Site icon IMLebanon

موسم الرشوة الانتخابية: “الأنصار” أولاً!

كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”:

على جدول أعمال مجلس الوزراء، اليوم، بند يتعلق بطلب «نادي الأنصار» إعفاءه من الرسوم البلدية. إقرار مثل هذا الطلب يعدّ بمثابة «رشوة» انتخابية تفتح شهيّة مئات النوادي لنيل إعفاءات مماثلة بواسطة نفوذها السياسي وتصنيفها الطائفي والمناطقي، وهو ما يفوّت إيرادات كبيرة على البلديات؛ أبرزها بلديتا برج البراجنة والغبيري اللتان تستضيفان نوادي كبيرة تحاول التهرّب من تسديد الرسوم البلدية.

«بهدف إعفاء نادي الغولف من الرسوم البلدية، ستُعفى مئات النوادي المنتشرة على الأراضي اللبنانية. هذا هو فحوى طلب نادي الأنصار المدرج على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء غداً (اليوم)، وهو طلب خطير يرتّب تداعيات كبيرة على البلديات المعنية». هكذا علّق رئيس بلدية برج البراجنة عاطف منصور على طلب «نادي الأنصار» إعفاءه من الرسوم البلدية على القيمة التأجيرية للمساحات التي يشغلها على العقار 1252 الواقع ضمن نطاق بلدية البرج، مشيراً إلى أن «إعفاء نادي الأنصار ليس سوى مدخل لإعفاء مئات النوادي التي تستفيد من غطاء سياسي وطائفي توفّره الأحزاب السياسية».

وبحسب الملف المعروض على مجلس الوزراء، رفع النادي طلباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء في 9 كانون الأول 2016 بعنوان «طلب إعفاء من الرسوم البلدية على القيمة التأجيرية». ويستند الطلب إلى البند الرابع من المادة 13 من القانون 60/88 المتعلق بإعفاء المؤسسات التي لا تتوخى الربح من الرسم على القيمة التأجيرية، وهي تنصّ على الآتي: «يعفى من الرسم على القيمة التأجيرية المؤسسات التي لا تتوخى الربح، على أن تحدد هذه المؤسسات بقرار يصدر عن مجلس الوزراء».

وبرّر النادي تصنيفه ضمن «المؤسسات التي لا تتوخى الربح» بـ«فلسفة مبتكرة» تربط بين الثقافة وكرة القدم، إذ إن «لعبة كرة القدم تحتاج إلى ثقافة فكرية، إضافة إلى قوة بدنية، لذا أدرجنا في نظامنا الداخلي أفكاراً وبرنامجاً يتعلق ببث الروح العلمية والثقافية وإطلاق مجلّة شهرية أو فصلية تتناول موضوعاتها ثقافة كرة القدم والابتعاد عن المخدرات والعنصرية والطائفية وتناول المنشطات والابتعاد عن العنف والاعتداء على المنشآت الرياضية…». بناء على ذلك، أجرى النادي تغييراً في لائحة أهدافه كجمعية رياضية، وضمّن نظامه الداخلي مواد ثقافية ليصبح اسمه «نادي الانصار الرياضي الثقافي»!

وفي تفاصيل الطلب، أن ملعب النادي يقع ضمن نطاق بلدية برج البراجنة «التي أصدرت تكليفاً مالياً يُلزمنا بدفع مبالغ مالية طائلة لا قدرة لنا على تحمّلها»، علماً بأن «الملعب مخصص للتدريب»، وأن «تعليم مبادئ لعبة كرة القدم للناشئة لا يعود على النادي بأي أموال أو أرباح مادية»، لا بل إنه «لا يدفع أي بدل مادي على المأجور لأن المالك سمح له باستخدام العقار مجاناً». وتضيف «فذلكة» الطلب أن تكليف النادي بأعباء مالية ضخمة يؤدي إلى إقفاله، لافتاً إلى أن هناك «إعفاءات استفادت منها جمعيات مماثلة تعنى بشؤون ثقافية واجتماعية وسواها».

وكان النادي أخفق في إثبات قيامه بأعمال اجتماعية وصحية وثقافية تضعه في خانة «المؤسسات التي لا تتوخى الربح». فقد أحيل ملف النادي، بموجب كتاب صادر عن مجلس الوزراء رقم 1817/ص، إلى وزارة الشؤون الاجتماعية التي كشفت ميدانياً على النادي بواسطة مساعدتين اجتماعيتين أوضحتا في تقريرهما أن للنادي تاريخاً مميزاً، وهو لا يستوفي من فرق الأطفال والشباب أي بدل مادي، «إلا أنه في المقابل لا ينفّذ أي نشاط اجتماعي». وزاد التقرير على ذلك أن النادي أقفل «المركز الصحي التابع له، ووارداته تستوفى من اشتراكات الأعضاء ومن مردود الدورات الرياضية»، وبالتالي «نقترح عدم الموافقة على الطلب».

وبناء على التقرير، خاطب وزير الشؤون الاجتماعية بيار بوعاصي وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، في الأول من آب 2017، مؤكداً له أن «التقرير السنوي والتقرير المالي المقدمين من الجمعية (نادي الأنصار) يبيّنان أن مجمل النشاطات تنحصر في القضايا الرياضية دونما القضايا الاجتماعية والصحية»، موضحاً أن «الأصل هو الخضوع للضرائب والرسوم، والاستثناء هو الإعفاء منها، لذلك فإننا نرى عدم الاستجابة لطلب الجمعية لجهة إعفائها من الرسوم البلدية».

القرار المناسب!

أعاد وزير الداخلية الملف إلى مجلس الوزراء «لاتخاذ القرار المناسب» تاركاً للسلطة السياسية مسألة بتّ الملف وفقاً لأهوائها على الأغلب، وليس وفقاً للقانون، ما أثار مخاوف عدد من البلديات المعنية، لأن انطلاق موسم الانتخابات النيابية خلال أسابيع «قد يفتح بازاراً من المحاصصة الطائفية والسياسية». إذ أن كلاً من النوادي الرياضية يخضع لتغطية سياسية، وكل منها محسوب على طائفة ما، خلافاً للطبيعة الرياضية. وبالتالي، فإن حصول أحدها على إعفاء سيستوجب، حكماً، سعي النوادي الأخرى الى الحذو حذوه، مما سيخفض إيرادات عدد كبير من البلديات، خصوصاً أن النوادي الرياضية التي يمكن أن تعيد «تدوير» غاياتها وأهدافها بشكل ثقافي، منتشرة كالفطر.

أبرز آثار مثل هذا البازار واضح للعيان في بلديتي برج البراجنة والغبيري. فالأولى تقع في نطاقها مباشرة نواد عدة من بينها «الأنصار» و«العهد» و«النهضة» و«هوبس» وغيرها. ويلفت منصور إلى أن «هناك نوادي رياضية كثيرة مثل نوادي الشطرنج ونوادي العلاج الفيزيائي ونوادي البلياردو وغيرها ستطلب بالمعاملة بالمثل في حال استجابت الحكومة لطلب الأنصار. وبحجة هذا الإعفاء، ستكون هناك مئات الإعفاءات لنوادٍ تملك مداخيل مالية وغطاء حزبياً». والهدف من ذلك كلّه «ترتيب إعفاء لنادي الغولف الذي تتوجب عليه رسوم كبيرة لبلدية الغبيري».

تكريس الإعفاءات يثير أيضاً قلق رئيس بلدية الغبيري معن الخليل الذي يوافق على أن الهدف من إمرار هذا الملف في مجلس الوزراء يتعلق بنادي الغولف الذي «سدّد قسماً من الرسوم المتوجبة عليه عن السنوات الماضية بعد سجال معه لسنوات ادعى خلالها أنه مؤسّسة لا تتوخى الربح، من دون أن يتمكن من إبراز أي مستند يثبت ذلك. علماً أنه لم يدفع الرسوم البلدية عن عام 2017». صدور قرار لمصلحة نادي الأنصار، في رأي الخليل، «سيتبعه صدور قرار سريع ومماثل لنادي الغولف الذي يحقق إيرادات كبيرة، شأنه شأن النوادي الأخرى التي تحقق مداخيل رياضية من الدورات الرياضية وبيع التذاكر لحضور المباريات وتأجير الملاعب».