كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:
«تَزَوَجَتْ عا مصلحة»، نسمع دائماً هذه الجملة وتعني عندما تهرع المرأة للزواج من رجل بحثاً ليس عن الحب والعاطفة… ولكن عن الراحة المادية من خلال زوج غني وحياة رغيدة، أو الراحة الإجتماعية إذا كانت تعتبر أنّ الزواج فرض إجتماعي حسب تفكير بعض المجتمعات… طبعاً يلعب التكوين الشخصي للمرأة دوراً بارزاً في بحثها عن هذا النوع من الزيجات، بالإضافة إلى تربيتها وتلقينها منذ صغرها أفكاراً تستبدل العاطفة والحب كأساس للزواج بالمال والمصلحة الشخصية. والنتيجة إستغلال تُمارسه المرأة على الرجل. فماذا عن التكوين النفسي للمرأة التي تستغلّ زوجها؟ وكيف يفسّر علم النفس هذه العلاقة الهشّة مع أمرأة لا ترى في زوجها إلّا مصدراً للمال؟
المجتمع العربي إجمالاً، يعتبر الزواج أمراً أساسياً. الكثير من الزيجات القائمة على الاستغلال تعطي انطباعاً ظاهرياً بنجاحها من حيث الشكل والعلاقات الاجتماعية والمناسبات… ولكن إذا دخلنا إلى عمق هذه العائلات ودرسنا العلاقات المختلفة بين أفرادها وخصوصاً بين الزوج والزوجة، ومدى انسجامهما، نلاحظ الفشل الفادح. وهذا النوع من الزواج قد ينهار عاجلاً أم آجلا لأنّ الهدف الرئيس منه هو الاستغلال والمصلحة والمنفعة والأنانية…
مَن تستغلّ زوجها… وتكوينها الشخصي
تفسّر الدكتورة حمدة فرحات، الأستاذة المحاضرة في الجامعة اللبنانية والمتخصصة بعلم النفس المرضي والعيادي والمعالجة النفسية بالموسيقى لـ الجمهورية» أننا «لا نستطيع الكلام بالمطلق عن التكوين النفسي للمرأة، إنما ضمن تحليل إجتماعي – ثقافي لتحديد المعايير الموجودة في المجتمع والتي تندرج ضمنها سلوكيات الأشخاص المنتمين له.
فمجتمعنا الشرقي يحدّد مسؤولية على الرجل تجاه زوجته وأبنائه، ويوجب التبعية والخضوع على المرأة تجاه زوجها. ولكن بعض السيدات يبالغن في مطالبة الرجل وتحميله المسؤولية بشكل يرهق قدرته المادية. هنا نتكلم عن استغلال مادي من المرأة تجاه زوجها. والسبب النفسي لهذا الإستغلال أكان مادياً أو جسدياً أو معنوياً هو قبول المرأة بدورها الخاضع للرجل بشكلٍ واعٍ وقيامها بإستغلاله بشكلٍ غيرِ واعٍ».
وتضيف فرحات: «نسمع الجملة الشهيرة المتداوَلة بين السيدات (يدبر راسه هو زلمة البيت)، وجملة أخرى تصدر أحياناً من الحماة التي تقنع ابنتها بمسامحة زوجها على علاقاته خارج البيت (المهم انه عم يرجع عشية عالبيت ومش منقص شي).
وتتربّى الفتاة منذ صغرها على فكرة أنه سيأتي ذلك الفارس ذات يوم ويحملها على حصانه ويحقق لها جميع أحلامها، فتنشأ هذه الفتاة بعيدة كل البعد عن ضرورة تحقيق ذاتها بهدف الاستقلالية وخدمة المجتمع، ولو حصل ذلك يُحسب من الكماليات أو يُعتبر زيادة على دورها وهي ليست مجبرة على تحقيقه، ومن هنا تتكوّن لديها شخصية تابعة واعتمادية ونرجسية مرتفعة خصوصاً قبل الأمومة.
وربما تمتدّ الى ما بعدها عبر التفاخر بالمظاهر الاجتماعية من خلال الملبس والمسكن والسفر وتعليم الأولاد في مدارس معروفة بغلوّ أقساطها… كل ذلك بشكل مبالغ فيه بقصد التفوّق الاجتماعي والنخبوية على حساب الزوج. كما نجد الكثير من السيدات المتزوّجات من رجال غير مناسبين خصوصاً في الأعمار، فترضى بزوج يكبرها كثيراً شرط أن يكون غنياً ومعروفاً، حتى إنها تقايض رغبته الجنسية بها بمطالبها وهذا شائع في مجتمعاتنا للأسف الشديد».
نظرة علم النفس لعلاقة الرجل بامراة تستغلّه
يرى علم النفس أنّ الزواج علاقة مشاركة واحترام ومحبة متبادَلة. في حالة الاستغلال وخصوصاً لدى معرفة الرجل به وقبوله، يبرز تواطؤٌ ضمني تبادلي، يكون بسبب وجود نقص ما عند الرجل وخصوصاً إذا كانت زوجته جميلة ومحطّ الأنظار، ما يدلّ على ضعفه وخوفه من هجرها له.
وربما كان قبوله باستغلالها له انحرافاً نفسيّاً أو مازوشيّاً، بغض النظر عن أنه من الممكن أن يتقبّل ذلك مقابل إشباع رغباته الجنسية أو التعويض عن نقصه عبر التباهي بها اجتماعياً أو مقابل سكوتها عن عجزه الجنسي أحياناً…
وتفسّر المعالجة النفسية، د. فرحات: «في حالة الإستغلال في العلاقة الزوجية، يكون الزواج عبارة عن علاقة انتفاعية متبادَلة. واستغلال الزوجة هنا يكون إلى اقصى حدّ أي إنها تستفيد بما أوتيت الى ذلك سبيلاً، ونجد أحياناً تراكم الديون والقروض غير المبرّرة بسبب اقتنائها لما هو ثمين بغية التباهي والظهور الاجتماعي على حساب الزوج.
والرجل المتوازن نفسياً لا يقبل بهذا الاستغلال بالطبع، لذا علينا البحث في الأسباب العميقة في حال قبوله فربما كانت نفسيّة تعود إلى الطفولة أو تعبّر عن قلقه من الانفصال أو عن أسباب اجتماعية أو غير ذلك… فلكل زوج يخضع للاستغلال أسبابه الخاصة بتكوينه النفسي والاجتماعي والعلائقي».
كيف يمكن للرجل التنبّه للمرأة الاستغلالية؟
تؤكد د. فرحات بأنّ «المرأة الإستغلالية هي التي تتبع أساليب ملتوية للوصول إلى الرجل والحصول على إعجابه، وعلى الأرجح هي لا تعتمد على نفسها وليست لها أهداف إنسانية أو اجتماعية انما تركّز على أهدافها الشخصية فقط، وتهتم بكل ما يتعلّق بذلك عند الرجل.
مثلاً، هي لا تشجّعه على تحقيق أهداف غير ربحية، كما تهتم بكل ما يخدم مصلحتها الخاصة فقط، وربما تلعب أدواراً غير مناسبة وقد تكون على علاقة برجل آخر في الوقت نفسه. فهكذا نساء لا يهمهنّ إلّا الوصول الى الترف ولو على حساب بعض القيَم».
ودور العلاج النفسي…
إذا أراد الزوج إنقاذ زواجه يستطيع نصح زوجته بالبحث عن أسباب سلوكها الانتفاعي والاستغلالي، فربما كانت تبحث عن ما هو مفقود لديها. وربما تعوّض الزوجة بهذه الطريقة عن حبّ وحرمان قديمين أو أنها عانت مشكلة في طفولتها تتعلّق بالوضع الاقتصادي، وغيرها من أسباب قد تجد لها حلّاً عند المعالج النفسي لتنقذَ زواجها وعائلتها.
وتعتبر الدكتورة فرحات بأنّ «الطرق المرتكزة على التحليل النفسي مهمّة جداً بحثاً عن الأسباب، كما أنّ العلاج السلوكي المعرفي مهمّ لإيجاد طرق وأساليب تعلّم الزوجة المستغِلّة كيفية التعامل مع الزوج واكتشاف ماهو ذو قيمة حقيقية في الحياة ألا وهو الحب. والعلاج بالموسيقى مناسب جداً كونه يرتكز على التحليل النفسي والعلاج السلوكي المعرفي والتبادل، فيساهم في إعادة تشكيل البنية الشخصية بشكل صحيح وإعادة تصحيح وموضعة العلاقة الزوجية».