشحين المناهضين لحزب الله بين جميع الطوائف، بما فيها الطائفة الشيعية.
وتخلُص غدار إلى أن حزب الله وراعيه الإيراني لا يريدان الحرب في لبنان لأسباب كثيرة، وبالتالي فإن الوضع الراهن يعمل لصالحهما بشكل جيد على المدى القصير فأيّ حالة من الهدوء تؤدي إلى تمكين إيران ولا تتمكن من مواجهة حزب الله لن تكون سوى مرحلة انتقالية. وبالمثل، لا يمكن للاستقرار أن يحمي السياسة أو الاقتصاد إذا كان يمسّ بالحريات ويعزز الفساد. بل على العكس من ذلك، سيؤدي إلى زيادة حدّة التوتر بين الطوائف وسيلحق الضرر بالمؤسسات.
لذلك، يتعيّن على المجتمع الدولي أن يكثّف دعمه للاستقرار مع التركيز على إصلاح مؤسسات الدولة من أجل حماية قيم الحرية والتنوّع التي يعتزّ بها لبنان. ولعل الأهم من ذلك أنه يجب أن تكون سياسة النأي بالنفس التي يتبعها الحريري مصحوبة بتدابير أكثر حدّة ضد حزب الله وعملياته الإقليمية، على الرغم من أن ذلك يبدو مستبعدا نظرا إلى خطواته الأخيرة.