كتبت صحيفة “العرب” اللندنية:
كانت الخبيرتان في مجال الطاقة والبيئة فاليري مارسيل وجسيكا عبيد قد حذرتا في دراسة صدرت عن معهد “تشاتام هاوس″، ونشرت “العرب” بعضا من تفاصيلها من “الإفراط في التبشير بالثروة النفطية بما قد يتحول إلى نقمة على لبنان“، حيث يمكن أن تصطدم تقارير الخبراء مع واقع الحال السياسي.
ويعتبر دبلوماسيون غربيون في العاصمة اللبنانية أنه منذ أن وقعت الحكومة اللبنانية على قرار تلزيم رقعتين داخل المياه الإقليمية لاستكشاف النفط والغاز، دخل البلد في دائرة بلدان النفط بما يستلزم ذلك من تعامل دولي رفيع ويقوي من الغطاء الدولي لعدم العبث بأمن وسلامة واستقرار هذا البلد.
وتدعو التطورات إلى قراءة التفاصيل المتعلقة بالانتخابات التشريعية المقبلة كما التّسويات الجاري إنتاجها في سوريا من بوابة دخول لبنان عصر النفط.
وفيما يكثر الضجيج الداخلي حول مستقبل هذا القطاع تكشف المعلومات أن غرفا دولية عليا تتابع التنسيق بين بيروت وتل أبيب ونيقوسيا وعواصم أخرى لتسهيل عمليات التنقيب والإنتاج على نحو قد يغيّر خرائط تجارة النفط في العالم، وأن الأمم المتحدة تنشط بهدوء لإيجاد اتفاق بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين لما لذلك من تداعيات على إطلاق عمليات التنقيب في الحقول اللبنانية المحاذية لإسرائيل.
وتتمسّك الولايات المتحدة بمنح لبنان معونات عسكرية للجيش على الرغم من تقييمها لدور حزب الله في البلاد وعلى الرغم من تقارير إسرائيلية تحدثت عن اختراق الحزب للمؤسسة العسكرية اللبنانية.
ويؤطّر خبراء في الشؤون الاستراتيجية هذا الموقف ضمن مساعي واشنطن والعواصم الغربية لإرساء استقرار في لبنان لتوفير الظروف الملائمة لتحضير البلد لمرحلة الإنتاج النفطي.
ويدعو الخبراء إلى تأمل مشهد الدول التي تنتمي إليها الشركات التي ستعمل بالقطاع النفطي اللبناني لإدراك مصالح هذه الدول المقبلة في هذا القطاع.
فالمجموعة تضم روسيا إلى جانب دول كإيطاليا وفرنسا التي لها مصلحة في السلم في هذا البلد، ناهيك عن أن البلدين الأخيرين هما جزء من قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة والمرابطة في جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل.
وما يخرج عن قرارات الحكومة اللبنانية يكشف أن نخبة الحكم توافقت بعد جدل عقيم على صيغة لتقسيم مواقع النفط والغاز في المنطقة البحرية على طول الساحل اللبناني، وذلك على أسس سياسية وجغرافية وطائفية. والواضح أن الصفقة السياسية التي أتت بالجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية تخصّبت في حواشيها باتفاقات ضمنية طالت قطاع النفط الواعد.
وفازت مجموعة الشركات التي تضم شركة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية في جولة التراخيص الأولى. واقتصرت العروض على رقعتين فقط، بما في ذلك الرقعة رقم 9 في جنوب لبنان بالقرب من المنطقة الاقتصادية الإسرائيلية.
وستوقع الحكومة اللبنانية اتفاقية للاستكشاف والإنتاج مع مجموعة الشركات في نهاية شهر يناير الجاري. ويتوقع الخبراء أن تبدأ عمليات الاستكشاف والتنقيب في منتصف عام 2019 على أن يبدأ الإنتاج بحسب التوقعات بين عامي 2021 و2022.
غير أن تقارير خبراء النفط في جانبها التقني تصطدم مع واقع الحال السياسي في لبنان كما في المنطقة لا سيما في سوريا. ويلحظ هؤلاء أن أزمة الانقسام الداخلي التي يعبّر عن جانب منها هذه الأيام السجّال الدائر حول مرسوم ضباط “دورة عون”، كما مستقبل المشهد السياسي بعد الانتخابات في مايو المقبل إضافة إلى احتمالات الحرب بين إسرائيل وحزب الله تهدد أي خطط وتنسف أي توقعات رصينة تتعلق بمستقبل قطاع النفط.
ويخشى المتفائلون داخل قطاع النفط من الخلاف بين الرئاسيتين الأولى والثانية المرتبط بشخصي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري. وتقول بعض المصادر إن رئيس الجمهور يخطط للتمسك بربط عمليات الاستكشاف بوزارة الطاقة التي تداول على إدارتها وزراء قريبون أو ينتمون إلى التيار الوطني الحر الذي يتزعمه، فيما نقل أن بري يدعو إلى إنشاء مؤسسات موارية أو بديلة تتيح له الإمساك بهذا الملف.
ووفق توجهات الحكم العامة فإن برلمان ما بعد الانتخابات الذي سيكمل مدته الدستورية بعد أربع سنوات على نحو من المتوقع أن يتصادف مع موعد انتهاء عمليات الاستكشاف عام 2022، سيناقش مسألة إنشاء صندوق متعلق بمداخيل النفط وإدارة استثماراته.
وفيما تشارك وزارة المالية التي يديرها علي حسن خليل، القريب من بري، في إدارة الجانب المالي من عمليات الاستكشاف، تتولى وزارة الطاقة التي يديرها سيزار أبي خليل، القريب من عون، الجانب التقني بالتعاون مع هيئة استشارية تم تعيين أعضائها وفق محاصصة سياسية وطائفية. وأي تبدّل في الخارطة السياسية كما في طبيعة العلاقة بين الرؤساء الثلاثة سيتداعى سلبا أو إيجابا على ملف النفط في البلاد.
وقال وزير الطاقة اللبناني لشرح قرار تلزيم الرقعتين 4 و9 إن الحكومة تتوقع الحصول على ما بين 55 بالمئة و71 بالمئة من إيرادات يخطط اتحاد الشركات الأجنبية للتنقيب فيهما عن النفط والغاز الطبيعي.
وأضاف أنه بناء على العرض، فإن الدولة ستحصل على ما يقدر بنحو 56 بالمئة إلى 71 بالمئة من إيرادات الرقعة البحرية رقم أربعة و55 بالمئة إلى 63 بالمئة من الرقعة رقم تسعة. وقال أبي خليل إن بإمكان الكونسورتيوم حفر خمس آبار في كل رقعة.
تضيف مسألة التنقيب عن النفط ملفا جديدا من التوتر بين لبنان وإسرائيل على خلفية تداخل حقول الغاز والنفط في غياب ترسيم رسمي للحدود البحرية بين البلدين.
وسيتيح هذا الملف لحزب الله زيادة تبريراته للاحتفاظ بالسلاح والشكل الميليشياوي المستقل لقواته بحجة الدفاع عن ثروة لبنان النفطية من المخاطر الإسرائيلية. والظاهر أن تحرك الأمم المتحدة في هذا الإطار يهدف إلى سحب هذا العامل من التداول وإيجاد صيغة قانونية دولية لتحديد حصة البلدين.
وتتحدث التوقعات عن وجود كمّيات وفيرة من النفط والغاز في الحقول الجنوبية المحاذية للمياه الإقليمية الإسرائيلية ما من شأنه تسعير الموقف بين بيروت وتل أبيب وما من شأنه أيضا تعطيل عمليات الإنتاج لاحقا. وتقدمت إسرائيل في عمليات الإنتاج على النحو الذي يهدد حصة لبنان.
ويدور نزاع حول الحدود البحرية التي لم يشملها ما يطلق عليه بالخط الأزرق الذي تم ترسيمه في عام 2000 بين لبنان وإسرائيل، والممتد من مزارع شبعا إلى الناقورة، فيما لم تنجح الجهود في حل هذا النزاع الذي قد ينفجر ليتسبب بحرب سببها هذه المرة نفطي.
على هذا تتخذ المداولات حول هذا الأمر بعدا ميدانيا، بحيث يتم ذلك بين قادة عسكريين من لبنان وإسرائيل واليونيفيل لمناقشة ترسيم ما يعرف بالخط الأزرق البحري، فيما تضغط واشنطن لتأجيل الاستكشاف والإنتاج داخل الرقعة الحدودية المتنازع عليها.
ووضع لبنان تحت المجهر الدولي منذ التقارير الأولى التي تسرّبت عن شركات نفطية كبرى تحدثت عن مخزونات نفطية في المياه اللبنانية وعن أخرى لم يتم الكشف عنها داخل اليابسة.
ولا تتعلق التغطية الدولية للبنان بالضرورة بالوفورات النفطية المحتملة في لبنان فذلك غير محدد حتى الآن، بل لكون لبنان هو جزء من شبكة إنتاج نفطية يجب أن تتكامل لتشمل سوريا وإسرائيل وقبرص وتمتد إلى الاكتشافات الحديثة داخل مصر. وجانب كبير من أسباب الحرب المندلعة في سوريا منذ سبع سنين، مرتبط بشبكات إمدادات الغاز كما بالصراعات بين الدول الكبرى للسيطرة على مسالك النفط والغاز في العالم.
ويلفت المراقبون إلى أن تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحل أزمة استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بمشاركة مصر، وتعريج الحريري على قبرص قبل عودته إلى بيروت، يرتبط بتفاهمات على علاقة مباشرة بالملف النفطي في المنطقة.
كما يلفت هؤلاء إلى ضرورة مراقبة التحولات الجارية في المنطقة بما فيها تلك التي سيتأثر بها لبنان ووضعها داخل إطار منظار جيواستراتيجي يحدد خرائط جديدة لسوق الطاقة في العالم.