IMLebanon

ما هو النموذج الأفضل لإنشاء صندوق سيادي في لبنان؟

كتبت غريتا صعب في صحيفة “الجمهورية”:

تكاثر الحديث أخيراً عن صناديق الثروة السيادية سيما في ظل نمو عددها وحجمها وتأثيرها على الساحة المالية العالمية. لكن، وبالرغم من هذا النمو المتسارع ما زالت الصناديق السيادية مفهومة أقل من غيرها من ادوات الاستثمار.

لا بد من تحديد معنى وأهمية وأثر الصناديق السيادية على الاقتصاد الكلي بشكل عام، سيما وانها آلية يمكن من خلالها للبلدان استثمار ثرواتها المتأتية غالبًا من النفط او سلع اخرى في الاسهم والسندات والممتلكات او غيرها من المجالات القابلة للنمو.

الاستثمار عن طريق SWFs او صناديق الثروة السيادية بطريقة فعالة يسمح للدول بتنويع مداخيلها، وتصبح بذلك اقل اعتمادًا على مصدر واحد مثل النفط. وخير مثال على ذلك قد تكون النرويج موطن اكبر صندوق سيادي في العالم. تعتبر النرويج منتجا رئيسيًا للنفط الخام.

بدأت العمل في صندوقها السيادي في العام ١٩٩٦ وتتمثل مهمته في بناء ثروة عندما تشح احتياطات النفط والغاز. اضف اليها دول اخرى مثل الامارات والكويت والسعودية وقطر والتي تعتمد ايضًا على النفط والغاز وتتأثر بتقلباته.

وللعلم اصبحت الصناديق السيادية طرفا فعليا في الاستثمار العالمي اذ بلغت اموالها حجمًا كبير جدًا قارب الـ ٧،٢ تريليون دولار اي ضعف ما كان عليه في عام ٢٠٠٧ ما يعني ان الدول اصبحت قلقة بعض الشيء في ما يختص بقوتها وحجم نفوذها.

وعلى سبيل المثال صندوق الثروة السيادي النرويجي اصبح احد اكبر المستخدمين في الاسهم بمبلغ قدره ٦٦٧ بليون دولار وفي حوالي ٩٠٠٠ شركة حول العالم بما فيها Microsoft و Apple (حسب معهد صناديق الثروة السيادية). وهذا يعني فيما يعنيه انها اصبحت ضخمة وتؤثر عالميًا على الاسواق المالية والاستثمار والاقتصاد بشكل عام.

وقد يكون من المهم التركيز على مجموعة امور تجعل من الصناديق السيادية مساهمة في استقرار النظام المالي العالمي واهمها مبادئ سانتياغو التي تدعو الى تعزيز الشفافية والحكم الرشيد والمساءلة. كذلك تشجع قيام حوار وتعميق فهم صناديق الثروة السيادية، وهذه المبادئ وضعها الفريق العامل في الـ SWF ولقي ترحيبا من اللجنة المالية في صندوق النقد الدولي في عام ٢٠٠٨ واهم مبادئها.

١- المساعدة في الحفاظ على استقرار النظام المالي العالمي والتدفق الحر لرأس المال والاستثمار.

٢- الالتزام بكل القوانين التنظيمية ومتطلبات الكشف عن البيانات.

٣- التأكيد على ان الصناديق تستثمر على اساس المخاطر الاقتصادية والمالية.

٤- ضمان وجود الشفافية والحكم الرشيد.

هذه المبادئ تساعد في تأمين مناخ استثماري مستقر وتجعل من الصناديق السيادية اداة مهمة في تأمين مستقبل مهم لاقتصاد الدول. وخير برهان على ذلك قد يكون ودائمًا صندوق الثروة السيادي النرويجي والذي استطاع خلال ٢٢ عامًا من نشأته ان يؤمن ما يقارب مبلغ ١٨٨٠٠٠ دولار اميركي لكل مواطن نرويجي، (يبلغ عدد سكان النرويج ٥،٣٢ مليون نسمة). ويوفر الصندوق الاموال للأجيال المقبلة من النرويجيين، وعلى عكس الولايات المتحدة الاميركية التي سمحت للقطاع الخاص بوضع اليد على الثروات النفطية والغازية.

 

لذلك قد يكون من المهم التطلع الى كيفية صرف الاموال في الاستثمار من قبل الدولة وفريق عملها، سيما وان اي خطأ في قرارات الاستثمار تولد تراجعًا رقميًا ملحوظًا في مبالغ الصناديق السيادية. وقد تكون النرويج قد اخطأت بعدم الاستثمار في الاسواق الناشئة. وحسب التقديرات، فقد صندوق النرويج السيادي قيمة مالية لا بأس بها بسبب تركيزه على الاصول في الاقتصادات الغنية.

لذلك قد يكون من المهم التركيز على اداء الصناديق السيادية ودورها في الاقتصاد الكلي سيما وان فشلها يؤدّي الى فقدان فرص قيمة. مع التركيز على ان اغلبية صناديق الثروة السيادية تنقصها الشفافية والحكم الرشيد سيما في منطقة الخليج، وقد سجلت صناديقها ادنى مستويات النمو وفقًا لتقرير نشرته مجموعة Geo Economica وحسب مؤشر الامتثال Santiago Compliance index والذي صدر سنويًا خلال السنوات الثلاث الماضية .

ينبغي التنسيق بين عمل الصناديق وبين المؤسسات الحكومية الاخرى، سيما وان العائدات التي تولّدها يمكن ان تؤثر تأثيرًا كبيرًا على المالية العامة والاوضاع النقدية وبوجه خاص على السياسة المالية والتغيرات في اسعار الصرف والاستثمار، وهذا يجب ان يتوافق مع اهداف اولويات السياسة العامة.

لذلك من الضروري وضع خطة عمل وتشريعات لهذه الصناديق يساعد في تحديد اطرها وادائها واستقلاليتها بما يعني السعي لامتثالها لمقررات سانتياغو من حيث الشفافية والحكم الرشيد.

ولبنان جديد على الساحة الدولية وقد يكون العام ٢٠١٩ عاما مفصليا بالنسبة له اذ انه سوف يبدأ التنقيب عن النفط مما يعني انه من المؤكد ان تحاول الدولة اللبنانية انشاء صندوق سيادي يساعد على تخفيف العجز في موازنة الدولة وديونها وتوفير الموارد لصرفها على قطاعات تعتبر ذات اهمية كبرى.

والامر الاكيد ان الدولة سوف تكون جاهزة بحلول هذا العام من حيث الانظمة والقوانين والتشريعات التي تحمي صندوق الثروة السيادي وتؤمن له فرص النجاح.

ان اكبر المخاوف المحيطة بالصناديق السيادية تتعلق بشفافيتها مما يجعلها تثير الشكوك والقلق في نوايا استثماراتها، والتحدي الكائن في الامتثال لمبادئ سانتياغو سيما وان الاستثمار يمكن ان يعني مزيدا من الاموال الحكومية ومكاسب اقتصادية لكل فرد في الدولة.

لذلك سنة ٢٠١٩ قد تكون مفصلية في تحديد وضعية لبنان الجديدة من حيث السياسة الاقتصادية والنقدية والمالية بشكل عام. وقد يكون اهم مرتكز لذلك استقلالية صندوق الثروة السيادي وتحييده عن المتاهات التي من السهل الوقوع فيها.

لذلك، واذا كان النفط نعمة لنا فالمطلوب ان نسعى جاهدين لحسن استخدامه كي لا يصبح نقمة على اصحابه كما هي الحال في العديد من الدول.