كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
الدلالات بدتْ بيروت بحاجة إليها لولوج 2018 بما يشبه «العيدية» التي تعكس أن العلاقات مع الرياض وُضعتْ على سكة احتواء ما بات يُعرف بـ «أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري» التي جاءتْ على وهج اشتداد المواجهة بين السعودية وإيران، وكـ «بطاقة صفراء» لوقف المسار الانحداري الذي كان لبنان ينزلق معه بالكامل الى «المحور الإيراني» عبر القضم الممنْهج الذي مارسه «حزب الله» للواقع الداخلي مستفيداً من حال «المهادنة السياسية» التي أرستْها التسوية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي نهاية اكتوبر 2016.
ومع تَبلُّغ الخارجية اللبنانية من الرياض قبول تعيين كبارة (كان لبنان سمّاه من ضمن التشكيلات الديبلوماسية في تموز الماضي) وأن سبب تَأخُّر الموافقة على اعتماده يعود لأمور إدارية بحتة لا علاقة للسياسة بها، يكون الطريق فُتح أمام تحديد موعد للسفير السعودي الجديد في بيروت وليد اليعقوب (الموجود في لبنان منذ أكثر من شهر) ليقدّم أوراق اعتماده لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بعدما كان «القصر» و«الخارجية» ربطا إكمال نصاب اعتماد اليعقوب بأن توافق الرياض أولاً على تعيين كبارة.
واستوقف دوائر سياسية في بيروت أن تَجاوُز ملامح الأزمة الديبلوماسية التي لاحتْ على خط بيروت – الرياض جاء بعد نحو أسبوع من إبلاغ رئيس الحكومة الى مجلس الوزراء أنه أخذ على عاتقه معالجة ملف تَبادُل السفراء، لافتة الى أن تظهير «الهدية» السعودية على أنها برسْم الحريري ينطوي على أكثر من رسالة حيال موْقع الأخير في المملكة وعلاقته بها، بعد كل «الغبار» الذي سادها منذ إعلان الاستقالة الصادِمة من الرياض في 4 تشرين الثاني الماضي وما رافقها من كلامٍ لبناني رسمي عن «احتجاز» الحريري، وصولاً الى عودته الى بيروت وتراجُعه عن الاستقالة في خطوة صوّرها خصوم المملكة على أنّها بوجهها.
ولاحظتْ الدوائر نفسها أن عودة العلاقات الديبلوماسية بين لبنان والسعودية إلى مرحلة الانتظام يأتي بعد كلامٍ لوزير خارجية المملكة عادل الجبير أكد فيه ان الرياض لم تكن أبداً بعيدة عن تفاهُم «النأي بالنفس» عن أزماتِ المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية الذي عاد على أساسه الحريري عن استقالته، وإن كان بكلامه عن «سننتظر ونرى» لاقى المجتمع الدولي الذي وضع بيروت «تحت المراقبة» في ما خص ترجمات هذا التفاهم، وفي الوقت نفسه جعل الانتخابات النيابية المقبلة والتوازنات التي ستفرزها والتي ستحدد «الأمر لمَن» في السلطة كمعيارٍ لكيفية التعاطي مع لبنان وحتى لتسييل المساعدات التي يفترض أن تقرها 3 مؤتمرات لدعم الجيش وتعزيز الاستثمارات والقدرة على تحمُّل عبء النازحين السوريين.
ولم يكن «بريئاً»، حسب هذه الدوائر، أن يترافق هذا الانفراج ولو «الموْضعي» في العلاقات اللبنانية – السعودية مع نشْر صفحة «لواء الامام الباقر» السورية (وهي ميليشيا رديفة لقوات الرئيس بشار الأسد يتم التعاطي معها على انها جزء مما يُعرف بـ «حزب الله» السوري) صوراً (بالزي العسكري) لقائد عملياته «حمزة أبو العباس»، أثناء جولة له على الحدود اللبنانية – الفلسطينية، مُرْفقةً بتعليق: «فلتعلم إسرائيل اننا على حدودها وسيأتي اليوم الذي نكسر فيه حدودها».
وجاء هذا التطوّر بعد نحو 3 أسابيع من الفيديو الذي بُثّ لزعيم ميليشيا «عصائب أهل الحق» العراقية قيس الخزعلي وهو يقوم بجولة بـ «المرقّط» إلى بوابة فاطمة في الجنوب معلناً دعمه «حزب الله» في أي حرب مقبلة مع إسرائيل، وهو الفيديو الذي اعتُبر أول ترجمة لكلام الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله عن «وحدة الميادين»، ولملامح القرار الإيراني بـ «نقل البندقية» في اتجاه اسرائيل انطلاقاً من ملف القدس كعنوانٍ «استنهاضي واستقطابي» لحفظ «الدور» للميليشيات التي وُلدتْ من رحم الحرب مع «داعش» وتمدّدت عبر الحدود وبدا أن وظائفها «كاسرة للتوازنات» في قلب العالم العربي و«بيوته الكثيرة».
ورغم أنه لم يتم تحديد تاريخ التقاط صور «أبو العباس» في الجنوب، فإن هذا التطور يضع لبنان مرة أخرى أمام إحراجٍ كبير باعتبار أنه «ضربة» جديدة لـ «النأي بالنفس» ويطرح علامات استفهام حول سبل وقف مسار تحويل البلاد «مقاومة لاند» للمحور الإيراني، علماً أن الحريري كان طلب التحقيق بظروف دخول الخزعلي للبنان قبل أن يعلن أن «لبنان (مش عامِل) استدراج عروض لجهات عربية او إقليمية للدفاع عنه».
ولم تحجب «الهبّة الايجابية» من البوّابة السعودية ولا «التهيُّب» لمغازي «السياحة المرقّطة» لحلفاء «حزب الله» جنوباً، الأنظار عن الأزمة المتدحْرجة على خلفية مرسوم منْح سنة أقدمية لضباط دورة 1994 في الجيش والتي أعادت العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان نبيه بري إلى «دائرة التوتر العالي»، بعد «استراحة مُحارِب» إبان أزمة الاستقالة، ووضعتْ علاقة بري مع الحريري مجدداً أمام «الاختبار الصعب» وسط حرص الأخير على التوفيق بين جسورٍ غير قابلةٍ للكسْر مع عون وبين خطوط لا يمكنه ولا يرغب بقطْعها مع بري.
وغداة رسْم بري، رداً على رفْض عون التراجع عن المرسوم ودعوته المعترضين للجوء الى القضاء، سقفاً لـ الأزمة «لامَس نظام الطائف الذي ألمح إلى (وفاته) ربطاً بالقفز فوق توقيع وزير المال (الشيعي) معتبراً أن في الأمر عيْباً دستورياً وميثاقياً، بدا أن الاتصالات لاحتواء المشكلة التي يمكن أن تتشعّب لتصيب الواقع السياسي والمؤسساتي بالشلل تصطدم بمقاربة رئيس البرلمان للأمر باعتباره من صلب التوازنات بالتركيبة اللبنانية، مع غمزٍ من قناة محاولة لاستعادة مرحلة ما قبل (الطائف) على صعيد صلاحيات الرئاسة الأولى، من دون أن يُعرف إذا كانت محاولة بلوغ حلّ على قاعدة موافقة بري على مرسوم منح مقابل تنازل عون عن مسألة ترقيتهم (حين تستحق) قابلة للحياة».