كتبت مرلين وهبة في صحيفة “الجمهورية”:
مرحلة تبريد قواتية تُخيّم على علاقتها السياسية مع حلفاء الأمس القريب، ولا سيما مع «التيار الأزرق» بعد اتصال المعايدة الذي أجراه الرئيس سعد الحريري بالدكتور سمير جعجع، وانسحبت أجواء التبريد تلك تلقائياً على علاقة «القوات» مع «التيار البرتقالي» بعد تبدّل المشهد السياسي واتجاه البوصلة نحو عين التينة ليتوقّف الحديث الاعلامي الضاغط عن كباش التيارين مع معراب، على أن يكون لهذا الحديث صلة لاحقاً، خصوصاً أنّ العدة والاستعدادات للانتخابات برزت فجأة الى الضوء، وبقوة.
«القوات اللبنانية» آثرت تبريد تلك الأجواء برأي المقرّبين من معراب، ولا سيما بعد الأزمة العونية المستجدة مع عين التينة، وارتأت التريّث بغية إبعاد الازمة عن معراب مفضّلة تسليط الضوء على خياراتها الإنتخابية باستكمال الإعلان عن مرشّحيها في بقية المناطق بعدما كان آخرها قضاء عاليه.
لكنّ مقربين من قاعدة «القوات» لا ينفكون يُحلّلون مسبّبات الازمة الأخيرة الضاغطة التي حلّت بحزب «القوات اللبنانية» بعد تخلّي اثنين من أهم حلفائه عنه على الرغم من دور «القوات» ومساهمتها الى حدٍّ كبير في تعزيز حجم التيّارين الأزرق والبرتقالي، ليطرح بعضهم السؤال الآتي: «على من تعتب «القوات» أكثر بين التيّارين؟ الأزرق أو البرتقالي؟
مصادر قواتية قيادية، أوضحت لـ«الجمهورية» أنّ عتبها ليس على فريق أكثر من الآخر بل على الاثنين معاً.
عتب على “المستقبل”
1 – لأنّ العلاقة بين «القوات اللبنانية» و»المستقبل» مرّت في مراحل مدّ وجزر عدة والقانون الارثوذكسي أبلغ دليل على الأمر، وترشيح العماد ميشال عون في وجه النائب سليمان فرنجية أيضاً دليل آخر، وبالتالي ما يحصل في العلاقة هو ما يحصل في غالبية العلاقات بين قوتين سياسيّتين، وبالتالي تعتبر المصادر أنّ كل ذلك أمر طبيعيّ، أما خروجه عن السياق الطبيعي فهو أنه كان من المفترض على تيار «المستقبل» ومنذ بداية أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري وعندما بدأ الكلام عن غدر «القوات»، أن يَضع حداً له، الأمر الذي لم يفعله «المستقبل» وأدّى الى تفاقم المشكلة التي تمادت حتى اللحظة التي قام الحريري فيها بمبادرتين: الأولى عندما أعلن بوضوح أمام الإعلام أنّ العلاقة مع «القوات» هي علاقة جيدة، والخطوة الثانية من خلال اتصال الحريري بجعجع للمعايدة.
وفي موازاة ذلك، تمّ تفعيل قنوات الحوار مجدداً بين «القوات» و»المستقبل» وانتقلت من مرحلة تبريد الأجواء السياسية وتوسّعت في اتجاه الكلام عن ملفات سياسية تتعلق بالعلاقة بين الطرفين، الامر الذي يعتبر تطوّراً ويُمهّد لإعادة تسوية الأمور، لأنّ المقاربة لم تعد تقتصر بين الطرفين على تهدئة مناخات إعلامية انما امتدت للكلام عن العناوين السياسية التي شكلت محطات خلافية منذ التسوية الرئاسية، ومن ثم التسوية الحكومية، وصولاً الى هذه اللحظة، وهذا الامر مؤشّر إلى أنّ العلاقة دخلت مرحلة جديدة تتجه إلى تسوية الأمور بين الطرفين الحليفين. إلّا أنّ المصادر نفسها لا تُخفي أنّ الامور ستأخذ وقتاً ولا يمكن حرق المراحل، فلا أحد من الطرفين يبدو مستعجلاً.
… وعلى «التيار البرتقالي»
وفي الموازاة، شهدت علاقة «القوات» و«التيار الوطني الحر» تراجعاً في محطات عدة، أوّلها وأهمّها وفق المصادر نفسها أنّ «التيار» لم يتفهّم مقاربة «القوات» إنّما اعتبر منذ اللحظة الأولى أنّ أيّ مقاربة قواتية يجب أن تكون متطابقة مع المقاربة العونية، وهذا الأمر غير دقيق لأنّ لكل طرف مقاربة معينة، والمقاربة القواتية اعتبرت باستمرار أنها ثابتة على البديهيات المتعلقة بالدستور والقوانين والمؤسسات الرقابية التي توليها «القوات» المساحة الاكبر، مع العلم أنّ أبرز شعارات «التيار الوطني الحر» كانت تُولي المساحة الاكبر الى الدولة والمؤسسات الشرعية… فيما المقاربة العونية اليوم يهمّها تسريع الملفات وحرق المراحل، الأمر الذي يتعارض مع الممارسة القواتية، ما فرض على العلاقة الخلاف والتناقض في ملفات حكومية عدة، أي أنّ المشكلة مع «التيار» هي من طبيعة حكومية بدأت بملف الكهرباء تحديداً وبملفات جزئية أخرى، آخرها صندوق التعويضات.
في السياق، يشير قريبون من معراب الى أنّ الانطلاقة القواتية – العونية منذ لحظة انتخاب الرئيس عون كانت انطلاقة صاروخية وصولاً الى قانون الانتخاب.
والمشكلة بدأت بطريقة إدارة ملفات حكومية وتفاقمت تدريجاً بعد دخول الوزير جبران باسيل على خط الأزمة القواتية – الحريرية من خلال اتهام «القوات» بأنّها أساءت الى التسوية والعهد، الأمر الذي ادى الى الاشتباك.
في الوقت الذي أوصلت «القوات» رسالة الى باسيل مفادها أنه لا يمكنها السكوت على افتراءات ضدها، وأنّ ممارستها السياسية لطالما كانت تصبّ لمصلحة العهد والحكومة.
من جهة أخرى، بقيَت علاقة «القوات» مع «المستقبل» محكومة بسقف التحالف الاستراتيجي، ومع «التيار الوطني الحر» محكومة بسقف تفاهم معراب، ولم يبدُ الأطراف الثلاثة في وارد الرجوع عن هذه المصالحة أو التفاهم.
في المشهد العام لا يمكن القول إنّ العلاقة عادت الى ما كانت عليه سابقاً، إذ إنّ هذا الضرر ليس حديثاً بحسب المراقبين والمقرّبين، بل عمره من عمر الأزمة الرئاسية ومَردّه الى تراكمات أدّت الى ما أدّت اليه، وكذلك لا يصح القول إنّ علاقة «القوات» و»التيار الوطني الحر» لم تتغيَّر وما زالت كما كانت بعد وثيقة التفاهم التاريخية في معراب، ومثل بقية العلاقات السياسية تتقدّم حيناً وتتراجع أحياناً أخرى.
بالنسبة الى «القوات»، علاقتها مع كل طرف لوظيفة محددة، وبالنسبة إلى التيار الازرق هي ضرورة وطنية في اتجاه مواجهة «حزب الله»، ومن طبيعة اسلامية – مسيحية، لتشكل توازن قوى لمحاربة سلاح «حزب الله» وتمدده في الداخل.
من جهة أخرى، فإنّ العلاقة مع «التيار الوطني الحر» ضرورية لـ«القوات» لسببين:
1 – من أجل إراحة البيئة المسيحية.
2 – من أجل تثبيت البعد الميثاقي والشراكة المسيحية – الإسلامية داخل النظام.
وأظهرت «القوات» خلال هذه السنة أنها منفتحة على كل التفاهمات الممكنة بعد الكلام عن تقدّم واسع في اتجاه النائب سليمان فرنحية، باستثناء «حزب الله» في ظل تمسّكه بسلاحه.
على من تعتب «القوات»؟
«على الاثنين بالقدر نفسه»، يجيب الشارع القواتي، لأنّ البعض تجاوز جوهر وثيقة التفاهم بين «القوات» و«التيار» وتراجع عن كلّ الالتزامات بما فيها ما هو متّفق عليه بين عون وجعجع، ولم يُطبّق 5 في المئة من المتفق عليه، وهناك امور لا تحكى في هذا الاطار.
فـ«التيّار الوطني الحر» تراجع عن التفاهمات المكتوبة وغير المكتوبة، بمعنى آخر تراجع عن ميثاق التفاهم.
امّا العتب على تيار «المستقبل»، فهو لأنه انغمس في يوميات سياسية سلطوية بعيدة عن الهم الأساسي الذي يجب ألّا يغادره لحظة واحدة، خصوصاً في البعد السيادي حين تخلّى عن ممارسة لعب دوره في توازن الرعب الاستراتيجي وبربط النزاع الاستراتيجي.
كل تلك العوامل تشكّل طبقاً أساسياً قبل الانتخابات، فهل ستشهد الأيام المقبلة تبريداً يسبق موعد الانتخاب أو أنّ الحشد الإنتخابي يتطلب تجييش واستخدام كل أوراق جذب الناخبين؟