كتب وسام أبو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:
رغم أن المعركة في مواجهة المملكة العربية السعودية وحّدتْهما تحت شعار «استرداد» رئيس الحكومة سعد الحريري وحماية الاستقرار والكرامة الوطنية، فإن المواجهة بـ «السلاح الأبيض» بين رئيسيْ الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري اشتعلتْ من جديد بعد «صعودٍ وهبوطٍ» ميّز العلاقة بين الرجليْن اللذين يُمْسِك بهما «حزب الله»، عون بيدٍ وبري بيدٍ، في إطار تَحالُفٍ يديره الحزب بعنايةٍ وحنْكة وبـ «شقّ الأنفس».
ودٌّ ملغوم، كيمياءٌ مفقودة، خصومةٌ قديمة، نَكَدٌ متبادَل وكيديةٌ، أوصافٌ استحقّتْها العلاقة المتعرّجة بين عون، «الجنرال» الذي قاتَل طويلاً من أجل العودة إلى القصر بعدما أُخرِج منه عنوةً قبل نحو ثلاثة عقود، وبري «الأستاذ» المُمْسِك بدهاءٍ وبراعةٍ بمطرقة البرلمان وبعصا المايسترو السياسي منذ أكثر من ربع قرن… وها هما الآن يتباريان في لعبةِ «عضّ أصابع» رأسُ جَبَلها اسمه «مرسوم الأقدميّة».
ثمة ما يشبه «الصندوق الأسود» للعلاقة، المزروعة بالأشواك والشكوك، بين الرئيسيْن اللذين يَجْمع بينهما «حزب الله» في إطار «أجنداتٍ مختلفة» ويكاد أن يفرّقهما أيّ شيء آخر. ولم يكن أدلّ على ذلك من المعارضة الشرسة التي خاضها بري ضدّ وصول عون إلى الرئاسة، وهي التي ربما أمْلتْ عَقْد صفقةِ انتخاب الجنرال من خلْف ظهر «الأستاذ» عبر تَفاهُمٍ ضمني ضمّ الحريري و«حزب الله».
بعدما عارَضَ «حزب الله» مبادرةَ الحريري بترشيح زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية للرئاسة كخيارٍ جدّي حينها وبمباركةٍ فرنسية – سعودية لكسْر مأزق الفراغ الرئاسي، بَعَثَ بري وعبر «الحمام الزاجل» برسالةٍ الى الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله لم تَخْلُ من «استياءٍ مكتوم» وفحواها…. حسناً بلا فرنجية، ولكن أياً كان إلا عون. وهو الموقف الذي لم يَحِدْ عنه بري حتى في جلسة التلاعب بأعصاب «الجنرال» يوم انتخابه في 31 أكتوبر 2016.
و«حزب الله» الذي يُدَوْزِن وعلى نحو مُضْنٍ علاقته بحليفيْه وعلاقتهما، كان يحرص دائماً على بذْل كل ما يستطيع للحفاظ على عون من دون التفريط بـ «خيْمة» الثنائية مع بري التي تحمي وحدة الطائفة الشيعية. ورغم الجروح التي تَرَكها التفاهم الذي تُوِّج بانتخاب عون والذي بَرَزَ معه بري وكأنه «الزوج المخدوع»، فإن نصر الله الذي استقبل «الجنرال» عشية انتخابه للقول له «وعَدْنا ووَفيْنا»، حرص على الإيحاء له بأننا في الملفات الداخلية سنكون خلف بري والتمني عليه التعاون مع «الأخ الكبير الأستاذ نبيه بري».
ولم تكن العلاقة بين طرفيْ معادلة «الودّ المفقود» على ما يرام في العام الأول من عهد عون الذي بدأ بـ «كرّ وفرّ» كثيرٍ حول تشكيل الحكومة التي نجح بري في انتزاع ما أراد حين أُسندتْ وزارة الأشغال لتيار حليفه فرنجية، لتستمرّ بعدها العلاقة «على القطعة»، خصوصاً أن رئيس البرلمان ألغى «زيارة الأربعاء» السياسية – البروتوكولية للقصر التي كان يقوم بها أسبوعياً إبان العهود السابقة.
وشكّلتْ حال «الوئام» بين الرئاستيْن الأولى والثانية إبان ما عُرف بأزمة استقالة الحريري، استثناءً بين حاليْن طَبَعا المسار بين عون وبري، إما حال حربٍ سياسية علنية أو مكتومة وإما «لا سلْم ولا حرب»، قبل أن يتحوّل الصراع على مرسومٍ وقّعه رئيسا الجمهورية والحكومة ووزير الدفاع، ويتعلّق بمنْح سنة أقدمية لضباط دورة الـ 1994 في الجيش، ميْداناً لمواجهةٍ استُحضر فيها الدستور والميثاق والقضاء و«الطائف» وسواهم.
مرسوم الأقدمية، أو حكاية «إبريق الزيت» في بيروت، يكاد أن يطغى على كل شيء وينافس «القضايا الكبرى» ووهْجها، من احتجاجات العشرة أيام في إيران الى «النار والغضب» في البيت الأبيض، ومن ملامح «الجيش الاقليمي» الذي لوّح «حزب الله» باستقدامه لمواجهة اسرائيل الى الكلام عن اتجاهٍ لتطبيع العلاقة اللبنانية – الخليجية وما شابَهَ، فما سرّ هذا المرسوم؟
رئيس الجمهورية لا يرى مبرراً لتوقيع وزير المال على المرسوم، ويدعو للاحتكام الى الدستور والقانون والقضاء لإنهاء ذيول الأزمة التي قال إنها تنطوي على ما هو سياسيّ.
رئيس البرلمان يَشْترط وجودَ التوقيع الثالث (الشيعي) لوزير المال إلى جانب توقيعيْ رئيس الجمهورية (المسيحي) ورئيس الحكومة (السني)، تكريساً للشراكة، ويدعو للاحتكام الى «الطائف».
مَن يؤيّد موقف عون يرى في إصرار بري محاولةً لتكريس «المثالثة» والعودة الى حكم «الترويكا»، أما مَن يدافع عن موقف بري فإنه يجد في تَجاهُل «التوقيع الشيعي» محاولةً للانقلاب على «الطائف».
والمأزق هو أن الرئيسيْن في تصعيدهما جعلا المعركة وكأنها عملية «ليّ أذرع»، الأمر الذي ضاعَفَ المَصاعب على الوسطاء، كالحريري و«حزب الله» اللذين أعلنا عزْمهما على التدخل ولكن من دون طائل حتى الآن.