بعدما أمضَت السنوات الخمس الماضية في سوريا، حيث انضمّت إلى المتطرّفين الإسلاميين، تريد إميلي كونيغ (33 عاماً) العودةَ إلى بلادها فرنسا. ولكنْ هل تريد فرنسا عودتَها؟
هي ابنة شرطيّ مِن بلدة صغيرة في بريتاني، أعلنَت إسلامَها في سنّ المراهقة. وبعد أن بدأت تغطّي نفسَها بعبايةٍ سوداء وحجابٍ من الرأس إلى أخمصِ القدمين، شعرَت بالازدراء في فرنسا لدرجة أنّها ترَكت طفليها الصغيرين للذهاب إلى سوريا، حيث أصبَحت مروّجةً بارزة ومجنّدة مقاتلات لتنظيم الدولة الإسلامية.
«ولكن الآن، حسب ما صرّحت والدتُها: «تودّ العودةَ إلى فرنسا، وطلبَت العفوَ من عائلتها وصديقاتها وبلادها»، وذلك بعد أن تحدّثت مع ابنتِها عبر الهاتف قبل أسبوعين.
قصّة كونيغ الشخصية غيرُ عادية، أقلّه أنّها اكتسبَت مكانةً بارزة داخل الدولة الإسلامية التي يُهيمن عليها الذكور. ومع ذلك، فإنّ المأساة التي تطرحها قضيتها هي قضية شائعة بشكلٍ متزايد بالنسبة لفرنسا ودولٍ أوروبية أخرى، حيث يُطرَح السؤال الملِحّ: ماذا يجب على هذه الدول أن تفعل عندما يريد مقاتلو الدولة الإسلامية السابقون أو أنصارُهم العودة؟
كثيرون، مِثل كونيغ، قد تمّ احتجازهم أو استسلموا منذ انهيار عاصمة الدولة الإسلامية في الرقة في شهر تشرين الأوّل، وهم الآن محتجَزون في معسكرات اعتقال في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد السوريون.
ولا شكّ في أنّ البلدان الأوروبية تفضّل عدم عودةِ هؤلاء المقاتلين أبداً، أو أن تتمّ محاكمتُهم في قضايا جرائم حرب وأنشطة إرهابية في البلدان التي أسِروا فيها.
لكن مِن الصعب تطبيقُ المثال الثاني، خصوصاً أنّ الدول الأوروبية تعارض عقوبة الإعدام ولا تثِق بأنّ دولاً مِثل العراق وسوريا يمكن أن تجري محاكمات عادلة.
وحتى لو كانت أعداد المقاتلين العائدين غيرَ مرتفعة مثلما يَخشى المسؤولون في بعض البلدان، إلّا أنّها ليست غيرَ مهمّة. فقد قتِل بعضُ المقاتلين، في حين هاجَر آخرون إلى أوروبا، حتى إنّ هناك حالاتٍ فردية يمكن أن تُسبّب مشاكل أمنية وقضائية.
حوالي 4300 شخص غادروا أوروبا للقتال في سوريا والعراق منذ شهر نيسان 2016، وفقاً لدراسة حديثة أجراها المركز الدولي لمكافحة الإرهاب ومقرُّها لاهاي. في حين قدَّر آخرون العددَ بحوالي 5000 شخص وأكثر.
من جهتها، تُقدّر الشرطة الفرنسية أنّ حوالي 690 مقاتلاً فرنسياً ما زالوا في سوريا، مِن بينهم 295 امرأة، وفقاً لِما ذكرَه المدّعي العام في باريس فرانسوا مولينز في مقابلةٍ أجريَت معه في تشرين الثاني 2017. هذا ولم تعلّق أيّ مِن وزارات الحكومة الفرنسية المسؤولة عن السياسة المتعلقة بالإرهاب بأيّ تفاصيل حول قضية كونيغ، أو اعترَفت بأنّها محتجزة من قبَل الأكراد.
وفي تشرين الثاني الماضي، قبل أن تبرز قضية كونيغ، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنّ القرارات المتعلقة بالسماح للنساء والأطفال بالعودة من العراق وسوريا ستجري على أساس كلّ حالة على حِدة. ومن جهته، قال المتحدّث باسمِ الحكومة بنيامين غريفيوكس إنّ «فرنسا تفضّل محاكمة مواطنيها حيث تمّ القبض عليهم، ولكن فقط إذا كانت هناك مؤسسات قضائية قادرة على منحِهم محاكمةً عادلة».
وتعليقاً على تصريحه هذا، كان هناك ردٌّ من عددٍ من المحامين الفرنسيين الذين قالوا: «الدولة الكردية غير موجودة، ولا يمكن للأكراد محاكمة المواطنين الفرنسيين».
وفي كلّ الأحوال، لا يبدو أنّ الأكراد السوريين يريدونهم، وقال المتحدّث باسمِ قوات الدفاع الكردية السورية مصطفى بالي إنّ قيادته حثّت «جميعَ الدول الأوروبية وغير الأوروبية على تسلّمِ نسائها وأطفالها». لكنّ بعض الدول الأوروبية تبدو متردّدةً في هذا الأمر.
وأوضَح الصحافي الكردي ارين شيخمس أنّه زار 3 معسكرات يُحتجَز فيها أسرى حربٍ عربٌ وأسيويون وأوروبيون. وقال إنّه شاهد ما لا يقلّ عن 100 امرأة وطفل تمّ اختيازُهم ليتمّ تسليمهم الى بلادهم، بما في ذلك روسيا وكازاخستان وإندونيسيا. وقال: «أعتقد أنّ الحكومات الأوروبية لم تتواصَل لتسلّم مواطنيها».
ومِن بين الجهاديين الفرنسيين الذين ذهبوا للقتال في العراق وسوريا عام 2015، كان ثلثُهم مِن النساء تقريباً، وهي نسبة أكبر مِن أيّ بلد أوروبي آخَر في ذلك الوقت، وفقاً لخبراء الاستخبارات ووثائق الاستخبارات الفرنسية غير العلنية التي تمَّ تداوُلها مع وسائل الإعلام الفرنسية.
ومِن بين هؤلاء النساء، قد تكون كونيغ من بين الأخطر، خصوصاً أنّها مدرَجةٌ في قائمة الإرهابيين وتخضَع لعقوبات من الأمم المتحدة والولايات المتّحدة.
عندما ذهبَت إلى سوريا كانت في سنّ الـ27، وكانت أكبرَ من كثيرٍ مِن المقاتلين والمقاتلات الفرنسيات الجُدد. كانت متزوجةً ومطلّقةً ولديها طفلان، حسب ما أعلنَت شخصياً في فيلم وثائقي عنوانُه «إميلي كونيغ ضدّ أمّ توّاب»، قبل أن تغادر إلى سوريا.
وقالت أغنس دي فيو، عالمةُ الاجتماع التي قامت بتصوير كونيغ عام 2012 في هذا الوثائقي الذي يتحدّث عن النساء الفرنسيات اللواتي ارتدينَ الحجاب الكامل، إنّ كونيغ اتّخَذت قرارَ الذهاب إلى سوريا من تلقاءِ نفسِها بدلاً من اتّباعِ زوجٍ أو صديق هناك.
وكانت كونيغ في حينِها تفكّر جدّياً بمغادرة فرنسا، لأنّها تعرّضَت لسوء المعاملة والتحرّش في الشارع بسبب لباسها.
وتضيف أغنس دي فيو أنّ واحدةً مِن أعظم أمنيات كونيغ، قبَيل ذهابها إلى سوريا، كانت العثور على رَجل. وقالت: «كانت تبحث عن شخصٍ مليء بالرجولة، رَجلٍ يُشبعها، شخص تجد فيه صفات المحارب»، ربّما كانت تبحث عن هذه الصفات لأنّ والدها هجَرها.
وفور وصولِها إلى سوريا، بدأت كونيغ نشْرَ مقاطع فيديو دعائية على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت هذه المقاطع لافتةً بجرأتها، وكانت تدعو فيها الناسَ لدعمِ الدولة الإسلامية.
ولذلك، من المستبعَد أن يكون هناك تعاطفٌ كبير معها أو مع الجهاديات اللواتي يرغبنَ في العودة إلى فرنسا. لكنّ المحامين يقولون إنّه في أيّ حال من الأحوال، كسَرت هذه النساء القانون الفرنسي ويجب أن يُحاكمنَ في فرنسا.
والسبب الآخر لإعادتهنّ إلى بلادهنّ هو من أجل أطفالهنّ. فكثيرٌ مِن هؤلاء النساء وُلِدن في سوريا وأطفالهنّ يُعتبرون من الجنسية الفرنسية لأنّ والدتهم فرنسية.
ويقول المحامون: «هؤلاء الأطفال هم لم يطلبوا أن يولدوا في سوريا، ولم يطلبوا أن يتمّ احتجازهم مِن قبَل الأكراد، ولا يمكن تحميلهم مسؤولية خيارات أهلِهم».