كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
أبْعد من نُصْرة القضية الفلسطينية التي لطالما رَفَع «حزب الله» لواء دعمها على مختلف المستويات، السياسية والإعلامية والعسكرية، فإن الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله كرّس بإطلالته التلفزيونية (ليل الأربعاء) المَخاوف من أن هذه «الراية» تحوّلتْ، ولا سيما بعد إعلان واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمةً لاسرائيل، عنواناً جديداً لـ «محور المقاومة» الذي تقوده إيران في مرحلة «ما بعد داعش» لإكمال «معركة» كسْر التوازنات في المنطقة والتمدُّد داخل الدول العربية تثبيتاً لـ «هلال النفوذ» الذي ارتسم على «أنقاض» عدد من بلدان «الثقل» العربي وصولاً إلى لبنان، الذي يُحْكِم «حزب الله» الإمساك بإمرته الاستراتيجية ويتهيّأ لانتزاع «ختْم الشرعية» عبر الانتخابات النيابية المقبلة.
فنصر الله في مقابلته المطوّلة على قناة «الميادين» بلْور مبدأ «وحدة الميادين» و«التنسيق في مختلف الساحات من أجل دعم الانتفاضة (الثالثة) داخل فلسطين»، جاعلاً «فصائل المقاومة في إيران والعراق وسورية ولبنان، واليمن» النواة «التي تُحضر وتعمل لاحتمال الحرب الكبرى مع العدو الاسرائيلي»، ومتوعداً بأنه «إذا حصلت الحرب المقبلة، وكانت مثلاً تستهدف لبنان، فسيكون هناك الآلاف يُشاركون فيها. والسيد عبد الملك الحوثي أعلن استعداده ليكون جزءاً منها. وقد وصلت رسائل مباشرة من السيد الحوثي، أنهم جاهزون إذا وقعت الحرب لأن نُرسل قوات بعشرات الآلاف من المقاتلين حتى لو لم تتوقف الحرب السعودية – الأميركية علينا».
وإذا كان كلام نصر الله، الذي كشف أيضاً عن اجتماعات تُعقد مع فصائل المقاومة الفلسطينية «بهدف تنظيم التواصل والتنسيق والدفع لانطلاق الانتفاضة الثالثة»، يُقرأ استراتيجياً وفق أوساط سياسية على أنه في سياق «حرب النفوذ» في المنطقة وعملية «ترسيم الأحجام» التي تتمّ «بالحديد والنار» في أكثر من ساحة، فإن بُعده الداخلي لا يقلّ وطأةً إذ أن تكرار اعتبار لبنان «مقاومة لاند» للمحور الإيراني من بوابة الصراع مع اسرائيل، يثير القلق إزاء تنامي مَظاهر القفز فوق الدولة اللبنانية وقضم صلاحياتها وأدوارها.
كما أن هذا الكلام يعني عملياً، وفق الأوساط نفسها، تفريغ تَفاهُم «النأي بالنفس» عن أزمات المنطقة، الذي عاد رئيس الحكومة سعد الحريري على أساسه عن استقالته، من مضمونه، لا سيما أن العنوان الفلسطيني صار يُستخدم من المحور الإيراني بوجه دول عربية وتحديداً السعودية التي استعاد نصر الله أيضاً الهجوم عليها متّهماً إياها بالتحضير لحرب أهلية في لبنان من بوابة استقالة الحريري.
ومن هنا وبعدما كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ردّ على نصر الله معتبراً «ان التلطي وراء القضية الفلسطينية لمصادرة أكبر لصلاحيات الدولة واستباحة السيادة والأرض اللبنانية كما جرى مع زيارتي قيس الخزعلي (زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق) وأبو العباس (قائد العمليات في لواء»الإمام الباقر») أمر غير مقبول بتاتاً، لانه يضرب أسس وجود الدولة في لبنان»، حضر كلام الأمين العام لـ «حزب الله» على طاولة مجلس الوزراء في أول اجتماع يعقده في السنة الجديدة وذلك على لسان وزير «القوات» بيار بو عاصي الذي رفض «استقدام مقاتلين من اليمن ومن العراق وغيرهما وكأننا نختزل الحكومة والدولة»، مشدداً على انه «إذا حصلت مواجهة مع اسرائيل فلن يكون هناك نأي بالنفس».
وفي موازاة هذا العنوان، غابتْ عن مداولات مجلس الوزراء أزمة مرسوم منْح سنة أقدمية لضباط دورة 1994 في الجيش اللبناني الذي صدر بتوقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري ووزير الدفاع من دون وزير المال (الشيعي)، وهي الأزمة التي أخرجتْ «الجمر الى فوق الرماد» في علاقة «الكيمياء المفقودة» بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان نبيه بري وظهّرتْ في الوقت نفسه محاولةً لإيجاد عُرف جديد في النظام اللبناني اعتُبر من أطراف سياسية عدة محاولة للالتفاف على «اتفاق الطائف» باتجاه تكريس وزارة المال للطائفة الشيعية وفرْض التوقيع الشيعي بوصْفه «ميثاقياً» على كل المراسيم وفي السلطة التنفيذية.
وبدا واضحاً أن غياب هذه الأزمة عن مجلس الوزراء جاء في إطار ترْك فرصة للمساعي الشائكة لإيجاد مَخرج لها انطلاقاً مما أعلنه نصر الله عن «اننا نسعى اليوم لايجاد حلّ لهذه المشكلة بين صديقيْنا وحليفيْنا»، وبما أعطى إشارة واضحة إلى قرارٍ بفصل مسار هذه الأزمة عن عمل الحكومة وفق ما عبّر عنه الحريري بكلامه عن «أن أول جلسة في العام الجديد هي رسالة واضحة بأن التضامن الحكومي باقٍ ومستمر وأن أي خلاف يهون أمام مصلحة البلد وحماية الاستقرار».
وفي مقابل احتجاب «أزمة المرسوم» عن الجلسة الحكومية، خيّم «ملف الحريات» ولا سيما الإعلامية عليها، هي التي انعقدت بالتوازي مع جلسة استماع قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور للإعلامي الأشهر في لبنان مارسيل غانم بعد الادعاء عليه بجنحٍ مشدّدة، منها «التحقير وعرقلة التحقيق»، على خلفية حلقة هاجم فيها ضيفٌ سعودي مسؤولين كباراً في الدولة، وهي الملاحقة التي تحوّلت كرة ثلج سياسية – إعلامية من تحرّكاتٍ كان أبرزها أمس أمام قصر العدل في بعبدا، حيث تَقاطَر إعلاميون وسياسيون من مختلف الاتجاهات دعماً لغانم ورفضاً لما اعتبروه «مناخ قمع حريات وصولاً الى صفْر معارضة»، محذرين من ارتباط هذا الأمر باستحقاقات مقبلة بينها الانتخابات النيابية وغيرها.
وفيما أرجئت جلسة التحقيق مع غانم إلى 2 شباط المقبل للبتّ بالدفوع الشكلية التي قدّمها وكيل الدفاع عنه النائب بطرس حرب، حاول الرئيس عون احتواء المناخ المعترض الذي يبدو برسْم عهْده وفريقه، فأكد أمام مجلس الوزراء «ان لا أحد يستهدف أحداً ولا سيما المؤسسات الإعلامية، وكل ما في الأمر أن القضاء تحرك للتحقيق في قضية معينة، ولا يتعدى الأمر ذلك، وعلينا أن نحترم القضاء الذي في إمكانه أن يستجوب أياً كان كشاهد. أنا حريص على موضوع الحريات بقدر حرصي على تطبيق القانون».
وكان يوم أمس شهد أيضاً إصدار قاضي التحقيق الاول في بيروت غسان عويدات مذكرة توقيف غيابية في حق الاعلامية ماريا معلوف في الدعوى المقامة ضدها من المحامي أشرف الموسوي ومجموعة من المحامين على خلفية تعرضها بالقدح والذم والتحريض على السيد حسن نصرالله وتحديداً في تغريداتٍ سابقة اعتُبرت دعوة لاسرائيل لاغتيال الامين العام لـ «حزب الله».