كتبت ميسم رزق في صحيفة “الأخبار”:
أصبحت العلاقة بين الرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري أشبه بـ«العداوة». فتراجع رئيس الحكومة أكثر من مرة عن وعود قطعها لرئيس مجلس النواب أفقد عين التينة ثقتها «بحليف قديم»، تحديداً ما جرى في مرسوم منح الأقدمية لضباط «دورة عون» الذي «رسم مبدئياً صورة التحالفات الانتخابية»، إذ تؤكّد مصادر مقربة من برّي أن «لا إمكانية للتحالف مع المستقبل في الدوائر المشتركة».
لم يعُد سرّاً أن العلاقة بين الرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري تمُرّ بمرحلة متوتّرة نسبياً تكاد تتحوّل إلى قطيعة، إذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال، نتيجة تعاطي رئيس الحكومة مع الأزمات التي اشتعلت بين برّي ورئيس الجمهورية ميشال عون ووقوفه إلى يمين الأخير في كل الملفات، كان آخرها مرسوم منح الأقدمية لضباط «دورة عون». ولم يُعرف حتى الساعة ما إذا كانت الفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابية ــ في أيار المقبل ــ ستُساعد على تبديد أجواء الخلاف أو تسعيرها.
لكنها فترة استطلاع لما سيكون عليه شكل التحالفات في الدوائر المشتركة بين حركة أمل وتيارالمُستقبل. مصادر «الحركة» تؤكّد عدم التحالف مع تيار الحريري، لأسباب سياسية وانتخابية، فيما تأمل مصادر مستقبلية حصول العكس، مروّجة كلاماً عن «حتمية» التحالف في عدد من الدوائر. ويستند «المستقبليون» إلى تاريخ العلاقة التي لطالما شكّلت صمام أمان ضد الفتنة السنية ــ الشيعية، وبقيت صلة الوصل الأساسية في عزّ الانقسام العمودي بين فريقي 8 و14 آذار. وفيما يختلف الطرفان حول الكثير من الملفات اليومية، يتفقان على نقطة واحدة، هي «التفاهم على عنوان عريض: الاستقرار»، وهو تفاهم «هزّته الخلافات، لكنه لم يسقط بعد».
لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحدّ بين برّي والحريري؟ يروي مقربون من رئيس المجلس أن «أصل المشكلة بدأت منذ انتخاب عون رئيساً، حيث انطلقت الترجمة العملية للتحالف المستتر بين العونيين والمستقبليين». وبقيت الأمور في إطار مقبول إلى أن «تبيّن أن الحريري غير قادر على الخروج عن طوع بعبدا في أي ملف، من دون أن يحفظ للرئيس برّي أي جميل، خصوصاً أن الأخير لم يوفّر فرصة لاحتضانه ودعمه في أشد لحظات التوتر السياسي». هذه النقطة بالذات شكّلت بداية ما يشبه الصدمة في عين التينة، من دون معرفة الخلفية التي ينطلق منها رئيس الحكومة في تعامله مع أي أزمة، ومرّة تلو المرة أصبح الحريري في نظر عين التينة «ناكثاً للعهود».
فمسلسل الوعود الحريرية التي لم تبصر النور تعود إلى التمديد الثالث، حين وعد الحريري الرئيس برّي بأن يكون معه، تفادياً للفراغ. وهو الذي اضطر رئيس المجلس آنذاك إلى أن يعلن أن عدم التوصل إلى قانون انتخابات يعني التمديد للمجلس. وقد شكّل هذا الموقف في الماضي تباعداً بين الرجلين «لم يُفسد للود قضية، إلا أن إمعان رئيس الحكومة في التراجع عن التزاماته مع عين التينة أجّج النار، كما حصل في ملف التعيينات في قوى الأمن الداخلي التي شملت تعيين الرائد ربيع فقيه رئيساً لفرع الأمن العسكري في فرع المعلومات، والعقيد علي سكيني قائداً لمنطقة الشمال في وحدة الدرك الإقليمي، من دون الرجوع إلى الرئيس بري كما هي العادة في التعيينات، خصوصاً أن الحريري كان قد قدّم وعداً بعدم إقرارها قبل التوافق على الأسماء».
كان يُمكن الاستقالة التي أجبر عليها الحريري من الرياض أن تكون بمثابة فرصة لطيّ هذه الصفحة، وأن يكون الالتفاف الوطني الذي كان برّي عنصراً أساسياً فيه، حافزاً للحريري على أن يعود إلى خطّ الوسط بين عون وبرّي، «إلا أنه أثبت تحيّزه الأعمى لبعبدا، والذي دفعه أخيراً إلى الغدر» بعين التينة، كما تقول مصادر الأخيرة. فما فعله في ملف مرسوم منح الأقدمية لضباط «دورة عون» لم يكن مجرد تراجع عن تعهّده بعدم توقيع المرسوم إلى جانب رئيس الجمهورية، «بل كان تواطؤاً مقصوداً، خصوصاً أن الحريري كان على علم به منذ 5 أشهر، ولم يُخبر الرئيس برّي بالأمر»، وهو ما دفع الأخير أكثر من مرّة إلى تحميل الحريري جزءاً كبيراً من المسؤولية، ولم يترّدد بالتصريح بذلك أمام عدد من زواره.
في خضمّ هذه الأزمة، تجتاح الكواليس أسئلة كثيرة عن انعكاسها على التحالف الانتخابي بين حركة أمل والمستقبل في ما بعد. الانطباع السائد يشي بأن القتال السياسي سيتحوّل إلى قتال انتخابي، ولا سيما أن حركة أمل قد حسمت أمرها في ما يتعلق بهذا التحالف، وموقفها في هذا الشأن سلبي. تختصر مصادر الحركة، بالإضافة إلى ما ذُكر، إجابتها عن هذا السؤال بالقول: «ما بعد المرسوم بات مرسوماً». وتفسّر إجابتها بأن قرار عين التينة بشأن هذا التحالف ينطلق من معطيين: الأول سياسي يتعلق «بعدم الثقة بالرئيس الحريري»، والثاني انتخابي مرتبط «بالتحالف المحتوم مع حزب الله في كل الدوائر». تعود المصادر إلى كلام الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري الذي حسم بأن «لا تحالف مع الحزب»، الأمر الذي «حرّرنا كحركة أمل من أيّ تحالف مع المستقبل». وتعتبر المصادر أن التحالف في الدوائر المشتركة ليس منطقياً. ففي صيدا ــ جزين والبقاع الغربي وزحلة «نحن ندعم مرشحين معروفين لن يقبل بهم الحريري»، فضلاً عن «أننا نجزم بأنه سيتحالف مع التيار الوطني الحرّ». أما في بيروت، «فسيكون لنا لائحة واحدة مع حزب الله وحلفائنا، وبالتالي لا يُمكن أن تجمعنا لائحة واحدة». في المقابل، تعتبر مصادر مستقبلية بارزة أنّ «من غير الواضح بعد كيف سترسو التحالفات الانتخابية في الدوائر المشتركة»، ومن الآن حتى موعد الانتخابات «أمور كثيرة يُمكن أن تتبدّل». وتستند مصادر التيار إلى التحالف السياسي مع عين التينة «خط أحمر» ممنوع تجاوزه، ولا شكّ في أنه «سيكون له انعكاس إيجابي على التحالف الانتخابي رغم كل العقبات».