كتبت أمال خليل في صحيفة “الأخبار”:
أخيراً، بات مبنى قصر العدل القديم في صيدا ملكاً للبلدية. الأسبوع الماضي، دفعت البلدية نحو 166 مليون ليرة رسوم تسجيل، وتسلّمت صك الملكية من الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة العدل التي كانت تملك المبنى. التملك الرسمي تأخر أحد عشر عاماً تطبيقاً لاتفاقية المقايضة التي وقعتها البلدية والدولة ممثلة بـ«العدل»، وقضت بـ«بتنازل الوزارة عن ملكية العقار الرقم 517 وتبلغ مساحته 1877 متراً مربعاً لمصلحة البلدية، في مقابل تنازل البلدية عن ملكية العقار الرقم 1556 وتبلغ مساحته 10486 متراً مربعاً لمصلحة الوزارة».
ونص أحد بنود الاتفاقية على أن تدفع البلدية رسوم تسجيل ملكية مبنى قصر العدل القديم باسمها، الأمر الذي لم يتم في عهد بلدية عبد الرحمن البزري الذي وقّع الاتفاقية. حُرّك الملف مجدداً في بداية عهد رئيس البلدية الحالي محمد السعودي عام 2010، وتبين أن التسجيل يكلف عشرات الملايين، بما يفوق الإمكانيات المالية للبلدية حينذاك. أول من أمس، تثبتت ملكية القصر القديم للبلدية في الدوائر العقارية بموجب المرسوم الرقم 16341 الصادر عام 2006، فما هي الخطط المعدةّ له؟ علماً بأن توقيت تسجيل الملكية يثير علامات استفهام عدة ربطاً بالحراك السياسي الصيداوي الذي يشهد مناكفات مستمرة في الحالات الطبيعية، فكيف الحال قبل أشهر من الانتخابات النيابية؟
المبنى الذي شيده الانتداب الفرنسي في الثلاثينيات من القرن الماضي واستخدم مقراً للمفوض السامي، شهد أحداثاً مرتبطة بالذاكرة الجمعية لأهالي «بوابة الجنوب»، ولا سيما التظاهرات الشعبية المطالبة بالاستقلال منتصف القرن الماضي، ثم استخدامه سجناً، وصولاً إلى جريمة اغتيال الضباط الأربعة في إحدى قاعاته.
بعد انتقال قصر العدل إلى المبنى الجديد مطلع 2004، سمحت بلدية البزري لقوى الأمن الداخلي عام 2006 باستخدامه مؤقتاً، لشهرين فقط، مقراً للقوة الضاربة ومكتب مكافحة المخدرات. بعد أشهر، اتخذ المجلس البلدي قراراً بتحويله إلى «مركز مصطفى سعد الثقافي»، وأطلق اسم المناضل الصيداوي على الشارع المقابل للمبنى. وفي تموز 2007، وضعت البلدية الحجر الأساس لإطلاق ورشة ترميم المبنى وتحويله إلى مركز ثقافي، وخلّدت الاحتفال بلوحة رخامية ثبتت عند مدخله الرئيسي. بالتزامن، وبصورة لافتة، تريثت قوى الأمن مدعومة بموافقة مجلس الوزراء عام 2008 (برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة) في إخلائه، بحجة عدم وجود مقر بديل، رغم مطالبات البلدية المستمرة بتسلمه عملاً باتفاقية المقايضة، ففسّر الأمر كمناكفة سياسية متعمدة من تيار «المستقبل» ضد خصومه في التنظيم الشعبي الناصري والقوى الوطنية التي هزمته في الانتخابات البلدية عام 2004. عام 2013، أخلت القوى الأمنية القصر ليحل مكانها الجيش الذي شغله حتى أيار الماضي، عندما اتخذ المجلس البلدي الحالي قراراً بتحويل باحة القصر الخلفية إلى موقف للباصات العمومية بعد إقفال موقف ساحة النجمة إثر انتقال ملكيته من فهد رفيق الحريري إلى رجل الأعمال محمد زيدان.
استعاد «المستقبل» البلدية عام 2010 قبل أن يُفتتح «مركز مصطفى سعد الثقافي»، فهل تمضي بلدية محمد السعودي التي يرعاها نائبا المدينة بهية الحريري والسنيورة في خطة إقامته؟
يقول السعودي لـ«الأخبار» إن بلدية البزري لم تنفذ الإجراءات الإدارية الرسمية المطلوبة لتحويل المبنى إلى مركز ثقافي. ويضع احتمالات عدة لاستخدامه، أبرزها نقل مقر البلدية إليه، وهدم مبنى البلدية الحالي في ساحة النجمة لإقامة موقف للسيارات ومحال تجارية يعود بدل استثمارها للصندوق البلدي.
إلا أن الأسوأ هو الاحتمالات التي يتم تداولها عن مصير المبنى التاريخي، إذ تنتشر شائعات عدة عن احتمال هدمه، بالتزامن مع هدم مبنى البلدية وتحويلهما إلى مواقف للسيارات ومحال تجارية. هذا الاحتمال يرجحه الناشط في مبادرة «للمدينة» المهندس المعماري علي وهبي، الذي يرى أن صيدا «تفتقر الى مفهوم التنمية المدنية والحضرية والرؤية الشاملة للمدينة». ويلفت الى أن «كل المشاريع التي نفذت في السنوات الأخيرة ارتجالية مثل تأهيل السوق التجاري ومنع دخول السيارات إليه، ما قلص الحركة التجارية بدلاً من تشجيعها». كما توقف عند «الهوس بتحويل العقارات إلى مواقف للسيارات مثل موقف الفانات في ساحة النجمة الذي حوّله زيدان إلى موقف للسيارات مقابل بدل مالي. وكما في طرح مشروع لاستحداث موقف للسيارات فوق مقبرة الشاكرية بجوار المتحف الذي يتم تشييده!». وأعرب وهبي عن الخشية من إفراغ وسط المدينة من معالمها التي كانت تشكل حيزاً عاماً وتجمع الناس مثل موقف الفانات والبلدية وقصر العدل القديم، محذراً من تحويل ساحة النجمة إلى نسخة مكررة عن ساحة الشهداء في بيروت!