IMLebanon

سنة 2018: الأمن يبقى الهاجس الأكبر

كتب جوني منير في صحيفة “الجمهورية”:
فاجأت الأرقام التي أُعلنت حول التراجع الكبير في أعداد اللاجئين الفلسطينيين وكذلك النازحين السوريين في لبنان، الأوساط والمراجع اللبنانية الرسمية المعنية.

صحيح أنّ هذه الأرقام أحدثت صدمة نفسية إيجابية للوهلة الأولى نظراً للأثقال الهائلة التي يعاني منها لبنان جرّاء هذين الملفين، إلّا انّ هذه «اللحظة» الإيجابية لم تدم طويلاً بعدما ظهر أنّ أجهزة الدولة اللبنانية ليست لديها أيّ معلومات حقيقية في هذا الإطار، لا بل على العكس.

فالأرقام الرسمية اللبنانية ما تزال تشير الى وجود نحو 450 ألف لاجئ فلسطيني موزعين بين المخيمات الفلسطينية ومناطق أُخرى خارجها، والى نحو مليون وسبعمئة ألف نازح سوري بعد وصول أعداد جديدة عبر المسالك غير الشرعية حلّت مكان بضعة آلاف من النازحين رحلت في مراحل سابقة ووفق ظروف معينة.

البعض ربط تعمُّد توزيع هذه الارقام المُخفّضة باقتراب تسوية فلسطينية ـ اسرايلية تسعى اليها ادارة دونالد ترامب وتتضمن في احد شروطها الاساسية توطين فلسطينيي الشتات في البلدان الموجودين فيها اضافةً الى وجود هدف ثانٍ، «بتخدير شكاوى اللبنانيين وقلقهم من عبء الاعداد الهائلة للسوريين في لبنان والذي يشكّل هاجساً اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً».

والمعروف انّ العاملين الفلسطيني والسوري تمّ استخدامهما في كثير من الاحيان في الداخل اللبناني تحت عنوان النزاع الاقليمي العنيف، ومن هذه الزاوية ايضاً هنالك من يريد المحافظة على هاتين الورقتين لاستخدام إحداها، او ربّما الاثنتين معاً، عندما يحين الظرف الاقليمي.

صحيح انّ الجيش اللبناني وبعد تحرير الجرود في البقاع الشمالي نجح في اغلاق 85% من حدوده المشتركة مع سوريا، إلاّ انّ 15 % ما تزال غير مضبوطة، وتعمل قيادة الجيش على وضع خطة تسمح بإقفال الحدود بكاملها.

ومن هذه الثغرات يجري يومياً تهريب نازحين سوريين الى الداخل اللبناني، واحد ابرزِ هذه المسالك غير الشرعية هي منطقة الصويري حيث يُهرَّب نحو مئة سوري كمعدل يومي.

لكنّ المؤسف انّ هؤلاء النازحين يدركون أنّ القرار السياسي اللبناني فرض على اجهزة الدولة اللبنانية تشريعَ اقامتهم في حال القبضِ عليهم، لا إعادة ترحيلهم الى سوريا.

في المرحلة السابقة كان الجيش اللبناني يوقِف كلّ نازح سوري دخل الى لبنان خلسةً ويسلّمه الى الامن العام الذي كان يتولى اعادةَ ترحيلِ البعض منهم الى الداخل السوري بعد التأكّد من وضعه.

لكنّ موجةً من الاعتراض الداخلي اللبناني حصلت وصاحبَتها ضغوط اوروبية، وهنا الغرابة في الامر. وبينما كانت الدول الاوروبية ترفع صوتها وتصرخ لمنعِ دخول السوريين الى القارّة العجوز، ما ادّى الى اقفال البحر ومعه غرق عشرات العبّارات التي كانت تتولى تهريبَ هؤلاء، في هذا الوقت كانت الديبلوماسية الاوروبية والاميركية، اضافةً الى بعض البلدان العربية، تنشط في لبنان ولكن في الاتجاه المعاكس، اي لمنعِ إغلاق الحدود أمام أيّ نازح سوري.

ومثلاً بعد إنجاز تحرير الجرود من التنظيمات الارهابية وانتقال بعض العائلات السورية الى داخل سوريا طلبَت ممثلة الامين العام للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ مواعيدَ سريعة للقاء المسؤولين اللبنانيين وحملت اليهم سؤالاً واحداً: «هل حصلت ضغوط على هؤلاء ما جَعلهم يرحلون الى سوريا؟».

وإزاء دهشة احدِ المسؤولين من هذا التناقض في المواقف بين اوروبا ولبنان اضافَت كاغ: «هؤلاء مغلوب على أمرهم والامم المتحدة حريصة على مساعدتهم». وعندها سألها المسؤول اللبناني: كوني على ثقة انّ أحداً لم يضغط على هؤلاء، ولكن ألم تلاحِظي ما لاحظه اللبنانيون عبر شاشات التلفزة أنّ أحد هؤلاء العائدين لديه سيارة «بورش» رباعية الدفع؟».

فاللافت انّ الذين «يهربون» الى لبنان يخرجون من سوريا عبر المعابر الشرعية ولكنّهم يؤثِرون الدخول إليه بطريقة غير شرعية طمعاً بالمساعدات التي تقدّمها الامم المتحدة وتؤدّي في نهاية المطاف الى ترغيب النازحين بالبقاء في لبنان. لكنّ القلق اللبناني لا يَكمن في هذه الناحية فقط، ذلك انّ هذه المخيّمات لعبت أدواراً أمنية وعسكرية في بعض الاحيان كما حصَل في عرسال، وايضاً في مناطق أُخرى في الداخل اللبناني.

وبات طبيعياً ان تَعثُر القوى الامنية اللبانية على كثير من الاسلحة داخل خيم النازحين، والاخطر انّ هذا السلاح كان يموَّل شراؤه من خلال حوالات مالية مصدرها تركيا والخليج عبر البريد السريع.

وعلى رغم التطمينات التي اعطتها الامم المتحدة والجهات الدولية حول منع ايّ نوع من انواع هذا التمويل، إلّا أنّ السلطات اللبنانية ومنذ اقلّ مِن شهرين ضَبطت حوالةً مالية جديدة لنازحين سوريين مصدرُها تركيا، ما يعني انّ هذا التسليح ولو المحدود للنازحين السوريين مطلوب من جهات خارجية في انتظار توقيتٍ ما مستقبلاً. وجاءت أزمة الرئيس سعد الحريري الأخيرة لتكشفَ بعض هذه الجوانب، وهو ما تجلّى في العنصر الفلسطيني.

فعند الساعة الأولى من ليل الاثنين – الثلثاء الذي تلا سبتَ الاستقالة فوجىء حاجز الجيش اللبناني عند مدخل مخيم عين الحلوة بوصول سيارة في داخلها شخصية لبنانية مناوئة للحريري ومعروفة بصداقتها لدول خليجية أرادت الدخول الى المخيم.

لم تدرج العادة ان تزور هذه الشخصية المخيّم في السابق، كما انّ التوقيت يحمل كثيراً من الالتباس. تمهّلَ آمِر الحاجز وطلبَ بعض الوقت، أجرى خلاله اتصالاً بمسؤوليه ليبلّغهم عن هوية «زائر الفجر» لمخيّم عين الحلوة، وما هي إلّا لحظات حتى جاءت الأوامر: «ممنوع الدخول» .

وفي اليوم التالي سافر المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الى الاردن للقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. كان القلق اللبناني الرسمي واضحاً لجهة وجود نيّات لتحريك الفلسطينيين، خصوصاً في مخيّم عين الحلوة الذي يختزن في داخله كوادرَ عدة وخطرة ولا تمتهن سوى الشغبِ وضربِ الاستقرار الامني.

نجَح اللواء ابراهيم في وضع لائحة عناوين مشتركة بين السلطة اللبنانية والسلطة الفلسطينية قاعدتها الحفاظ على الاستقرار الامني في عين الحلوة، ومنع محاولات اقحام الفلسطينيين في النزاع الداخلي اللبناني.

وبالتأكيد حقّقت السلطات الامنية اللبنانية كثيراً من النقاط داخل المخيمات الفلسطينية، وخصوصاً في مخيم عين الحلوة، لكن القدرة على الخربطة موجودة بسبب أعداد الكوادر الارهابية، وهو ما أدّى الى وضع خطة لدفع هذه الكوادر والتي يناهز عددها الخمسين الى الخروج من المخيم الى سوريا، وهو ما يحصل الآن ولو بتقطّع.

والتأثير في الجسم الفلسطيني في لبنان ليس فقط «إسلامياً» أو عربياً، بل إسرائيلي، وتكفي الاشارة الى الواجهة البحرية المفتوحة لمخيّم الرشيدية، وهو ما يؤدي وفق الرغبة والرقابة الاسرائيلية الى فتحِ ابوابِ التواصل بين الشاطئ الفلسطيني والشاطئ اللبناني.

في تلك المنطقة لا تستطيع بَحرية الجيش اللبناني التحرّك بحرّية لوحدها، ذلك انّ المنطقة تُعتبر منطقة عمل مشتركة مع قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل).

وفيما يعمل الجيش اللبناني على زيادة عديده في المنطقة الجنوبية بحيث استقدمَ ألفَي عنصر اضافي ويخطط لاستقدام المزيد استباقاً لأيّ جدلٍ قد يسبق التجديد لقوات «اليونيفيل»، بدا أنّ إسرائيل وكأنّها تريد استمرار التوتّر في جنوب لبنان بما يَخدم مصلحتها.

وخلال الجدل الذي رافقَ التجديد الأخير لـ»اليونيفيل» الصيفَ الماضي ركّز مسؤولو الامم المتحدة ومِن خلفِهم المسؤولون الاميركيون على ضرورة الالتزام الكامل بالقرار 1701 وإنهاء وجود «حزب الله» العسكري بنحوٍ كامل في المنطقة التي حدّدها القرار.

الجواب اللبناني كان في المقابل أن لا وجود عسكرياً مرئياً لـ»حزب الله» في هذه المنطقة ولم تسجّل أيّ خروق للقرار، لكن لبنان سأل عن النقاط الـ 12 المختلف عليها عند الخط الازرق وعن مصير مزارع شبعا، وتابع لبنان مؤكّداً أنّ إسرائيل لا تريد عمداً إقفالَ هذا الملف.

وحمل الكلام اللبناني اتّهاماً مبَطّناً لإسرائيل بأنّها تريد إبقاء مناطق الاحتكاك موجودة على الرغم من ان لا قيمة عسكرية لها، لأنّها تريد النفاذ الى نزاع فوريّ عبر المحافظة على ذرائع لها وبالتالي فإنّ واشنطن تبدو «ساذجة» في سعيها الى اغلاق الحدود اللبنانية الجنوبية فيما اسرائيل تريد إبقاءَ مناطق الاحتكاك لرفعِ اصوات الشكوى والادّعاء بالقلق، وبالتالي ترك ابوابِ المساعدات العسكرية الاميركية مفتوحة واللعب على عواطف اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الاميركية.