كتب وسام ابو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:
ما سرّ «داحس والغبراء» بين الرئاستيْن الأولى والثانية في لبنان؟ مَن نَصَب فخاً لِمَن في المعركة المفتوحة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري حول ما بات يُعرف بـ«أزمة المرسوم»؟ لماذا انفجر الصراعُ المكتوم بين الرجلين مع العدّ التنازُلي للانتخابات النيابية في ايار المقبل؟ ما القصد من ربْط «مشكلةٍ موْضعية» ترتبط بمنْح سنةِ أقدمية لضباط دورة الـ 1994 بالتحالفات الانتخابية ومصير وزارة المال في حكومة ما بعد الانتخابات وبالمستقبل السياسي لبري ومصير رئاسته للبرلمان العتيد؟ وهل لملابسات «أزمة المرسوم» صلةً بالانتخابات الرئاسية المقبلة والصراع بين المرشحين المفتَرَضين؟
أسئلةٌ كـ«الكوابيس» تجتاح «كواليس» بيروت المصابة بـ«الدهشة» مع تمادي «المنازلة» بالبيانات والمواقف والاتهامات بين الرئاستيْن العائدتيْن للتوّ من «شهرِ عسلٍ» قيل خلاله الكثير عن «الوحدة الوطنية والاستقرار وسلامة المؤسسات»، يوم تَكاتفا في معركة «استرداد» رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض بعد الاستقالة التي عاد عنها، ليبدو مع انتهاء مفاعيل «الوقت المستقطع» في الصراع القديم – الجديد بين عون وبري وكأنه (أي الحريري) يتحوّل رويداً رويداً «كيسَ ملاكمةٍ» في معادلةٍ صعبة يصعب فيها الوقوف في الوسط أو لعب دور الوسيط.
فالانطباعُ السائد في بيروت يشي بأن الاستدراج المتبادّل لـ«قتالٍ سياسي» بالمرسوم،هدفه عملية استطلاعٍ مبكر وبـ«النار» لما ستكون عليه التوازنات في البرلمان العتيد والتحالفات التي ستفضي اليها، لأنه في ضوئها يَتقرّر مصير استحقاقات كبيرة كرئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية، إضافة الى طبيعة إدارة الحُكم في البلاد، خصوصاً أن عون كان لمح بعيد انتخابه أن «عهده» يبدأ بعد الانتخابات النيابية، ولم يتردّد وفي وقت مبكّر في إفشاء انه يعدّ «خليفتَه»، الأمر الذي أصاب الآخرين بـ «نقزةٍ» لم تبددها تجربة عامٍ ونيف، وربما عززتْها «مسودة» التحالفات في الطريق إلى الانتخابات المقبلة.
… في واحدة من «الليالي الطويلة» من مايو 2017 وفي مكانٍ ما «مجهول باقي الهوية»، عُقد لقاء مطوّل بين الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ورئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، تُوّج يومها، وبحسب باسيل، بـ «اتفاقٍ تاريخي»، قال عنه أيضاً مصدرٌ رفيع في الحزب إنه «تكريسٌ لتحالف مار مخايل» القائم بين الطرفيْن منذ العام 2006، وهو اللقاء الذي سبق بأيامٍ الإفطار الرمضاني الجامِع في القصر الجمهوري، وأعطى إشارةَ الانطلاق لـ «الإفراج» عن قانون الانتخاب الجديد الذي أراده «حزب الله».
وحدها كشفتْ «الراي» غداة هذا اللقاء عن أن الأهمّ فيه والأكثر إثارة كان الوعد الذي تلقاه باسيل من الأمين العام لـ«حزب الله» بدعمه للوصول الى رئاسة الجمهورية على غرار «الوعد الذي قطعه نصرالله للجنرال عون ووفى به» بعدما احتُجز الاستحقاق الرئاسي في قفصٍ من الفراغ لنحو عاميْن ونصف العام، ولم يُطلَق إلا مع اكتمال النصاب السياسي – الدستوري لانتخاب عون في إطار تسويةٍ جمعتْ «حزب الله» وخصومه ولا سيما الحريري، واستُبعد عنها بري واضطر الزعيم الدرزي وليد جنبلاط «المتململ» الى السير بها.
الذين تناهى إلى مَسامعهم وعد نصرالله لباسيل فوجئوا، لاعتقادهم أن مرشّح «حزب الله» للرئاسة بعد عون هو زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية تعويضاً لحرمانه، ولمرتيْن، من «لقمة وصلتْ للتم»، الأولى العام 2004 قبيل التمديد لإميل لحود عندما قال نصرالله للرئيس بشار الأسد إنه «لا يعرف فرنجية كفايةً»، وفي العام 2016 يوم أَحبط الحزب مبادرة الحريري بترشيح فرنجية الذي «يمكن ان ينتظر، فمستقبله أمامه». غير أن بعض العارفين بـ «خفايا الأمور» يقول إن هذه المسألة (الرئاسة) البالغة الحساسية يقاربها «حزب الله» في ضوء الاعتبارات الآتية:
- ان نصرالله الذي وصف فرنجية في لحظة المفاضلة بينه وبين عون بأنه «نور العين» لم يقطع له وعداً بتبنّي ترشيحه للرئاسة خلفاً للعماد عون.
- ان الوعد الذي تلقاه باسيل من نصر الله لا يشبه تماماً الالتزام الذي كان قائماً مع عون، فـ«حزب الله» سيعطي أصواته لباسيل ولكنه لن يخوض معركة إيصاله.
وبهذا المعنى تُرك لباسيل، الذي ضمن أصوات «حزب الله» تدبير أمْره في انتزاع كتلةٍ مسيحية وازنة ونسْج تحالفاتٍ ولا سيما مع «تيار المستقبل» تتيح له الفوز بالرئاسة، وهو ما رَوّج له طويلاً في كلامه الدائم عن تحالفٍ مع «حزب الله» لحماية لبنان، وتحالفٍ مع «المستقبل» لبناء الدولة وتحالفٍ مع «القوات اللبنانية» لصون الوجود المسيحي والشراكة.
لم يَرُق هذا الأمر للرئيس بري الذي لم «يهْضم» حتى الآن صفقةً جرت بمعزلٍ عنه وجاءتْ بالعماد عون رئيساً، وتالياً يَصعب عليه «بلْع» صفقة رقم – 2 تُرسم ملامحها في تحالفاتٍ ستفضي في نهاية المطاف لفتح طريق الرئاسة أمام باسيل، كما أن المرشحين المفترضين كفرنجية ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لن يكونا في وارد رفْع الرايات البيض أمام الصعود المضطرد لـ «رئيس الظلّ»، كما يحلو للبعض وصْف وزير الخارجية.
وثمة مَن يعتقد في بيروت ان «هنْدسة» رئيس البرلمان لـ «لقاء كليمنصو» الذي جمعه إلى الحريري وجنبلاط (قبل نحو 3 أشهر) كان بداية حراكٍ في اتجاه بلورةِ تحالفات انتخابية من شأنها ضبْط التوازنات في البرلمان العتيد، وهي الغاية عيْنها للوتيرة المتسارعة في «تطبيع العلاقة» بين فرنجية وجعجع، فالعين دائماً على باسيل الذي قيل الكثير عن إمكان الذهاب بتحالفاتٍ ضدّه في عقر داره لإشعاره بالخطر وربما لإسقاطه في دائرة الشمال.
غير أن تطوراً مهماً لم يكن في الحسبان طرأ وعلى نحو مفاجئ وتَمثّل في أزمة استقالة الحريري التي بدت وكأنها انتهتْ إلى إرساء تحالفٍ لا يستهان به بين عون والحريري وبين عون و«حزب الله»، الأمر الذي يجعل الانتخابات النيابية وما سيليها في مرمى ميزان قوى محسوم، وهو ما يشاع بأن بري بدأ بتدارُكه عبر المعركة السياسية التي يستبطنها «المرسوم المأزوم» وفتْح قنوات الاتصال مع أطرافٍ كـ «القوات اللبنانية» والكتائب، إضافة الى فرنجية وآخرين، ربما لبناء تحالفاتٍ انتخابية حفاظاً على «لعبة التوازن».
ورغم أن غالبية القوى لا تأخذ على محمل الجد الهمْس الدائر على شكل أسئلةٍ عما إذا كانت الانتخابات ستجري في موعدها فعلاً، فإن ثمة أطرافاً في موقعٍ «لا تُحسد عليه». فالحريري، الذي سيواجه معارضةً سعودية لتحالُفه مع عون، الحليف الاستراتيجي لـ«حزب الله»، سيجد صعوبةً في المواءمة بين تحالفٍ لن يفرّط به مع تيار رئيس الجمهورية وتحالفٍ لا يرغب في التخلي عنه مع الرئيس بري. أما «حزب الله» الذي «يدوْزن» علاقته بحليفيْه بري وعون، فأبلغ الى مَن يعنيهم الأمر كلمة السرّ حين أكد وعلى نحو حاسم أن تحالفه مع حركة «أمل» يحْرسه خط أحمر ممنوعٌ تجاوزه من دون التفريط بالتحالف مع «التيار الوطني الحر».