كتب جوزف فرح في صحيفة “الديار”:
كلف مجلس الوزراء في احدى جلساته شركة «ماكنزي» الاجنبية باعداد خطة اقتصادية للنهوض مجدداً بقيمة مليون و300 الف دولار اميركي اعترض على هذا التكليف نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني ووزير الصناعة حسين الحاج حسن الذي اعتبر ان هناك خبراء لبنانيون قادرون على وضع خطة اقتصادية وبالتالي لماذا الاستعانة بخبراء من الخارج؟
ليس هذا فحسب، بل ان الخبراء اللبنانيون يتم الاستعانة بهم لوضع الخطط الاقتصادية والاجتماعية، والدراسات حول مختلف القطاعات الاقتصادية كمثل البنك الدولي الذي يستعين ببعض الخبراء اللبنانيين لوضع دراسات حول جملة من المواضيع مثل النمو الاقتصادي والبطالة والهجرة، لكن الحكومة اللبنانية لا تعير اهمية لهؤلاء الخبراء الذين لم يتركوا موضوعاً اقتصادياً او اجتماعياً الا وتطرقوا اليه، كما ان بعض الوزارات تستعين بهم، ولكن اين يستفيدوا بهذا الرقم المالي فالافضل الاستعانة بشركة اجنبية لا تعرف شيئاً عن الاقتصاد اللبناني وهي ستستعين بهؤلاء الخبراء لاعداد الخطة الاقتصادية للبنان التي اصبحوا يعرفونها عن ظهر قلب ولكن كل «فرنجي برنجي» كما يقول المثل.
منذ العام 1992 وحتى الان وضعت عشرات الخطط الاقتصادية وتألفت عشرات اللجان الوزارية لاعداد الخطط، لكن لم يتم الاخذ بها بحيث بقيت الفوضى تضرب بمختلف القطاعات دون ان يعرف اي خارطة طريق اقتصادية يجب ان يسلكها لبنان لكي ترتفع نسبة النمو الاقتصادي فيه وتجذب اليه الاستثمارات وتعيد الدورة الاقتصادية الى الدوران من جديد. وتحدد الهوية الاقتصادية للبنان: هل نريده صناعياً ام زراعياً ام سياحياً ام خدماتياً؟ هل يجب التركيز على اقتصاد المعرفة؟ كما تحدد كيفية معالجة العجز في ميزانية الدولة وتراكم الدين العام.
وقد عمدت الحكومة الى اختيار شركة ماكنزي لاعداد هذه الخطة الاقتصادية دون معرفة الاسباب التي دعيت الى اختيار هذه الشركة دون سواها، ولماذا لم يتم اجراء مناقصة او مزايدة حيث يمكن اعطاء الفرصة لاكثر من شركة اجنبية للمشاركة فيها وقد يفتح المجال للشركات اللبنانية التي اثبتت جدواها في اعطاء التحاليل اللازمة حول اي موضوع اقتصادي.
وهنا يطرح السؤال عن دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي في امكانية ان يقترح خطة اقتصادية طالما ان هذا المجلس يضم مختلف شرائح المجتمع ويضم الخبراء في هذا المجال وهو هيئة استشارية ومنبر للحوار الاقتصادي والاجتماعي خصوصاً ان المسؤولين السياسيين والحكومة الحالية اعطوا الدفع اللازم لهذا المجلس لكي يبدأ مهامه بدراسة امكانية اقتراح خطة اقتصادية – اجتماعية قابلة للنقاش.
وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري المعني بهذه الخطة اعلن ان هناك الكثير من الخطط التي تعالج الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية ولكننا بحاجة الى ارادة سياسية لتنفيذ هذه الخطط.
كما يجب ان لا ننسى الدراسة التي اطلقها رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي السابق روجيه نسناس بالتعاون مع 22 خبيراً اقتصادياً يمثلون مختلف الاتجاهات والمدارس الاقتصادية هم: غازي وزني، كمال حمدان، مازن سويد، ناصر حطيط، سمير نصر، روجيه ملكي، روجيه خياط، منير خرما، سميح جحا، انطوان مسرة، غسان مخيبر، زياد بارود، شادي كرم، فادي قمير، زياد الحايك، سمير ابي اللمع، توفيق كسبار، مروان اسكندر، مارون شماس، هيثم عمر، ليا بو خاطر، زياد الصائغ، اجتمعوا طيلة سنتين للخروج بعنوان «نهوض لبنان نحو دولة الانماء» وقد حددت المواضيع للبحث وفقاً لتفاعلها وقدرتها على ان تشكل رافعة اقتصادية – اجتماعية اذا ما تزامن تحقيقها ونفذت بالشكل المطلوب ونوقش كل موضوع على حدة في عدة جلسات وكلف احد افراد المجموعة بنص الدراسة وتوزيعها على سائر الاعضاء، اضيفت الملاحظات المستجدة بعد الكتابة والتوافق عليها واعطي المجال لكل فرد من المجموعة الذكر المخالفة بالرأي اذا وجدت وساهم بالسياسات الاصلاحية عبر دراسات متخصصة وموقعة من قبلهم، اصحاب الخبرة في المجالات المذكورة، وقد احترم رأيهم دون مناقشة حتى عندما اتى مخالفاً للرأي الاخر.
ويتضمن الكتاب نهوض لبنان نحو دولة الانماء. المواضيع التي يشكو منها المواطن اللبناني والحلول الواجب اتخاذها ومنها كيفية مساندة القطاعات وتحسين شروط الانتاجية واعادة تدريجية للبنان الى الخارطة الدولية للاستثمارات، سياسة تشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، اصلاح المالية العامة من خلال ترشيد الانفاق وضبط الهدر والغاء بعض المؤسسات والهيئات المبذرة وتحسين ادارة السيولة من خلال انشاء حساب موحد وتحديث قانون المناقصات واصلاح القطاع العام والتوظيف العشوائي واصلاح نظام التقاعد ونهاية الخدمة وخفض خدمة الدين من خلال لجم الدين العام، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، دور القطاع المصرفي في تمويل الاقتصاد، بنية القوى العاملة وخصائصها في لبنان وغيرها من المواضيع، لكن هذه الدراسة بقيت على رفوف المسؤولين الذين وصلتهم الهدية، ولم يتم الاخذ بها.
واليوم تعود الحكومة الى تكليف شركة ماكنزي الاجنبية لاعداد هذه الدراسة التي تحتاج الى ستة اشهر لاطلاقها، دون ان تأخذ بعين الاعتبار دراسات ورأي خبراء لبنانيين، خصوصاً وان الكاتب داف ماكدونالد قد نشر في كتاب بعنوان «THE FIRM» تناول في احدى فصوله الاخفاقات الاستشارية في مجال الاعمال والتي كانت ماكنزي خلفها، منها نصيحتها للخطوط الجوية السويسرية على تنفيذ استراتيجية الصياد المثيرة للجدل والتي ادت لفشل برنامج التوسع الكبير فشلاً ذريعاً واضطرت شركة الخطوط الى اعلان افلاسها في عام 2001.
كما ذكر الكاتب تجربة ماكنزي السيئة مع شركة اندوف احدى اكبر شركات الطاقة في اميركا.
وفي توجه للهيمنة على السوق الاستشارية في العالم العربي بدأت شركة «ماكينزي» تكوين الرؤى الاقتصادية لعدد من الدول العربية، وكانت البحرين اولها، تلتها مدينة ابو ظبي الاماراتية، حيث صممت لها الشركة رؤية 2030 الاقتصادية، ولم تتوقف ماكينزي عند هذا الحد فقد عملت على خطط اصلاحية في عدة دول عربية اخرى كمصر اليمن وها هي اليوم تشارك في رؤية السعودية 2030 واصفة استراتيجية طويلة المدى تتمحور حول ايجاد مصادر دخل جديدة وخصخصة القطاع النفطي وذلك في سبيل النهوض باقتصاد المملكة.
ويؤكد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر على ان الشركة اخفقت في مجالات عدة وبالتالي استغرب الاسمر عدم الاستعانة بالخبراء اللبنانيين.