كتبت بولا أسطيح في صحيفة “الشرق الأوسط”:
لم تشهد العلاقة بين «التيار الوطني الحر» الذي يرأسه وزير الخارجية جبران باسيل و«تيار المردة» الذي يرأسه النائب سليمان فرنجية، التراجع والتردي اللذين يسيطران عليها حالياً. فالطرفان اللذان كانا يعتبران نفسيهما «حليفين استراتيجيين» منذ العام 2006 وصلا حالياً إلى حدود الخصومة المطلقة، بغياب أي مؤشرات لرأب الصدع بينهما.
وأعادت إطلالة فرنجية التلفزيونية مساء الخميس نكأ الجراح بعد مرحلة من التهدئة الإعلامية والمراوحة التي طبعت أحوال العلاقة بين الطرفين. إذ شنّ رئيس «المردة» حملة عنيفة على باسيل، متحدثاً عن «خلاف واختلاف مع التيار الوطني الحر، كونه يريد إلغاء الآخرين والهيمنة على الساحة المسيحية»، لافتاً أيضا إلى «تعاطٍ ديكتاتوري حالياً في التيار». وأشار فرنجية إلى أن «الفرق بين العماد عون ومن حوله هو أن الرئيس كان يعتبر نفسه ملك الشعب، أما من حوله فيعتبرون الشعب ملكهم». وفيما قطع فرنجية الطريق على أي تحالف انتخابي مع «الوطني الحر»، معتبراً أن «لا مصلحة انتخابية ولا ود لقيام تحالف معه»، أكد أن «المشكلة ليست مع عون بل مع من حوله، وأن هذا العهد بنى مشروعه السياسي قبل وصوله إلى السلطة على اتهام كل العهود السابقة بالفساد».
وردت مصادر قيادية في «التيار الوطني الحر» عبر «الشرق الأوسط» على فرنجية، معتبرة أنه بإطلالاته الأخيرة «لم يترك للصلح مكان كما أنه قطع شعرة معاوية معنا»، لافتة إلى أن «كل المواقف التي أطلقها تبين أنها تنم عن حقد شخصي باعتبار أنه لم يتحدث بالسياسة بقدر ما تحدث بصفات الوزير باسيل». وأشارت المصادر إلى أن فرنجية جاء ليؤكد مرة جديدة أن «لا أمل بتحسين العلاقات بين الحزبين، حتى أنّه قام بخدمة نشكره عليها لجهة أنه كشف للوسطاء ولكل الراغبين بجمعنا مجدداً أن هو من يتحمل مسؤولية ما وصلت إليه الأمور وليس نحن، باعتبار أن الوزير باسيل أبلغ هؤلاء الوسطاء أكثر من مرة ألا مانع لديه باللقاء مع أي كان وأن بابه دائما مفتوح». واعتبرت المصادر أن «ما ورد على لسان فرنجية يُخالف تماما الإيجابية والانفتاح اللذين لطالما عبرنا عنهما».
كذلك اندلع سجال بين وزير العدل سليم جريصاتي، عضو «تكتل التغيير والإصلاح» الذي يرأسه باسيل، ومسؤول الإعلام في «تيار المردة» المحامي سليمان فرنجية. ففيما قال الأول إن «لغة التخاطب عند النائب سليمان فرنجية، نحن لا نجيدها والآن يعرف الجميع لماذا اخترنا جبران قائداً لمسيرتنا في ظل فخامة الرئيس القوي»، رد الثاني: «من لا يجيد الوفاء لا يجيد لغة سليمان فرنجية أما مسيرتك التي تعدد اختيارك لقائدها، فحدّث ولا حرج وبالطبع هكذا مسيرة تحتاج هكذا قائداً». وساءت العلاقة بين «الوطني الحر» و«تيار المردة» منذ مرحلة الانتخابات الرئاسية وتنافس رئيسي التيارين على موقع الرئاسة الأولى، إلا أنه وبدل عودة العلاقة إلى طبيعتها بعد انتهاء السباق الرئاسي، اتسعت الهوة بينهما مع مرور الأشهر، خصوصاً مع تقارب «الوطني الحر» – «القوات». ولم ينجح طرفا «المردة» و«القوات»، واللذان كانت بينهما عداوة تاريخية تعود إلى أيام الحرب الأهلية، بالتوصل إلى أي تفاهمات رغم اجتماعات عقدها مسؤولون في الحزبين، اعتبرها «التيار الوطني الحر» بمثابة رسالة من بنشعي، مقر إقامة فرنجية، إلى بعبدا، مقر رئاسة الجمهورية.
وقبل 4 أشهر على موعد الانتخابات النيابية، لا يزال التشتت والتشرذم سيدي الموقف في الساحة المسيحية، باعتبار أنه ورغم محاولات «القوات» و«التيار الوطني الحر» إحياء التفاهم بينهما، لا يبدو أن لهما مصلحة بخوض الانتخابات على لوائح موحدة. كما أن اتساع الهوة بين «المردة» و«الوطني الحر» يمهد لمعركة شرسة بين الطرفين، وبالتحديد في دائرة البترون – الكورة – زغرتا وبشري، ليبقى حزب «الكتائب» مغرداً خارج سرب السلطة، وباحثاً عن تحالفات مع زعماء مناطقيين ومجموعات المجتمع المدني.