كتبت سابين الحاج في صحيفة “الجمهورية”:
اغتصبها في عمر التاسعة أحدُ أفراد عائلتها، وبعدها اعتدى عليها جنسياً أكثرُ من فردٍ من أقاربها حتى حملت من أحد المعتدين وهي في عمر الـ14 عاماً. أنجبت طفلها وتوفي بعد أسبوعين على إبصاره النور…
كل هذه المآسي المقزّزة ليست جزءاً من حكاية فتاة تمثل مسلسلاً تلفزيونياً، ستبرز في نهايته بطلةً تتسلّم جائزةً تقديراً لعملها في الحقل الاجتماعي. كل هذه المآسي ليست أيضاً جزءاً من حياة امرأة تعيسة تعيش في حيّ فقير، مدمَّرة، منبوذة، وساكتة تستر كل ما حصل لها في صغرها وتخبّئه عن أعين الناس… بل إنّ هذه التراجيديا جزءٌ من حياة سيدة البرامج الحوارية الأميركية الأولى، أوبرا وينفري، وربما أوّل امرأة سوداء ستترشّح إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2020 لتنافسَ الرئيسَ الحالي دونالد ترامب وتنتزعَ منه الكرسيَّ الرئاسي!
تمرّد على الواقع
لم تعش أوبرا وينفري حياة هادئة، ولكنها انتصرت على نفسها مراراً لتصبحَ امرأةً قدوة. هي أوّل امرأة سوداء تحقّق المليارات، وأوّل مقدمة برامج سوداء تخترق شاشة التلفزيون قبل 30 عاماً، لتصبحَ الاعلامية الأولى في بلادها، وأيضاً أوّلَ امرأة سوداء اعتلت مسرحَ «غولدن غلوبز» يوم الأحد الماضي لتستلمَ جائزة «سيسيل بي دوميل» الفخرية تكريماً لإنجازاتها ومسيرتها المهنية في الإعلام والتمثيل.
لم تدمّرها الصعوبات والكوارث التي اجتاحت حياتها وهي طفلة صغيرة، ولم تقع أسيرة الخوف والهرب من ألسنة ناس لا ترحم، بل حملت قصصَها عبر الشاشات إلى داخل البيوت، وحوّلت مآسيها وإخفاقاتِها إلى نجاحات.
لم ترفع وينفري الصوت لتروي قصصَها وعذاباتِها فقط بل صرخت بقصص ملايين الناس على مرّ السنوات، وهذه المرة وفي جوائز غولدن غلوبز أثارت جوّاً من التأثر في كل أرجاء القاعة والعالم عندما تطرّقت إلى فضيحة التحرّش الذي هزّ أمان عشرات النساء الشهيرات في هوليوود، اللواتي على رغم غطاء الشهرة لم يتجرَّأن لسنوات على كشف مَن لطّخ حياتهنّ بوقاحته وتعدّياته.
وفي سياق الحديث عن مآسي النساء الشهيرات أعادت وينفري قصة ريسي تايلور إلى الأذهان مكرِّمة إيّاها بعد 10 أيام على وفاتها. تلك المرأة السوداء تعرّضت للاغتصاب على يد 6 رجال اختطفوها في العام 1944 ولم يتمّ القبضُ على الفاعلين.
وأعلنت وينفري انطواءَ هذا الزمن إلى غير رجعة، مؤكّدةً: «ريزي تايلور عاشت في مجتمع يحكمه تسلّطُ الرجال أصحاب النفوذ. لوقتٍ طويل جداً، لم ينصت أحدٌ للنساء إن تجرّأن وقلن الحقيقة عن هؤلاء الرجال، لكنّ ذلك الوقت انتهى».
حقبةُ التغيير
تؤكد المحامية والناشطة الاجتماعية باتريسيا الياس سميدا في حديث لـ«الجمهورية» تعليقاً على خطاب وينفري التاريخي أنه ألهمَ نساءً كثراً من حول العالم وسيدفع العديدات إلى رفع الصوت، والتحدّث عن قضاياهن. وترى سميدا أنّ «النساءَ اليوم بحاجة لنساء أخريات يشكّلن مثالاً أعلى لهنّ، ووينفري في هذا الخطاب كرّست نفسَها قدوةً ومثالاً».
ووسط الحديث الإعلامي وعبر مواقع التواصل عن رغبة وينفري في الترشح لرئاسة أميركا تؤكّد سميدا أهمية «وصول النساء إلى مراكز القرار ليشكّلن كتلَ ضغط. وتضيف: «تتعرّض المرأة لتعدّيات صارخة في كل بقاع الأرض، وهي مغبونة لأنّ الحكّام الرجال يكرّسون التمييز ضدّ النساء».
وبالحديث عن لبنان تتمنّى سميدا أن تصل امرأة إلى موقع رئاسة الجمهورية، وتشدّد على أننا «نحتاج إلى أكثر من امرأة في مواقع صنع القرار، فليس الهدف أن تصل سيدة أو اثنتان إلى المجالس بل يجب أن تسود العدالة بوصول كتلة نسائيّة تتمكّن من صنع التغيير وفرض مشاريع قوانين والتصويت عليها بشكل فعّال في البرلمان اللبناني». وتضيف: «نحن بحاجة لسيدات يعملن ويفكّرن ليتقدّم البلد تتمثل بهنّ كل امرأة في لبنان والعالم العربي وتعرف أنهنّ سيصنعن التاريخ، ويغيّرن الواقع».
مرشّحة محتمَلة
لم ترشح وينفري نفسَها إلى رئاسة الولايات المتحدة في العام 2020 بعد، إلّا أنّ خطابها الشعبي المؤثّر رشّحها، وبدا ذلك جلياً من خلال الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي التي اعتبرت خطابَها رئاسياً، وصفعةً في وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتّهَم هو نفسه بالتحرّش بالنساء ومن قبل أكثر من امرأة. فالإجماع الشعبي على كلام وينفري أكّد مدى ميل المجتمعات صوب مَن يتعاطف مع قضايا النساء والناس ويرفع الصوت في وجه الظلم والخنوع.