كتبت صحيفة “العرب” اللندنية:
رغم انهماك اللبنانيين بموسم أعياد آخر السنة، إلا أن المزاج اللبناني العام يشعر بالقلق مما تحمله السنة القادمة على بلادهم، لا سيما وأن كافة المؤشرات الاقتصادية تعكس تراجعا مخيفا في كافة قطاعات التجارة والصناعة والسياحة والتصدير، على النحو الذي يطرح علامات استفهام عن المعطيات التي تملكها الحكومة للحد من الانزلاق الاقتصادي.
ويقول مراقبون للشؤون اللبنانية إنه رغم تمكن لبنان من تجاوز مسألة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري وما رافقها من غموض، ورغم اتفاق التحالف الحكومي على نص جديد يؤكد نأي لبنان بنفسه عن صراعات المنطقة، فإن ذلك نقل المأزق من جانبه الخارجي الإقليمي الدولي إلى أبعاد داخلية تتعلق خصوصا بالانتخابات النيابية في مايو المقبل.
وتعتبر مراجع سياسية لبنانية أن أجواء غامضة تسود العلاقة بين لبنان ودول الخليج، لا سيما مع المملكة العربية السعودية، وأن اللبنانيين العاملين في بلدان مجلس التعاون الخليجي يشعرون بقلق حقيقي تخوفا من إجراءات قد تتُخذ بحقهم في حال تفاقم التوتر بين بيروت وبعض العواصم الخليجية.
وتضيف أن احتمال إبعاد اللبنانيين أو بعضهم من بعض دول الخليج أمر وارد، وأن أمرا كهذا سيكون كارثة بالنسبة إلى البلد.
وتكشف مصادر مطلعة أن الموقف السعودي من لبنان يربك الوضعين السياسي والاقتصادي في البلد. وتضيف المصادر أن عدم تحديد رئاسة الجمهورية موعدا لتقديم السفير السعودي الجديد وليد اليعقوب أوراق اعتماده، يعبر عن مستوى التوتر بين بيروت والرياض، وأنه يُخشى من أن تتخذ الرياض إجراءات عقابية ضد بلد تعتبره ساقطا بيد حزب الله ويسير تحت سقف الهيمنة الإيرانية.
وينقل عن مصادر دبلوماسية غربية أن المجموعة الدولية حريصة على دعم استقرار لبنان، سواء من خلال الدعم العسكري المباشر الذي تقدمه الولايات المتحدة أو من خلال المؤتمر الدولي المزمع عقده في روما لدعم الجيش اللبناني، إضافة إلى مؤتمر باريس4 لدعم الاستثمار في لبنان ومؤتمر بروكسل لحل أزمة اللاجئين السوريين. إلا أن هذه المصادر ترى أن على الطبقة السياسية اللبنانية إظهار حرص على حماية لبنان وصون استقراره وفق أجندة لبنانية خالصة، والتوقف عن ممارسة دور محلي يخدم أجندات عسكرية.
ولا تستبعد المصادر الدبلوماسية تعرض لبنان لتطور عسكري مرتبط بالترتيبات الحاصلة في الشأن السوري وبما تخططه إسرائيل وما تظهره تل أبيب من عدوانية تجاه حركة القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها في سوريا ولبنان. وتضيف هذه المصادر أن العواصم الأوروبية لا تملك معلومات بشأن تهديد عسكري إسرائيلي وشيك ضد لبنان، غير أن أمرا كهذا قد يصبح واردا إذا ما توفرت الشروط الدولية لذلك.
ويستغرب المراقبون عدم إظهار الساسة اللبنانيين أي وعي لمستوى التطورات الهائلة التي تتعرض لها المنطقة لا سيما ما يمكن أن يصل إليه الوضع في سوريا، خصوصا لجهة تداعيات ذلك على بلدهم. ويرى هؤلاء أن المشهد السياسي الحالي يشوبه اضطراب مقلق عشية الانتخابات البرلمانية، وأن طبيعة الاصطفافات تشكل مفاجأة تتناقض مع مشهد الانقسام الواضح بين معسكري 8 و14 آذار.
اختلاط التحالفات
يضيف المراقبون أن ابتعاد تيار المستقبل عن حليفه التقليدي حزب القوات اللبنانية، يعد مؤشرا على اختلاط التحالفات التي قد تضع تيار الرئيس الحريري في تحالف يضمّه مع تيار الرئيس ميشال عون، فيما تتوقع مصادر أخرى أن تجمع التحالفات الانتخابية، ولو موضعيا تيار المستقبل وحزب الله في بعض الدوائر الانتخابية.
ويحذر سياسيون مخضرمون تيار المستقبل من الانجرار وراء خيارات انتخابية تضعه في خندق واحد مع معسكر 8 آذار الموالي لدمشق وطهران. ويرى هؤلاء أن إضعاف القوى السيادية المناهضة لحزب الله سيفاقم من الهيمنة التي يمارسها الحزب على لبنان. ويقولون إن إيران تتقدم في الداخل من خلال مواقع الدولة وعلى رأس ذلك موقع رئاسة الجمهورية، فيما السعودية، وهي الدولة التي دعمت لبنان ومؤسساته دائما، تجد أن موقعها داخل البلد يتعرض لهجمات حزب الله من جهة ولارتباك وضعف من يفترض أنهم حلفاء السعودية في لبنان من جهة أخرى.
وعلى الرغم من استعادة الحريري للكثير من قاعدته الشعبية إثر عودته إلى لبنان عقب أزمة الاستقالة، فإن الوزير السابق أشرف ريفي يعتبر أن الحريري قد يفقد قواعده الشعبية إذا ما واصل سياسة المهادنة مع حزب الله التي قد تصل إلى حد التحالف الانتخابي. وبالمقابل يقوّض الخلاف الحالي بين المستقبل والقوات جهود قيام تحالف لبناني مستقل ومواجه للسياسة الإيرانية في البلد. ويرى محللون أن هذا التشتت الحاصل داخل القوى المفترض أنها كانت متحالفة إثر اغتيال رفيق الحريري عام 2005، يقابله تجانس بين القوى المتحالفة مع حزب الله، بما يعني أن حزب الله الذي يتعرض للعقوبات الأميركية وتبدل المزاج الأوروبي حياله سيجد نفسه بعد الانتخابات المقبلة في وضع مريح يقوّي من حصانته داخل المؤسسات الدستورية للدولة اللبنانية.
تصدع داخل النظام السياسي
تلفت مصادر محلية مطلعة إلى أن تكرار الخلاف بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب يكشف عن تصدع داخل النظام السياسي اللبناني الذي أنتجته اتفاقات الطائف. ويقول هؤلاء إن المسألة ليست بين شخص الرئيس عون وشخص رئيس مجلس النواب نبيه بري فقط، بل تعبّر عن سعي الثنائية السياسية الشيعية المتمثلة بحزب الله وحركة أمل إلى عدم السماح بإحياء الثنائية المارونية السنية التي شكلت أساس النظام السياسي اللبناني عقب الاستقلال وحتى تفجّر الحرب الأهلية.
وتستبعد أوساط لبنانية وجود هذا المنحى لدى عون والحريري، لكنها ترى أن الشيعية السياسية مارست تجاوزات دستورية كبرى بسبب فائض السلاح لدى حزب الله، بما قد يؤدي إلى ترميم التصدعات الدستورية بسلسلة من التدابير والقرارات التي يتم التوافق عليها بين عون والحريري، أي بين الرئاستين الأولى والثالثة بما قد يستفز الرئاسة الثالثة لجهة اعتبار ذلك تهميشا للموقع الشيعي الأول في البلاد.
وتشدد مصادر دبلوماسية على أن دخول لبنان عصر النفط من خلال القرارات الحكومية الأخيرة بتلزيم أعمال استكشاف النفط في مربعين بحريين بالقرب من الشواطئ اللبنانية، يعني أن البلد بات على خارطة الطاقة الدولية مع ما يعنيه ذلك من حرص دولي على وضعه تحت المجهر.
وتلفت هذه المصادر إلى أن عودة الحريري إلى لبنان بعد استقالته تمت من بوابات باريس والقاهرة وأن تعريجه على قبرص قبل بيروت هدف إلى منح تلك العودة بعدا نفطيا دوليا يذكر اللبنانيين بالبعد الدولي لإعادة تموضع الحريري من جديد داخل المشهد السياسي اللبناني.
وتضيف المصادر أن المشهد السوري شرقا والمشهد الإسرائيلي جنوبا والمشهد النفطي غربا تشكل مجتمعة الوعاء المتعدد الأبعاد الذي على اللبنانيين إدراكه للتمكن من إدارة اللعبة الداخلية بما لا يصطدم مع وقائع المحيط ولا يتناقض مع المناخ الدولي السياسي والاقتصادي وشروطه بالنسبة إلى لبنان.