Site icon IMLebanon

عناصر الثورة متوافرة… فهل يسقط نظام الملالي؟! ( تحقيق رولان خاطر)

تحقيق رولان خاطر

الفقر والبطالة والحرمان والغلاء والفساد والتضخم وتدهور المستوى المعيشي، عناوين دفعت المواطنين في إيران للخروج إلى الشوارع.

هي ليست المرة الأولى التي يثور فيها الشعب الايراني، ويواجهه النظام الحاكم بسياسة “تصعيد القمع” حتى القضاء على أي حركة احتجاجية.

ففي العام 2009، انطلقت “الثورة الخضراء” إثر احتجاج معارضي الرئيس محمود أحمدي نجاد في ذلك الحين، مير حسين موسوي ومهدي كروبي على نتائج الانتخابات الرئاسية، فاتهما الحكومة بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 حزيران 2009 وأدت إلى فوز احمدي نجاد بولاية ثانية بعد حصوله على بنسبة 63% بإقبال 85% من الناخبين. فكانت الانتفاضة الخضراء” التي عبّرت عن احتجاجات الشعب الإيراني على النظام الإسلامي الحاكم.

“الحرس الثوري” و”الباسيج” وكل اجهزة الاستخبارات والأمن الايرانية اجتمعت على تنفيذ قرار الحاكم الأعلى في ايران للقضاء بأي ثمن على الثورة، التي أيدتها دول غربية عدة من دون تقديم أي دعم فعلي لها.

اليوم، تطل الثورة من جديد في ايران على خلفية الفساد المستشري في الدولة، ولأسباب اقتصادية واجتماعية أخرى. ولأنه لا يمكن فك ارتباط الاقتصاد عن السياسة، ولأسباب اخرى تتعلق بالحرية الفردية والدينية وكمّ الأفواه في ايران، قرّر الايرانيون عدم الاستمرار في السكوت و”الانتفاضة”.

التحركات التي تصادف يومها الخامس، تؤكد الاجتماعات السرية بين قادة البلاد في ايران، أنها باتت تهدد أمن النظام في البلاد. ويشدد القادة الايرانيون على ضرورة الاسراع في ايجاد مخرج لهذا الوضع “المعقد” بأي ثمن، وسط حالة تأهب قصوى في صفوف “الحرس الثوري”. ولعل التحذير الذي أطلقه رئيس المحكمة الثورية في طهران من أن المحتجين المعتقلين قد يواجهون قضايا عقوبتها الإعدام عندما يحاكمون، خير دليل على عمق الأزمة، حيث بدأ النظام يستخدم أولى عمليات “الترهيب” بحق المتظاهرين قبل التوسّع في عملية القمع ودخول قوات “الباسيج” و”الحرس الثوري” على خط سياسة القمع ما يحوّل المواجهة إلى عسكرية بامتياز.

الفرق بين الثورة الخضراء في الـ2009 والانتفاضة اليوم، أن أمور عزل الايرانيين عن القرار في البلاد توسعت، وأن نار التمرد التي كانت تحت رماد القمع وكمّ الأفواه تحررت، وأن الأوضاع السياسية والعسكرية في الجمهورية الاسلامية راكمت من الأزمة المعيشية والاجتماعية، فكانت هذه “الانتفاضة” التي بدأت والتي لا يُعرف ما إذا كانت ستنفع معها ههذ المرة وسائل الترهيب النظام الايراني.

أسباب انطلاق التظاهرات

انطلقت التظاهرات من “مشهد” ثاني أكبر مدينة ايرانية، ثم امتدت إلى أكثر من 40 مدينة، منها اصفهان ثالث كبرى مدن البلاد، وطهران. وامتدت التظاهرات من العاصمة طهران إلى شمال غرب البلاد في أرومية وزنجان وخوي إلى بلوشستان، وشرقاً في مدن زاهدان وتشابهار، وشمالاً إلى رشت، وجنوباً إلى شيراز وكرمان والأهواز وغرباً في كردستان وكرمنشاه.

التظاهرات التي بدأت على خلفية اجتماعية واقتصادية سرعان ما تبدلت لتطالب بـ”تغيير النظام الديني الحاكم”، جراء ما تسبب سياسته من حرمان وبطالة وفقر نتيجة سياسته الخارجية في دعم الارهاب ووضع موازانات ضخمة للانفاق العسكري خصوصا النووي منه، والشعارات التي رفعها المحتجون كانت خير دليل منها شعار “لا غزة ولا لبنان روحي فداء ايران” و”اخرجوا من سوريا وفكروا بحالنا”… واللافت في الهتافات أيضاً سقوط كل الخطوط الحمر، حيث ردد المحتجون هتافات طاولت هذه المرة المرشد الأعلى شخصياً، منها “الموت للديكتاتور”. حتى ان التظاهرات توجهت نحو بيت “المرشد” وهي حالة لم تشهدها ايران من قبل.

 

الفساد في الدولة والإنفاق العسكري

كشفت إحصائية قامت بها مؤسسة “بورغن” غير الحكومية والتي تعنى بمكافحة الفقر حول العالم في أيلول الفائت، أن تزايد نسبة الفقر في إيران وصل إلى مستويات قياسية في ظل استشراء الفساد الحكومي وهيمنة الطغمة الحاكمة على ثروات البلاد.

في المقابل، كان لاعلان رئيس لجنة “الخميني” الإغاثية الحكومية في إيران، برويز فتاح، أن 40 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر، أي نصف مجموع السكان البالغ عددهم 80 مليوناً، وقع كبير في ارتفاع حدة الانتقادات الداخلية بشأن إنفاق “النظام في ايران” المليارات على توسعها العسكري وتدخلها في دول الجوار ودعم الارهاب وتطوير برامج عسكرية كالنووي والصاروخي التي أعلنت طهران عنهما.

الفساد والموازنة

بالموازاة، شكلت قضايا الفساد من الموازنة إلى الغلاء أيضاً عامل تفجير لانتفاضة الايرانيين، فمنظمة الشفافية الدولية وضعت إيران على رأس قائمة الدول الأكثر فسادا، حيث احتلت المرتبة 136 من أصل 175 دولة من حيث الفساد وفق دراسة أجرتها منظمة ” Transparency International ” غير الحكومية.

ترافق ذلك مع انتشار وثائق عن فساد مسؤولين كبار يشغلون مناصب في الدولة ومتورطين بتهم اختلاس ونهب المال العام، مثل رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني وأشقائه علي لاريجاني.

ولم يكن مشروع الموازنة الذي قدمه الرئيس حسن روحاني، منتصف كانون الأول الماضي، أقل سبباً لاشعال فتيل الشارع، فقد أظهر المشروع إنفاق جزء كبير منها على الحرس الثوري والمؤسسات الدينية المرتبطة بمرشد الجمهورية الاسلامية، من دون أن يكترث إلى الوضع المعيشي المتدهور وموجة الغلاء وارتفاع الأسعار، فعلي سبيل المثال، تم رفع سعر الوقود بنسبة تصل إلى 50%، وهو ما دفع الخبراء الاقتصاديين إلى التحذير من ارتفاع معدل التضخم بنسبة 1% جراء هذا الارتفاع، وفي طليعتهم احد المقربين من الرئيس روحاني ويدعي فرشاد مومني، وهو خبير اقتصادي، وقد وصف الموازنة الجديدة بأنها تفاقم أزمة المعيشة التي يواجهها الشعب”.

كل هذه الاجراءات ترافقت مع اتخاذ حكومة روحاني قرار إلغاء الإعانات النقدية المقدمة للفقراء والدعم النقدي لـ34 مليون شخص خلال العام المقبل.

بالتوازي، يستحوذ 5% فقط من الطبقة الحاكمة في إيران على منابع الثروة وهم من الفئة الحاكمة، بدءا بمرشد الجمهورية الايرانية وحاشيته وكبار المسؤولين، حيث تقدر ثروة المرشد وحدها بنحو 95 مليار دولار أميركي، بحسب دراسة أجرتها مؤسسة “بورغن” العالمية المعنية بمكافحة الفقر.

إشارة إلى ان مجلس النواب الأميركي وافق في كانون الأول الماضي، على مشروع قرار يلزم وزارة الخزانة بأن تنشر قائمة من أصول وأموال 70 شخصا من القادة الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد علي خامنئي، وسط دعوات برلمانية عن كيفية إنفاق هذه الثروات على دعم ونشر الإرهاب.

 

معضلات اجتماعية وامتيازات “الحرس الثوري”

وفي حين، تفيد إحصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الإيرانية بأن هناك أكثر من 12 مليون مواطن يعانون من الفقر الغذائي. يهيمن الحرس الثوري على الاقتصاد الإيراني وقطاعات حيوية مثل النفط والغاز والاتصالات والبناء والمواصلات والاستثمارات.

وذكرت صحيفة “وورلد نت دايلي” الأميركية في وقت سابق أن “الميزانية المخصصة للحرس الثوري الإيراني بلغت 3.3 مليار دولار في العام 2013، وتضاعفت لترتفع إلى 6 مليارات دولار في العام 2015، لتصل الى 6.9 مليار عام 2017، اي بنسبة 53% من موازنة البلاد.

هذا بالاضافة إلى ظواهر اجتماعية خطيرة ومنها أزمة السكن حيث يعاني الكثير من الايرانيين من موضوع السكن، ومعلوم ان من الايرانيين من يفترشون الطرقات ليلا لعدم قدرتهم على الحصول على مسكن، في حين ان المشاريع السكنية تعود للحرس الثوري الذي يعمل على بيع المساكن بأسعار مرتفعة.

كذلك، فإن بيع الأطفال من المعضلات الاجتماعية الكبرى، حيث تقوم العديد من العائلات بعرض أطفالها للبيع بسبب سوء الحالة المادية والاجتماعية، ولعل تصريحات مساعد شؤون الرعاية الاجتماعية في إيران حبيب الله مسعودي، في آب الفائت، عن وجود 600 وليد تم عرضهم للبيع من مجموع 1200 لدى هيئة الرعاية الاجتماعية، خير دليل على ذلك.

بداية السقوط؟

وفق التقارير، من المقرر أن يشارك في التظاهرات شريحة واسعة تقول إنها تعاني من الاضطهاد الديني او القومي، مثال أتراك أقاليم أذربيجان، والكرد وعرب الأهواز والبلوش والتركمان واللور وسائر القوميات المضطهدة، ولو ان خلفياتهم تختلف كل واحدة عن الأخرى.

كل هذه العوامل التفجيرية التي عددناها كفيلة بقيام الثورة لاسقاط نظام ولاية الفقيه في ايران، وبإعادة تنظيم صفوف المعارضة الايرانية من جديد، التي أعلنت من الخارج دعمها للحركة الاحتجاجية في ايران، إلا ان الأمر يتطلب دعما دوليا غربيا لهذه المعارضة تكون كفيلة بإسقاط النظام في ايران والانتقال إلى بناء دولة ديموقراطية تعددية تحترم كل مكوناتها.

فهل المقبل من الأيام يحمل أخباراً سارة لرواد الحرية والديموقراطية في ايران والعالم العربي؟ هل ما يحصل في ايران شبيه بنهاية حقبة الاتحاد السوفياتي فتكون نهاية حقبة الملالي وولاية الفقيه؟ هل هذه الانتفاضة ستنقل الايرانيين إلى بداية نهضة تمحو صورة ايران التي تدعم الارهاب إلى ايران التي تدعم كل مفاهيم العدل والديموقراطية أم ستتمكن طهران من احكام قبضتها على مفاصل الانتفاضة الجديدة؟ وهل تحصل فعلا على الدعم الدولي والغربي المطلوب ليترجم فعليا مقولة “حان وقت التغيير”؟.