كتب فراس الشوفي في صحيفة “الأخبار”:
تُعَدُّ دائرة الجنوب الثالثة، أي: حاصبيا ــ مرجعيون ــ بنت جبيل ــ النبطية، أكثر الدوائر استراتيجية بالنسبة إلى تحالف حزب الله ــ حركة أمل. للدائرة رمزية كبيرة بتشكيلها المساحة الأكبر من الشريط الحدودي المحتلّ سابقاً من العدوّ الإسرائيلي، وحدود التماس الأطول مع فلسطين المحتلّة، التي يتمثل فيها تحالف قوى المقاومة بأحد عشر نائباً، بينهم النائبان أسعد حردان وقاسم هاشم.
في الدورات السابقة، لم يكن لمنافسي لائحة تحالف أمل ــ حزب الله ــ الحزب السوري القومي الاجتماعي في هذه الدائرة أي آمالٍ للخرق في ظلّ القانون الأكثري. أمّا اليوم، فيمكن لأخصام هذا التحالف ــ في حال ائتلافهم ــ الحصول على ما يعادل «حاصلاً انتخابياً» واحداً (الحد الأدنى المطلوب للفوز بمقعد)، أي نحو 21 ألف صوت من أصل 235 ألف مقترع متوقّع، على ما تقدّره دراسة أعدّتها «الدولية للمعلومات»، فيما ترجّح ماكينات الأحزاب في الدائرة أن يتعدّى الحاصل الانتخابي الـ 24 ألفاً، بما يمنع أي لائحة مناوئة من الحصول على حاصل انتخابي. وفي حال إمكانية الخرق، يرجّح المراقبون أن يحصل في مقاعد قضاء حاصبيا ــ مرجعيون، في ظلّ وجود قوى متعدّدة (الحزب الشيوعي اللبناني وتيار المستقبل والجماعة الإسلامية والتيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية والكتائب) وإن بقدرات متفاوتة، تنوي مواجهة التحالف، فضلاً عن وجود قوى شيعيّة مناوئة لحزب الله وأمل، من ضمنها تلك التي تتلطّى خلف شعارات «المجتمع المدني».
وإذا كان المقعد الدرزي الذي يمثّله النائب أنور الخليل في الدائرة خارج حسابات الخسارة، بسبب وقوع الخليل على نقطة تلاق بين أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، وعدم قدرة النائب طلال أرسلان على فرض الوزير السابق مروان خير الدين مرشّحاً في الدائرة، فإن عين الطامحين تضع المقعدين السّني والأرثوذكسي، كهدفين محتملين لحصول الخرق، في ظلّ حاجة أمل وحزب الله إلى توزيع الأصوات الشيعية التفضيلية في القضاء على مرشحيهما، وزير المال علي حسن خليل والنائب علي فيّاض.
في المرحلة الماضية، لمح الرئيس سعد الحريري أثناء نقاشاته مع ممثّلي حركة أمل إلى استعداده للدخول في تسوية حول المقعد السّني في الدائرة، أي عدم ترشيح تيّار المستقبل سنيّاً في مواجهة هاشم، في مقابل حصول الحريري على مقعد شيعي في دائرة بيروت الثانية. هذا الطرح لم يلق تجاوباً، في ظلّ اقتناع التحالف بالقدرة على الاحتفاظ بالمقعد السّني في حاصبيا ــ مرجعيون، والقدرة على حصد المقعدين الشيعيين في بيروت وأكثر، من دون أي تسوية.
غير أن للمقعد الأرثوذكسي في الدائرة حسابات أخرى، نظراً إلى قاعدة انتشار أصوات الحزب السوري القومي الاجتماعي على كامل مساحة لبنان، وتأثيرها في دائرة الشمال الثالثة. ويجري الحديث في أوساط القوميين عن أن رئيس التيار الوطني الحرّ وزير الخارجية جبران باسيل، يستخدم الضغط على حردان في دائرة الجنوب الثالثة، في مسعىً لدفع القوميين إلى فكّ التحالف مع رئيس تيّار المردة النائب سليمان فرنجية في دائرة بشري ــ زغرتا ــ الكورة ــ البترون، والحصول على أصوات القوميين في البترون. وعلى ما تقول مصادر قوميّة متابعة، فإن باسيل لمّح لحردان إلى أنه في حال تحالُف القوميين مع فرنجية، فإن التيار الوطني الحرّ سيرشّح أرثوذكسياً في دائرة حاصبيا ــ مرجعيون لمواجهة حردان، وتحويل المعركة في الدائرة إلى معركة تستهدف المقعد الأرثوذكسي. في المقابل، تقول مصادر في التيار الوطني الحرّ إن «باسيل ليس في هذا الوارد أبداً، ومعلوماتنا تؤكّد أن مقعد حردان محسوم لمصلحته، والتيار الوطني الحرّ والحزب القومي لم يحسما خياراتهما بعد في ما خصّ الترشيحات والتحالفات، ومن المنتظر أن يتمّ البحث في هذا الأمر خلال الأسبوع الحالي».
مصادر قوميّة أخرى تؤكّد لـ«الأخبار» أن «الحزب القومي لا يخطّط لخوض معارك ضد التّيار الوطني الحرّ في لبنان، وهو كان دائماً حليفاً مخلصاً للتيار بعد عام 2005، لكنّ التحالف في دائرة الشمال الثالثة ثابت مع فرنجية، وهو أمر يتعدّى المصلحة الانتخابية إلى اتفاق الطرفين على تحالف استراتيجي قديم ــ جديد». وتؤكّد المصادر أنها تفضل «تحالفاً عريضاً في دائرة الشمال، يجمع التيار الوطني الحر وفرنجية والحزب القومي في لائحة واحدة بدل التشظّي بلوائح متقابلة». بدورها، تؤكّد مصادر في التيار الوطني الحرّ أن «استراتيجية التيار تعمل على التحالف مع أفرقاء مختلفين في كلّ دائرة على حدة بما يؤمّن المصلحة الانتخابية، ونعتقد أن القوميين يعملون على ذات القاعدة».
ولا تخفي مصادر القوميين عتبها على باسيل الذي «يتعامل معنا على قاعدة تحصيل الحاصل». تضيف أنه «حين يريد إثارة العصب المسيحي، يخاصم القوميين في الإعلام، ويشارك في الاحتفال إلى جانب القوات والكتائب في الأشرفية بحكم الإعدام الصادر بحقّ حبيب الشرتوني ويحرجنا بمواقف طائفية، وحين يريد أصوات القوميين يلجأ إليهم من دون أن يقدّم أي مكسب». ويقارن القوميون بين طريقة تعامل باسيل وطريقة تعامل فرنجية، فالأخير «حليف ثابت لا يطلق مواقف طائفية ويتوافق معنا في مسألة الصراع مع العدو الإسرائيلي، وفي الانتخابات يتعامل مع المرشّح القومي في الكورة كمرشّح أوّل على اللائحة قبل مرشّح المردة»، بينما «التجارب مع التيار الوطني الحرّ ليست مشجّعة دوماً، ولا شيء يضمن قدرة باسيل على تجيير الأصوات التفضيلية لمرشّحنا في الكورة، ولا سيّما أن الانتخابات الفرعية في الكورة (عام 2012) أثبتت أن التيار الوطني الحرّ لم يقم بجهد لدعم مرشّح الحزب، الذي كان يمكن أن ينجح لو عمل التيار على حشد مئات الأصوات لصالحه».
لا يشعر القوميون بالقلق على مقعد حردان في حاصبيا ــ مرجعيون، فالأخير لديه حيثية في القرى المسيحية والدرزية والسنيّة راكمها منذ قيادة منظّمة نسور الزوبعة في المنطقة منتصف السبعينيات في مواجهة العدو الإسرائيلي، وصولاً إلى سنوات التحرير وما بعدها. ويدعم حردان في الدائرة قرار الرئيس نبيه برّي الذي يؤكّد أن «حردان مرشّح على لائحتي وأنا أحمله على كتفَيّ مثل علي خليل والآخرين»، فضلاً عن تأكيد مصادر رفيعة المستوى في 8 آذار أن «مقعد حردان له رمزية خاصة في الدائرة، وحزب الله يتعامل مع المقعد كأحد مقاعد كتلة الوفاء للمقاومة».
ويعوّل تحالف أمل ــ حزب الله في دائرة الجنوب الثالثة، على رفع نسبة الاقتراع بشكل كبير بما يرفع قيمة الحاصل الانتخابي إلى الحدّ الذي يمنع أي لائحة منافسة من الحصول على حاصل انتخابي، فيما يرى القوميون أن الحزب الشيوعي اللبناني لا يمكن أن يدخل في تحالف إلى جانب القوات والكتائب والمستقبل، يستهدف الحزب القومي في هذه المرحلة بالذات، ما يصعّب على أي لائحة مقابلة الفوز بحاصل انتخابي.