كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
رغم كل المساعي المبذولة لإجراء بعض التعديلات على بنود من قانون الإنتخاب فإنّ هناك إجماعاً على استحالة مثل هذه الخطوة في ظل الظروف السياسية الصعبة والمهل الدستورية القصيرة الفاصلة عن موعد فتح صناديق الإقتراع في 6 ايار المقبل. لكن ذلك ممكن إذا كان هناك قرار بتطيير الإنتخابات. كيف ولماذا؟
بالعودة الى الأيام القليلة التي تلت إقرار قانون الإنتخاب الجديد رقم 44 الصادر بتاريخ 17 حزيران 2017 لا يلاقي المراقبون صعوبةً في إحصاء المحاولات الحثيثة التي قام بها البعض من أجل تعديل بعض المواد في هذا القانون دون جدوى.
فعلى رغم صوابية الدعوة الى بعض التعديلات برأي خبراء في القوانين الإنتخابية والقانون والدستور، فقد حالت المناكفات السياسية التي شهدتها البلاد منذ تلك المرحلة دون التفاهم على هذه التعديلات.
ورغم التلاقي في رغبات بعض الأطراف المؤثرة في مسيرة العهد والحكومة من أجل إجراء تعديلات وُصفت بأنها أساسية وجوهرية عدا عمّا هو شكلي منها، فلم تجمع القوى كاملة على ما هو مطروح من سلّة التعديلات فإذا تلاقت على البعض منها جزمت باستحالة أخرى وهو ما أدّى الى إمرار الوقت دون أن تخطو هذه المشاريع أيّ خطوة نحو المبتغى منها.
وعليه فقد أشار مراقبون رافقوا المفاوضات التي جرت في السرّ والعلن من اجل التوصّل الى إجراء هذه التعديلات أنّ مَن وافق على إعادة النظر باعتماد الصوت التفضيلي في الدائرة الصغرى «القديمة» ورفعه الى صوتين فيها، أو العودة الى اعتماده على اساس الدائرة الكبرى «الجديدة» اصطدم بمشروع آخر يقول اصحابه بضرورة إعادة النظر بالدوائر الخمسة عشر الإنتخابية.
وفي الوقت الذي شدّد أصحاب الدعوة على إعادة النظر بالصوت التفضيلي الواحد واستبداله بصوتين سواءٌ على مستوى الدائرة الصغرى أو الكبرى منعاً للشروخ المتوقّعة من ضمن اللائحة الإنتخابية الواحدة توصّلاً الى دقّ إسفين في العلاقة بين الأخ وأخيه. ردّ أصحاب الدعوة الى إعادة النظر بالدوائر المستحدثة الخمسة عشر بالطعن في شكلها وحجمها ولفقدان المساواة والحدّ الأدنى من العدالة بين المرشحين في السباق الى ساحة النجمة.
فلا يصل نواب الى المجلس بأقل من عشرة آلاف صوت فيما يحتاج آخرون الى عشرات الألوف للفوز وهو أمر يعني فرض المزيد من التكاليف على مرشحين في دوائر معيّنة مقارنةً بدوائر أخرى بشكل لا يقبل أيّ مقارنة منطقية وعادلة ومتوازنة.
وما بين الطرحَين لا ينسى المراقبون مطالبة فريق ثالث بإعادة النظر بالتركيبة المذهبية لتوزّع نوابها في بعض اللوائح الإنتخابية في بعض الدوائر الصغرى. ذلك أنّ التوزيع الجديد للدوائر وتكبيرها والفصل بين بعض الأقضية ونقل أجزاء منها من دائرة الى أخرى بعد تجزئتها أنهى التمثيل الصحيح لمجموعات مسيحية وإسلامية مارونية وكاثوليكية وسنّية وشيعية كما حصل في الجنوب والزهراني وطرابلس – الضنية جعل مجموعة آلاف من الأصوات المذهبيّة بدون نواب يمثلونهم من مذاهبهم وطوائفهم.
وبمعزل عن المحاولات الفاشلة لمعالجة هذه الملاحظات التي اعتُبرت عيوباً جوهرية وشكليّة في آن عبرت الأشهر الفاصلة بين إقرار القانون والمرحلة الأخيرة التي رغب بها رئيس «التيار الوطني الحر» مدعوماً من تيار «المستقبل» وقوى اخرى متفرّقة بتمديد فترة تسجيل المغتربين الى منتصف شباط المقبل للسماح للمغتربين – الذين قال إنهم لم يكونوا مقتنعين بإمكان إجراء الإنتخابات في لبنان وبلاد الإغتراب ولم يتسجّلوا من ضمن المهلة السابقة – كانت الظروف السياسية قد تعقّدت واندلعت مواجهة عنيفة بين بعبدا وعين التينة حول مرسوم الأقدمية لضباط دورة العام 94 فزادت من تصلّب وزراء «أمل» و«حزب الله» و«الإشتراكي» و«القومي السوري» وآخرين في رفضهم للمشروع وهو ما أدّى الى تأجيل البتّ باقتراح باسيل من جلسة أمس الأول الخميس الى اجتماع للجنة الوزراية في اجتماعها المقبل الذي قد يكون الإثنين المقبل.
وامام هذه الخطوة التي جنّبت الحكومة ازمةً كانت متوقعة في جلستها الأخيرة فقد فتحت الباب واسعاً امام توقعات باستحالة المضي في اقتراح التمديد لتسجيل المغتربين إذا مرّ في اللجنة الوزارية رغم صعوبة الخطوة، لأسباب متعددة وأبرزها:
- عدم وجود دورة عادية لمجلس النواب لتعديل القانون وانتظار الدورة المقبلة يفرض التريّث حتى مطلع آذار المقبل فتنتفي الحاجة الى مهلة التمديد وقد تمّ تجاوز الفترة المقترحة واقترب موعد فتح صناديق الإقتراع في نيسان المقبل.
- إستحالة التفاهم على فتح دورة استثنائية بفعل الخلاف القائم بين بعبدا وعين التينة من أجل البتّ بالتعديل وقد كشف الرئيس بري عن استحالة فتح ابواب المجلس امام المشروع. علماً أنّ أيّ دورة استثنائية في هذا التوقيت بالذات ستكون إن فُتحت بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية مخصّصة للبحث في الموازنة العامة كما يقول به الدستور ولا يحقّ لمجلس النواب عندها البحث بأيّ شأن آخر. وبذلك تمرّ الفترة المقترَحة للتمديد مرة أخرى قبل البتّ بدستوريّتها فتنتفي الحاجة الى التعديل تلقائياً.
وعليه لا يهمل المراقبون، أنه ومع احتساب أنّ أعضاء اللجنة الوزارية المدعوّة للبتّ بالتعديل المقترح لمهلة التسجيل في المغتربات من قبل باسيل بعد إحالة الموضوع اليها مجدداً، منقسمون أصلاً بين موافق ورافض للفكرة من اساسها وكاد الخلاف أن ينهي مهمّتها في آخر اجتماع لها قبل رفع الخلاف الى مجلس الوزراء.
وهنا يطرح السؤال: هل من دافع أو سبب مفاجئ يمكن أن يحصل ويؤدّي الى تغيير المواقف ممّا هو مقترَح في ما الظروف توحي بأنّ الخلاف الى تصاعد وهو ما يحول دون توافق اللجنة على الإقتراح فيسقط بالضربة القاضية مرة اخرى.
وبناءً على ما تقدّم، ومن دون الدخول في الكثير من التفاصيل فإنّ دون فكرة التمديد المقترَحة عقبات دستورية وسياسية تفوق علوّ الجبال وهو ما ستثبته الأيام المقبلة. وإلّا سيصحّ القول إنّ فتح باب التعديلات في قانون الإنتخاب سيكون المعبر الرئيس والسريع الى تأجيل الإنتخابات والتمديد للمجلس مرة ثاثلة.
وسيثبت عندها ايضاً أنّ كل ما يجري مجرد ألاعيب في عملية توزيع أدوار مدروسة عجز عنها المخرجون المسرحيّون وقد شهد اللبنانيون على مثيلات منها ولن تكون خطة مستغرَبة ولا مستحيلة.