كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
يصعب على أيّ كان أن يحسم من اليوم شكل التحالفات الإنتخابية المتوقعة ومضمونها. فما هو مضمون محصور بموعد الإنتخابات، وأنّ القانون الجديد رغم عوراته لن يُمَسّ، وما عدا ذلك ما زال ضرباً من التكهّنات، ومرد ذلك الى أنّ حركة المفاوضات ما زالت قائمة في السرّ والعلن. وعليه ما الذي يعيق الكشف عن هذه التحالفات من اليوم؟
على مسافة أربعة أشهر من موعد فتح صناديق الإقتراع في الإنتخابات النيابية في 6 أيار المقبل، يؤكّد الخبراء الذين يواكبون حركة الماكينات الإنتخابية والطواقم الإدارية والتقنية التي تستعدّ لإدارتها، أنه من السابق لأوانه الحديث عن التحالفات الإنتخابية.
ففي المعلومات المتداوَلة على هذا المستوى أنّ السباق ما زال قائماً بين الماكينات الكبرى، وهو محصور بالسعي الى تركيب البرامج الإلكترونية لمحاكاة القانون الجديد وكيفية مقاربة التعقيدات التي نصّ عليها في مختلف المراحل باعتباره تجربة تُخاض للمرة الأولى.
فما توصّل إليه الطباخون من آليات لإدارة العملية الإنتخابية يُعتبر بشهادة العديد منهم «فتحاً» لبنانياً. فليس في العالم أجمع نظام انتخابي من هذا النوع بعدما نجحوا في تركيبه بمختلف المراحل التي تحدث عنها بما يترجم «الفسيفساء» السياسية والمذهبية التي تُميّز المجلس النيابي سواءٌ على مستوى الدوائر والتوزيع الطائفي والمذهبي للمقاعد أو الظروف التي أدّت الى تركيب الدوائر الجديدة رغم ما عزّزته من فقدان المساواة بين المرشحين وشكل الدوائر وأحجامها على أكثر من صعيد.
فعدا عن مراعاة موازين القوى التي تشكّلت في بداية العهد الجديد والتي تُرجمت في تركيبة الحكومة بكامل مكوّناتها السياسية والحزبية، حرص واضعو القانون الجديد على حماية الخصوصيات الطائفية والقيادية والحزبية.
وهو ما أدّى الى قانون «مركب» يمزج بين «النظام النسبي» الذي كان يطمح اليه البعض والإحتفاظ بـ«النظام الأكثري» كما كان يفضله البعض الآخر، وسعي فريق ثالث الى ما قال به القانون «الأرثوذكسي».
وهو ما ولد في النتيجة «خلطة عجائبية» كرّست في المراحل التي قال بها القانون بدءاً بـ«الحاصل الإنتخابي» المطلوب على مستوى «الدائرة الكبرى» وصولاً الى «الصوت التفضيلي» الذي اعتمد على أساس الدائرة الصغرى، وما بينهما كيفية تركيب اللوائح الإنتخابية المقبولة وعدد أعضائها بالحدَّين الأدنى والأقصى، عدا عن الشروط الإدارية والمستندات الشخصية المطلوبة من المرشحين إفرادياً ومن اللائحة كمكوّن اشمل ليسمح لها بخوض السباق الإنتخابي.
وعلى هذه الخلفيات، أنجزت بعض الماكينات الإنتخابية برامجها التقنية والإلكترونية التي تُحاكي القانون بمختلف المراحل الدستورية التي نصّ عليها، خصوصاً تلك التي تحدّثت عن كيفية احتساب «الحاصل الإنتخابي» و«الصوت التفضيلي» وتوزيع المقاعد على اللوائح المتنافسة.
مضافة الى مهل الترشيحات بشقّيها، تاريخ التقدّم بها وتاريخ سحبها، بالإضافة الى كيفية تركيب اللوائح وعدد أعضائها بالحدّين الأدنى والأقصى، وصولاً الى طبعها ونشرها من قبل وزارة الداخلية مسبقاً لتعميمها على المراكز الإنتخابية عند فتح صناديق الإقتراع.
وفي هذه الأجواء، أقرَّ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة مبلغ 50 مليار ليرة لبنانية خصَّصها للترتيبات الإدارية المطلوبة للعملية الإنتخابية، وهي خطوة لا بدّ منها بعدما انطلقت أعمال «هيئة الإشراف على الإنتخابات» بكامل المواصفات القانونية والدستورية والإدارية، ما يعني أنّ ما تبقّى من التحضيرات للإنتخابات بات محصوراً بالتحضيرات الخاصة بتركيب اللوائح وتلك المتصلة بالترشيحات والمعاملات الإدارية.
ويعترف الخبراء والمراقبون السياسيون أنّ الحديث المتداوَل حتى اليوم حول التحالفات الإنتخابية التي ستقود الى تشكيل اللوائح المتنافسة يجب تجاوزه إلى حدّ نسيان البعض منه. فالحديث عن حلف رباعي أو خماسي ليس دقيقاً ومن المبكر الدخول فيه لأسباب عدة ابرزها يعود الى ما يقول به القانون الجديد من إجراءات وشكل الدوائر الإنتخابية المختلفة عن بعضها البعض في الشكل والحجم ما يؤدّي الى قراءات مختلفة حول التحالفات المحتملة.
وعند الإشارة الى بعض الأمثلة يمكن التوقف عند تجربة تيار «المستقبل».
فرغم تجاوز رئيسه الحديث عن «السلاح غير الشرعي» وسحبه من التداول في هذه المعركة الإنتخابية وحصر الصراع فيها بين مَن يريد بناء الإقتصاد وتعزيز الإستقرار من جهة والساعين الى تشويه صورة الحكومة، لا يمكنه التحالف مع «حزب الله» مباشرة في أكثر من دائرة مشتركة بينهما لألف سبب وسبب.
كما أنّ حواره مع «التيار الوطني الحر» على أنقاض تفاهماته السابقة مع «القوات اللبنانية» سيفرض عليه خوض المعركة إستنسابياً بحيث سيكون حليفاً لـ«التيار البرتقالي» في هذه الدائرة ومنافساً له في أخرى، وهو أمر لم تكتمل التحضيرات بشأنه.
وباستثناء الحالة الشيعية المحسومة لوائحها بالتنسيق بين الثنائي «أمل» و«حزب الله» المتحكّم بالدوائر المشتركة بينهما، فإنّ التجربة التي تخوضها «القوات اللبنانية» أو حزب الكتائب تتلاقى وتجارب الأحزاب والتيارات الأخرى، فهما أمام استحقاق الحوار بينهما ومع الحلفاء والأطراف الأخرى، ومن السابق لأوانه الحديث عن نجاح هذه الإتصالات.
فهناك عوائق كثيرة تحول دون تحالفهما حتى اليوم ويمكن اختصارها باستحالة التعاون بين الموالين للحكومة والمعارضين. هذا عدا عن الخلافات التي لا يمكن الإشارة الى تفاصيلها عندما يتصل الأمر بالتحالف مع هذا البيت السياسي أو ذاك أو هذه الشخصية وتلك.
وبناءً على ما تقدّم، بات واضحاً أنه لا يمكن الجزم من اليوم بالحديث عن هذا الحلف الإنتخابي أو ذاك، قبل أن تتبلورَ نتائج الإتّصالات الناشطة على أكثر من مستوى.
وهو أمر يدفع الى الاعتقاد بأنّ التحالفات لن تُبنى قبل اقتراب موعد إقفال باب الترشيحات كموعد حاسم ونهائي لتبيان أشكال التحالفات، تمهيداً للمواجهات الإنتخابية في الدوائر المختلفة وهو ما يشكّل رسالة واضحة ومختصَرة الى مَن يستعجل التحالفات والبناء عليها من الآن، ومفادها في القول المأثور: «طالب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه».