كتبت تمارا جمال الدين في صحيفة “الشرق الأوسط”:
فضح المرسوم – الذي قضى بمنح أقدمية لترقية ضباط عسكريين – حدة الأزمة العالقة منذ سنوات بين رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
ويتضمن المرسوم منح أقدمية سنة خدمة لضباط دورة 1994 المعروفة بـ«دورة عون»، حيث يعتبر رئيس الجمهورية أن المرسوم أصبح نافذا بعد الحصول على توقيعه وتوقيع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، بينما يرى رئيس المجلس أنه من الضروري إعادة المرسوم حتى يذيل بتوقيع وزير المال. ووصل الخلاف إلى درجة اتهام بري للرئيس عون باستهداف اتفاق الطائف.
وامتنع وزير المال علي حسن خليل (كتلة بري) عن توقيع المرسوم، على اعتبار أن غالبية هؤلاء الضباط ينتمون للون طائفي وسياسي واحد، ما قد يخولهم السيطرة على القيادات العسكرية في الجيش والأجهزة الأمنية.
وبعدما كثرت التصريحات والشروحات حول هذا المرسوم، قدم رئيس الجمهورية اقتراحا دعا فيه المعترضين عليه إلى مراجعة الجهات القضائية المختصة التي تتولى النظر في الخلافات التي تنشأ نتيجة صدور مراسيم عن السلطة التنفيذية، وعبر عون عن قبوله سلفا بنتيجة القرار القضائي، حتى ولو كان مبطلا للمرسوم ولاغيا له ولمفاعيله.
ورد بري مشدداً على أن «الضعيف يذهب إلى القضاء ونحن نلجأ إلى القضاء عندما تصبح وزارة العدل غير تابعة لأي فريق سياسي».
ولا يقتصر الخلاف بين الرئيسين عون وبري على هذا الملف فقط، بل يتعداه ليلامس ملفات أخرى عرفت كمحطات بارزة في تاريخ توتر العلاقات بين الرئيسين.
واستهلت مسيرة النزاع عام 2009 مع الانتخابات النيابية، حيث لعبت حركة أمل التابعة لبري مع التيار الوطني الحر دور الحليف والخصم في آن معا، فلم يقبل العماد عون في حينها ترشيح نائب جزين السابق سمير عازار على اللائحة المُشتركة، وخاضت حركة أمل معركة إلى جانب عازار في مواجهة مُرشح التيار الوطني الحر ميشال الحلو.
وبعد تجاوز فترة الانتخابات، دار صراع قوي بين الرئيسين حول ملف النفط والصندوق السيادي المزمع إنشاؤه، والجهة التي ستتولى الإشراف على العائدات النفطية في المرحلة المقبلة.
وما زاد من عمق الفجوة الحاصلة بين الرئاسة الأولى والثانية، بحسب مقربين من عون وبري، ملف المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان، ذلك بسبب اعتراض التيار الوطني الحر على تثبيت المُياومين إلاَّ على قاعدة المُناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وعلى وجه التحديد الشيعة المؤيدين لبري.
وعطل هذا الخلاف أحد أهم المرافق في البلد لفترات عدة، بحيث لم تتمكن مؤسسة كهرباء لبنان من جباية الفواتير بسبب الإضرابات المتواصلة من قبل المُياومين، ما أدى إلى عدم دفع المؤسسة مستحقات الشركات المُتعهدة، وبالتالي عدم دفع هذه الشركات رواتب الموظفين، والفواتير، مما هدد بتوقف التغذية عن المُشتركين. ولم يصل هذا الملف إلى حل جذري رغم محاولة بعض الأطراف الدخول كواسطة بين الرئيسين عون وبري، أبرزها النائب وليد جنبلاط ونائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي.
وبعدما سادت أجواء من التفاؤل والهدوء بين الرابية وعين التينة مقري عون وبري، عادت المعركة لتحتدم مع ظهور قضية التمديد لمجلس النواب، فأطاحت الآراء المتباعدة بين الرئيسين بالتقارب الذي كاد أن يحصل.
والسبب المباشر هذه المرة، بحسب بري، هو أن الرئيس عون، الذي كان آنذاك رئيسا لتكتل التغيير والإصلاح، وعده بحضور «جلسة التمديد لتعزيز الميثاقية المسيحية»، وبعدم الطعن بالقانون بعد صدوره أمام المجلس الدستوري، كما حصل في التمديد الأول في مايو (أيار) 2013، إلا أن بري فوجئ عشية الجلسة برفض عون النزول مع نوابه إلى المجلس من دون أن يعلمه بالأسباب، الأمر الذي أثار غضبه.
ويرى محللون أن ما «قطع شعرة معاوية» بين الرئيسين هو أن عون لم يتمكن من «انتزاع لقب مرشح نبيه بري» في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث عارض بري وصول عون إلى سدة الرئاسة، داعما بذلك المرشح الآخر وقتها، رئيس حزب المردة سليمان فرنجية.
أما خلال مرحلة التفاوض للتوصل إلى إقرار قانون جديد للانتخابات المقرر إجراؤها في مايو المقبل، شهدت الساحة اللبنانية العام الفائت تجاذبات كبيرة بين عون ممثلاً برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والرئيس نبيه بري.
فقد اتهم عون بري بطرح مشاريع قوانين لا تراعي التمثيل المسيحي الصحيح وتسمح بسيطرة الطوائف الأخرى على المقاعد المسيحية، فيما اتهم بري عون بطرح قوانين مذهبية وطائفية لا تراعي الانصهار الوطني. وانهالت في تلك الفترة عشرات القوانين المطروحة على المجلس النيابي، وكانت عندما يطرحها الأول يرفضها الثاني. واستمرت المفاوضات والمناقشات بين الأطراف السياسية حتى الوصول إلى القانون الحالي الذي اعتمد النسبية الكاملة مع الصوت التفضيلي، على أساس 15 دائرة.
وما يزيد من غرابة القصة، أن الرئيسين ينتميان نظريا إلى خط سياسي واحد، وكتلة نيابية موحدة تنضوي تحت راية معسكر 8 آذار. فتتجه الأنظار اليوم إلى ما ستؤول إليه التحالفات للانتخابات النيابية المقبلة، خاصة مع زيادة نسبة «انعدام الثقة» بين الرجلين عما سبق.