كتبت ميسم رزق في صحيفة “الأخبار”:
لم ينتظر رئيس مجلس النواب نبيه برّي دخول عام جديد كي يردّ للرئيس ميشال عون «هديته». وفي أول تعليق رسمي منه أمس على توقيع مرسوم منح الأقدمية لضباط «دورة عون»، مهّد للجميع بأن البلاد ستكون بعد الأعياد على موعد مع صولة جديدة في معركة شرسة حول دستورية المرسوم. الرئيسان اللدودان يقفان وجهاً لوجه في معارك لا تنتهي، يختلط فيها السياسي بالشخصي، وبينهما يقف رئيس الحكومة سعد الحريري الذي حاول دوزنة الاشتباك الجديد بعدم نشر المرسوم في الجريدة الرسمية حتى الآن. ويحلو لبعض المقربين منه القول في هذا السياق إنه «مُرغم على تجرّع هذه الكأس، حتى لو لم ترُقْه. فهو يجد نفسه مجدداً محشوراً بين خيارين: إما مع عون وإما مع برّي».
في الجلسات خلف الأبواب المغلقة مع شخصيات بارزة في تيار المُستقبل، يظهر أن «الحريري يستشعر محاولة لحشره بين الطرفين»، ولا سيما أنه «لا يريد المغامرة بتحالفه مع عون الذي يعلم مدى الحاجة إليه داخل المؤسسات ولا التفريط بعلاقته مع برّي، وكلّما لمس بأن الأمور تسير على ما يرام، يصطدم بفخاخ متبادلة بينهما». بلوغ العلاقة هذا المستوى من التوتر أمس بين بعبدا وعين التينة، دفع بهذه الشخصيات إلى الخروج عن صمتها، بعدما التزمته منذ بروز ملامح الأزمة الجديدة. لا توافق هذه الشخصيات على الأسباب التي دفعت رئيس الجمهورية إلى تخطّي برّي، بتجاهل توقيع وزير المال علي حسن خليل على المرسوم، كما لا تتوانَى عن القول إن «عون لم يستفد من وقوف بري خلفه خلال المحنة التي مرّ بها رئيس الحكومة في سبيل التأسيس لعلاقة متينة تُريح حلفاءهما المشتركين».
في تيار المستقبل، ثمّة من يعتقد بأن عون «بارع في استفزاز عين التينة، ويسعى دائماً إلى افتعال أزمة معها تلبس طابعاً ثأرياً، وكأنه يتقصّد أن يُبقي برّي خصماً له من دون معرفة السبب». وترى المصادر نفسها أن الأزمة ليست أزمة حزب الله وحده الذي وجد نفسه عالقاً بين حليفين، بل هي أيضاً «عند الرئيس الحريري الذي يقف في كل مرة أمام اختبار الوفاء لهذا الطرف أو ذاك». ليس في حديث المقربين من الحريري أي تبرير أو شرح لقبول الأخير توقيع المرسوم، لكن حديثهم يحمل ملاحظات وعتباً على بعبدا أكثر من عين التينة، وفي رأيهم أنه «كان الأجدى برئيس الجمهورية الاستفادة من الزخم الوطني الذي رافق عودة الحريري عن استقالته».
هذه المرة يقف المستقبليون ولو سراً إلى جانب برّي، لأن عون «قرّر عن سابق تصوّر وتصميم إعادة البلاد إلى المشهد الذي كانت عليه عشيّة انتخابه رئيساً، وضرب اصطفاف وطني لم نشهده منذ عام 2005». ويتحدّث هؤلاء بلغة لا تخلو من الخيبة عن دخول الجميع، بمن فيهم الحريري، في حالة إحراج «نتيجة مطامع غير محدودة تعرقل العهد كلما أعيد إحياؤه».
يجلس الحريري حالياً متفرجاً على حكومته التي ستتحول في الأيام المقبلة إلى حلبة ملاكمة بين الرئاستين الأولى والثانية، غير قادر على أن يكون لاعباً مؤثراً في تطبيع العلاقة بين عون وبري. وفي تقدير جماعة الحريري، لن يكون الأخير بمعزل عن «الكباش» المستجد كيفما أداره. فمؤازرته لعون في قراره من شأنها مفاقمة الأزمة مع الرئيس بري، كما أن اتخاذه موقفاً داعماً للأخير يُمكن أن يحمل معه بوادر هزّة سياسية مع شريكه في الصفقة الرئاسية. ومهما حاول معاندة الانزلاق إلى قرار دعم طرف على حساب آخر، فإنه لن يجد مهرباً من هذا الخيار.