كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية:
أقصى وأفضل ما يمكن أن يحصل في «أزمة مرسوم ضباط دورة 94» هو تحييدها عن الوضع الحكومي والحؤول دون أن تلحق ضررا باستقرار الحكومة وإنتاجيتها.
وهذا ما هو حاصل بالفعل وتأكد أمس مع النجاح في تحييد ملف الكهرباء عن الأزمة، وتوصل وزيرا المال والطاقة، بري وعون، الى تسوية لأزمة موظفي الكهرباء تنهي الإضراب وتعيد التيار الكهربائي، لكنها بالتأكيد لا تعيد الحرارة الى خط بعبدا – عين التينة المقفل حتى إشعار آخر مع استمرار المعركة المفتوحة التي تستخدم فيها كل «الأسلحة» السياسية، بما فيها «سلاح البيانات».
الرئيس ميشال عون أصدر عبر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بيانا أكد فيه موقفه الداعي «المعترضين على صدور المرسوم» الى مراجعة الجهات القضائية المختصة، متعهدا قبوله سلفا نتيجة القرار القضائي، وهذا يعني أن الرئيس عون يعتبر أن المسألة مسألة مرسوم صادر عن السلطة التنفيذية، وأن القضاء هو الجهة الصالحة للنظر فيه، وأن الجهة القضائية المختصة هي مجلس شورى الدولة، وبالتالي، فإن رئيس الجمهورية الواثق من قانونية هذا المرسوم والمستعد لتقبل حكم القضاء يرى أن الأزمة ذات بعد إداري ولا يرى أن الحل لهذه المشكلة يكون بطرق وتسوية سياسية وإنما عبر مراجعة قضائية، وأن الموضوع ينتهي عند هذا الحد.
الرئيس بري رد سريعا عبر مكتبه الإعلامي في بيان جاء فيه: «الذي حصل ليس مجرد إشكالية قانونية في مرسوم يطعن به أمام مجلس الشورى، وإنما مخالفة صارخة لقاعدة دستورية تسمى «مداورة الأصول» بالالتفاف على اختصاص سلطة دستورية ومواد في منتهى الصراحة والوضوح في الدستور ليس أقلها المادتان 54 و56.
وإذا كان الأمر يتعلق بتفسير ما فإنما الاختصاص فيه يعود الى المجلس النيابي دون سواه، والذي تمت المداورة في الأصول أصلا على اختصاصه وبعد وضع يده على الموضوع وقول كلمته فيه.
وأخيرا إحدى الفضائل كما تعلم رئاسة الجمهورية المكرمة هي تصحيح الخطأ إذا لم يكن في الإمكان العودة عنه».
أي أن الرئيس بري يدعو الى الاحتكام الى مجلس النواب لأن الأزمة «دستورية» وترتبط بصلاحيات دستورية ونشأت بالنسبة إليه من إخلال تطبيق مادة دستورية هي المادة 54.
المسألة بالنسبة للرئيس بري ليست مسألة مرسوم إداري يرتب أو لا يرتب أعباء مالية، يحتاج أو لا يحتاج الى توقيع وزير المال، وإنما هي مسألة تنازع صلاحيات دستورية و«رئاسية» وشراكة في السلطة الإجرائية بعدما وضعها دستور الطائف في مجلس الوزراء مجتمعا، وهذا تعبير جديد يطلقه بري الذي سبق له أن أدخل الى القاموس السياسي الدستوري مفاهيم وعبارات جديدة مثل «الميثاقية» والإخلال بها (عندما استمرت حكومة السنيورة عام 2006 رغم انسحاب الوزراء الشيعة منها، وعندما طلب التمديد للمجلس النيابي بعدما أبلغه الحريري في العام 2013 أنه سيقاطع الانتخابات، ما يؤدي الى أن تصبح الانتخابات مع مقاطعة الفريق السني الأساسي غير ميثاقية).
وما قصده بعدم احترام «المداورة في الأصول» أن الرئيس عون تجاوز صلاحيات المجلس النيابي ومارس التفافا عليه، ذلك أن مشروع القانون الذي صدر بمرسوم مازال موجودا لدى اللجان النيابية المشتركة في المجلس لدراسته.
والمرسوم صدر من دون توقيع وزير المال لتمريره وتفادي اصطدامه بالموقف الرافض لرئيس المجلس.
إذا كان الرئيس بري يفتح نافذة للحل بدعوته رئيس الجمهورية الى تصحيح الخطأ عبر إضافة توقيع وزير المال على المرسوم من دون العودة عن المرسوم وبالتالي تنفيذه، فإن الرئيس عون لا يتقبل مثل هذا المخرج على طريقة «أكل العنب وليس قتل الناطور».
وعلم من مصادر مطلعة أن رئيس الجمهورية رفض ثلاثة مخارج مقترحة من:
٭ الرئيس نبيه بري الذي اقترح توقيع وزير المال على المرسوم فيصبح نافذا وتنتهي المشكلة.
الرئيس ميشال عون يرفض أن يضاف توقيع أحد على المرسوم بعد توقيع رئيس الجمهورية.
٭ حزب الله الذي اقترح تمرير المرسوم ليصبح نافذا ومن دون توقيع وزير المال، ولكن مع وعد أن تكون كل المراسيم مستقبلا مذيلة بتوقيع وزير المال.
٭ الرئيس سعد الحريري الذي اقترح تشكيل لجنة قانونية للنظر في أزمة المرسوم والبت به.
لكن الرئيس سعد الحريري في نظر الرئيس نبيه بري ليس في موقع المؤهل للقيام بدور وساطة لأنه طرف في الأزمة، وتوقيعه على المرسوم شكل عاملا حاسما في ترجيح كفة المواجهة لمصلحة رئيس الجمهورية.
وفي الواقع، فإن بري مستاء وغاضب من الحريري الى درجة أنه قطع اتصالاته معه ولا يحدد له موعدا لزيارته، وهذا الموقف المتشدد يعود الى سببين أساسيين:
٭ الأول: أن الحريري لم يف بوعد قطعه لبري أنه لن يوقع على مرسوم كهذا وهو يعرف أن هذا الموضوع هو قيد الدراسة في اللجان النيابية.
٭ الثاني: أن الحريري لم يبادله بالمثل بعد كل الذي فعله معه بإخراجه من مأزق الاستقالة وترتيب مخرج النأي بالنفس.
السؤال المطروح: هل الحريري وقع في خطأ تصرف عندما وقع المرسوم وكان يفترض منه أن يراعي موقف بري ويأخذه في الاعتبار، وأن يحاول لفت رئيس الجمهورية وإقناعه بأن عدم توقيع وزير المال سيتسبب بمشكلة، وبأن من الأفضل التشاور في الأمر مع رئيس المجلس؟! أم أن الحريري وقع في خطأ تقدير عندما لم يتحسب لردة فعل بري وأنها ستكون قوية وعنيفة، أو عندما اعتقد أن مسايرته للرئيس عون نزولا عند رغبته وإلحاحه وردا على وقفته معه ستلقى تفهما من حزب الله الذي سيتدخل لدى بري ويستوعب رد فعله؟!
الحسيني يؤيد وجهة نظر بري
لوحظ تأييد الرئيس حسين الحسيني وجهة نظر خلفه الرئيس نبيه بري رغم البعد السياسي بينهما.
ويرى الحسيني أن بيان القصر الجمهوري لم يكن موفقا لأنه يقول بالشكوى أمام القضاء، وإذا كان لا يرى ضرورة بنشر المرسوم فكيف يتم اللجوء الى القضاء؟ ووفق أي وثيقة إذا لم ينشر المرسوم في الجريدة الرسمية؟ ويجزم الرئيس الحسيني بأن «الحل يبدأ من نشر المرسوم في الجريدة الرسمية، عملا بالقانون 464 الصادر في العام 1997، ولا بحث آخر قبل نشره، لا أمام القضاء ولا أمام مجلس النواب»، ويجزم بـ «وجوب توقيع وزير المال مرسوم منح الأقدميات لأنه ينطوي على أعباء مالية، ولأن الأقدمية تؤدي الى ترقية، وهي في صلب الترقية، وإلا فلماذا تمنح الأقدمية إذا لم يكن من أجل الاستفادة؟ هل هي لمجرد الفن للفن؟».