كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”:
تصرّ المصارف على اعفائها من تسديد الضريبة على ربح الفوائد، وتطالب بحصر المكلفين بها بزبائنها فقط. الحجّة المستخدمة في رفع هذا المطلب ان شمول المصارف بالتكليف، بحسب ما نص عليه القرار رقم 1504 الصادر عن وزير المال علي حسن خليل، سيؤدي الى اقتطاع نحو 480 مليون دولار من ارباحها في هذا العام، وهو ما ترفضه رفضاً قاطعاً.
المعروف ان المصارف تخوض المعركة ضد شمولها بالضريبة على ربح الفوائد منذ سنوات عدّة، وهي نجحت في تعطيل اقرار قانوني سلسلة الرتب والرواتب والتعديلات الضريبية لفترة طويلة، الا انها خسرت في النهاية بصدور هذين القانونين في العام الماضي والمباشرة بتطبيقهما خلافاً لارادتها، فانتقلت الى الرهان على تسوية من خارج القانون تؤدي الى اعفائها مجدداً، على غرار ما جرى بعد اقرار هذه الضريبة للمرة الاولى عام 2003، اذ اصدر وزير المال (انذاك) فؤاد السنيورة قرارين تطبيقيين مخالفين للقانون، قضى الاول باعفاء المصارف من موجب تسديد الضريبة على ارباح توظيفاتها بالليرة لدى مصرف لبنان (ودائع وشهادات ايداع) وعلى ارباحها من فوائد الانتربنك، وقضى الثاني بتحميل الخزينة العامة كلفة الضريبة على ارباح الفوائد على سندات الدين بالعملات الاجنبية (يوروبوندز)… بمعنى ما، قضى القراران باعفاء المصارف من اي عبء ضريبي على ارباحها من الفوائد وحصر هذا العبء بالمودعين لديها.
في 28 كانون الاول الماضي، اسقط وزير المال علي حسن خليل هذا الرهان، واصدر قرارا تطبيقيا يلتزم بنص القانون الصادر عن مجلس النواب، وبالتالي يفرض على المصارف، كما زبائنها، تسديد الضريبة على ربح الفوائد، التي رُفعت من 5% الى 7%، فأطلقت موجة جديدة من الضغوط لفرض تعديل هذا القرار والعودة الى مضمون قراري السنيورة، وزعمت ان تطبيق القرار الجديد سيرفع العبء الضريبي عليها الى 43%.
بحسب مصادر مطلعة، فإن وزير المال كان قريباً من الاستجابة للضغوط وإصدار قرار جديد يعدّل القرار 1504، لا بل إن جمعية المصارف تلقت رسالة واضحة من «صديق مشترك» مفادها: «لازم يحكوني». كذلك تحرّكت الجمعية باتجاه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وعقدت معه اجتماعا الاسبوع الماضي، وعرضت عليه دراستها التي تفيد أن ثلاثة مصارف ستبلغ نسبة الضريبة عليها 70%، وأن هناك عدداً محدوداً جداً من المصارف لن يتخطى معدل الضريبة لديها الـ30%، فيما غالبية المصارف سيرتفع معدل الضريبة لديها فوق مستوى 30%.
تقول مصادر الجمعية ان سلامة لم يكن متجاوبا، بل اتخذ موقف الحياد السلبي، اذ شرح أن «قرار وزير المال رقم 1504 يلتزم القانون 64»، وبالتالي فان المعركة يجب ان تجري لتعديل القانون نفسه وليس تعديل قرار الوزير.
طبعاً، موقف سلامة جاء بناء على معطيات مالية ــ سياسية تتعلق بعجز الخزينة وزيادة الإنفاق وضعف التحصيل، فيما هناك عجز في ميزان المدفوعات يركّب على مصرف لبنان أعباء كبيرة للاحتفاظ بالعملات الأجنبية… أي أن موقف سلامة مبني على مؤشرات متصلة مباشرة بقدرة وفاعلية النظام المالي التي باتت في مدى ضعيف ومحدود، فيما قد تشكّل هذه الضريبة فرصة كبيرة لتمويل الخزينة.
هذه الفرصة، بحسب متابعين، لا تنحصر فقط بزيادة الايرادات العامّة بل بزيادة التسليف للاقتصاد كونه غير خاضع لهذه الضريبة. اذ ان ما تدعيه المصارف عن ارتفاع العبء الضريبي عليها يتعلّق بحجم توظيفاتها في الادوات السيادية (سندات الخزينة واليوروبوندز وشهادات الايداع والودائع لدى مصرف لبنان). فكلما ارتفعت حصة هذه التوظيفات بالمقارنة مع توظيفاتها في الاقتصاد سيرتفع العبء الضريبي، والعكس صحيح.
تقول مصادر متابعة إن المصارف باتت مجبرة على تغيير استراتيجياتها وتغيير نماذج عملها لتتلاءم أكثر مع الواقع الاقتصادي. ففي الواقع، تفضّل المصارف أن تتحمّل مخاطر الدولة اللبنانية على أن تتحمّل مخاطر التسليف للاقتصاد، إذ تظهر إحصاءات جمعية المصارف أنه في تشرين الأول 2017 كان لدى المصارف 151781 مليار ليرة ودائع لدى مصرف لبنان، وأن لديها مطلوبات على القطاع العام بقيمة 50280 مليار ليرة في مقابل مطلوبات على القطاع الخاص بقيمة 80209 مليارات ليرة. نسبة ما تسلّفه المصارف في الاقتصاد لا يتعدّى 30% من ودائعها، أما نسبة ما تضعه لدى مصرف لبنان فيفوق 56% من الودائع، ونسبة مطلوبات القطاع العام إلى الودائع تبلغ 18.8%!
هذه الأرقام تدلّ الى أن المصارف لديها ميل واضح كي لا تقوم بعملها الأساسي القائم على «تحويل الادخار إلى استثمار» بل تريد الاستمرار بما اعتادت على القيام به خلال العقود الماضية، اي جني الارباح الطائلة من الزواج مع الدولة.
خلط مقصود لانواع الحسابات
تطالب جمعية المصارف بعدم إخضاع حسابات الانتربنك لضريبة الفوائد بحجّة أن عمل المصارف وجهوزيتها وسيولتها مرتبطة بهذه الحسابات التي لا يجب أن تخضع للضريبة. ويشاطرها في هذا الموقف الكثير من الخبراء والمطلعين الذي يرون أنه لا يجوز إخضاع هذا النوع من الحسابات للضريبة، لكن بعد التدقيق يتبيّن أن الموافقة المطلقة على هذا الأمر توقع في فخّ نصبته الجمعية التي تصنّف بند «ودائع المصارف لدى مصرف لبنان» من ضمن حسابات الانتربنك حتى تتمكن من تهريب هذه التوظيفات وعدم إخضاعها لضريبة الفوائد.