كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
دخَلت البلاد عملياً في المدار القريب من الاستحقاق الانتخابي في ظلّ قلقٍ ما يساور كثيرين حول مصير هذا الاستحقاق، وذلك في ضوء قول رئيس مجلس النواب نبيه بري إنه يملك معلومات عن «أنّ هناك من لا يريد الانتخابات داخليّاً وخارجيّاً».
الحالمون بتطيير الانتخابات يتوسّلون تعديلات يطرحون إدخالها إلى قانون الانتخاب لمناسبة تعذّرِ اعتماد البطاقة الممغنَطة في العملية الانتخابية لعدم توافرِ الوقت اللازم لإنجازها، على أن تفتح هذه التعديلات البابَ أمام تعديلات أخرى، فيدور نقاشٌ عقيم فيها يمكن أن يؤدّي إلى تطيير الانتخابات، وهو الأمر الذي يرفضه بري، حيث يؤكّد أمام زوّاره أنّ أيّ بحثٍ في تعديل قانون الانتخاب «قد يُطيّر الانتخابات برُمّتها». وكذلك ترفضه قوى سياسية أساسية ووازنة أخرى وتصِرّ على إجراء الانتخابات في موعدها 6 أيار المقبل.
على أنّ قانون الانتخاب الذي يعتمد النظام النسبي للمرة الأولى هو ما يَدفع البعض الى تطيير الانتخابات، لأنّ هذا القانون يَحول دون تمكّنِ فريقٍ بعينه من الفوز بالأكثرية مثلما كان يحصل في القوانين الانتخابية السابقة التي اعتَمدت النظام الأكثري الإقصائي والذي مكّنَ فريقاً أو مجموعة أفرقاء من الاستحواذ على الأكثرية النيابية وبالتالي التحكّمِ بالسلطة.
وقد جاءت أزمة «مرسوم الأقدمية» لضبّاط دورة 1994 لتزيد في الطين بلّة، حيث بدأت تتناسَل أزمات: أزمة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، وأزمة بين رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة سعد الحريري، والأزمة التي شهدتها جلسة مجلس الوزراء الاخيرة والتي لبسَت لبوسَ عدمِ تلبية مطالب وزراء بإدراج قضايا تخصّ وزاراتهم على جدول أعمال المجلس، معتبرين أنّ في الأمر تجاهلاً مقصوداً يمارسه المعنيون بإعدادِ هذا الجدول.
وتشير المعلومات إلى أنّ هذه الأزمات المتناسلة مستمرّة، ويرجّح أن تطولَ الى ما بعد الاستحقاق النيابي، سواء جرت الانتخابات في موعدها أو أرجِئت لأسبابٍ ما، إذ إنّ هناك مخاوف لدى بعض المعنيين من اندفاع قوى محلّية وإقليمية الى فرضِ تأجيل الانتخابات الى مرحلة لاحقة يُصار خلالها الى إعادة طرحِ ملفّ قانون الانتخاب على بساط البحث للإتيان بقانون يلبّي تطلّعات ومصالح هذه القوى التي ترى أنّ القانون الحالي لا يلبّيها.
ولكنّ المتفائلين بإجراء الانتخابات في موعدها على قاعدة أنّه يستحيل الدخول في تمديدٍ نيابي جديد، يؤكّدون أنّ هذه الانتخابات ستُنتج تمثيلاً عادلاً ومتوازناً بين جميع المكوّنات السياسية والطائفية تنبثق منه سلطة سياسية متوازنة يَحكمها توافقٌ واسع بين هذه المكوّنات، ما يعني أنّ الانتخابات لن تمكّن أيَّ فريق بمفرده من الفوز بأكثرية مطلقة أو مرموقة أو موصوفة، والبعض يقول إنّ المقاعد النيابية ستتوزّع بين مختلف القوى التي سيكون عليها تكوينُ سلطة ائتلافية لا يمكن فريق منها أن يفرضَ مشيئته أو إرادته على بقية الأفرقاء، وهذا هو المطلوب لتمكين لبنان من إمرارِ المرحلة الإقليمية التي ستشهد إنتاجَ حلولٍ لأزمات المنطقة، وخصوصاً في سوريا والعراق والبحرين واليمن، فضلاً عن إيجاد حلّ للنزاع الدائر بين دول الخليج العربي وإيران.
ويتوقّف بعض السياسيين عند الاصطفاف السياسي الذي شهده الاجتماع الأخير للّجنة الوزارية الخاصة بقانون الانتخاب، إذ كان اللافت أنّ حركة «أمل» و«القوات اللبنانية» وتيار «المردة» والحزب السوري القومي الاجتماعي، اتّخذوا موقفاً واحداً في مواجهة موقفِ تيار «المستقبل» و«حزب الله» و»التيار الوطني الحر» حول موضوع «الميغاسنترز» وغيرها.
وإذ سألَ هؤلاء هل يمكن هذا الاصطفاف على الضفّتين أن يتحوّل اصطفافاً انتخابياً؟ استدركوا أنّ المعنيين بالاستحقاق الانتخابي يَستبعدون أيَّ تحالفٍ انتخابي، أقلّه بين «المستقبل» و»حزب الله» ولكنّ الأمر قد لا يَمنع من حصول «تبادلِ أصوات» أو «تنسيق موضعي» في بعض الدوائر حول مقاعد نيابية لا يتجاوز عددُها أصابعَ يدٍ واحدة. ومِثلُ هذا التبادل يمكن أن يحصل بين قوى سياسية أخرى أيضاً.
ولكنّ الحركة السياسية التي شهدَتها معراب خلال الأيام المنصرمة دلّت حسبَ مصادر «القوات اللبنانية» إلى «أنّ قنوات جدّية للبحث السياسي المعمّق قد فتِحت بين تيار المستقبل» و»القوات»، «إذ كان الطرفان «في مرحلة إطلاق نارٍ إعلامي ـ سياسي وانتقَلا منها إلى مرحلة إعادة تجديد التفاهم السياسي بينهما».
وتؤكّد هذه المصادر «أنّ الأزمة التي مرّت بها العلاقة بين الطرفين كانت أزمةً عابرة، فكلّ طرف قدّم وجهة نظره ومقاربتَه لهذه الأزمة، وانتقلَ البحث الى المشترك الذي يَحمل الطرفين وهو الثوابت والمبادئ الوطنية وسبلُ ترجمتها في المرحلة المقبلة وطنياً وحكومياً ونيابياً، وبالتالي فإنّ التركيز من الآن وصاعداً سيكون على بَلورةِ الرؤية المشتركة على قاعدة تقاطعاتٍ وطنية نواصِل من خلالها المشروعَ السياسي الذي يَجمعنا إنْ بتطبيق سياسةِ «نأي بالنفس» فعلية أو بمواصلة الدفع في اتّجاه قيام دولةٍ فعلية».
وتؤكّد المصادر «القواتية» أن لا علاقة للمملكة العربية السعودية بالتقارب الحاصل بين «القوات» و»المستقبل»، وأنّ زيارة الوزير غطاس خوري لمعراب كانت نتيجة اللقاءات المستمرّة بين الجانبين وسعيِهما الحثيث إلى طيّ الأزمةِ السائدة بينهما.
أمّا على صعيد «الاختراق الآخر» الذي حصَل على مستوى العلاقة بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر»، فتقول مصادر «القوات»: «في الوقت الذي كان الحديث عن أنّ تفاهم معراب تمّ تجميدُه إلى ما بعد الانتخابات، شكّلت الرسالة التي حَملها النائب ابراهيم كنعان إلى معراب مدخلاً لإعادة العلاقة بين الطرفين إلى ما كانت عليه لحظةَ ترشيحِ «القوات» للعماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، «فكان هناك ترحيبٌ لدى الدكتور سمير جعجع بهذه المبادرة واعتبَرها لسانَ حالِه وأنّها ما تريده «القوات»، ولكنّ هذه المبادرة تتطلّب إعادةَ إجراء قراءةٍ سياسية لكلّ المرحلة التي تلت «تفاهم معراب» وأدّت إلى ترَدّي العلاقة وتوتّرِها بين الطرفين، وذلك من أجلِ استخلاص العبَر تجنُّباً لتكرار الهفوات والأخطاء والكبوات نفسِها، مع التذكير بأنّ العنصر الأساسي لروحية «تفاهم معراب» هو أن تكون «القوات» شريكةً أساسية للعهد، وهي مِن هذا المنطلق كانت تعمل على قاعدة أنّها «القوّة الأساسية خلف العهد، وبالتالي إذا كان هناك مِن استعداد لدى «التيار» لتقويمٍ مشترَك للخروج إلى توافق على المشاركة والتشارُك، يمكن عندها أن تعود العلاقة بين الطرفين إلى مرحلتها الذهبية».
في أيّ حال، بعضُ السياسيين يقولون إنّ مختلف القوى السياسية دخلت في مرحلةِ تنقيةِ العلاقات في ما بينها، أو تصفيتِها، تمهيداً لخوضِ غمارِ الانتخابات وفقَ تحالفاتٍ يفرضُها واقعُ قانونِ الانتخاب الجديد…