Site icon IMLebanon

“ماكينزي” وإفلاس الطبقة السياسية! (بقلم رولا حداد)

كتبت رولا حداد

ماذا يعني أن يقرّ مجلس الوزراء التعاقد مع شركة “ماكينزي” العالمية لدراسة الوضع المالي والاقتصادي في لبنان ووضع خطة أو اقتراحات للإنقاذ؟

يعني أولاً إعلان فشل الطبقة السياسية في دراسة الوضع المالي بشفافية وبعيداً عن التراشق السياسي، كما يعني فشل هذه الطبقة في إقرار خطة إنقاذية استراتيجة مالياً واقتصادياً للخروج من الحلقة المفرغة نتيجة الغرق في استراتيجة الاستدانة وخدمة الدين من دون أي أفق مالي أو اقتصادي. وهنا لا بدّ من السؤال: أين البرامج الاقتصادية للأحزاب والقوى السياسية والشخصيات، وأين الخبراء الاقتصاديون اللبنانيون الذين لديهم ولماذا لا يضعون مثل الخطة المطلوبة من “ماكينزي”، وخصوصاً أننا على أبواب انتخابات نيابية مفترضة، وبالتالي على الجميع أن يقدموا برامجهم السياسية والاقتصادية المفصّلة التي على أساسها يجب أن يتم الاقتراع لهذا الحزب أو ذاك ولهذه اللائحة أو تلك؟!

وتوقيع الاتفاق مع “ماكينزي” يعني أيضاً أن كل الدراسات السابقة التي دفعت الحكومة المتعاقبة ثمنها ملايين الدولارات ذهبت هباء، سواء لأنها كانت دون المستوى أو غير ذي جدوى، وبالتالي يجب محاسبة من طلبها وأهدر ثمنها من أموال الخزينة والمكلفين اللبنانيين، وسواء أن الحكومات لم تنفذ الاقتراحات الواردة فيها، وهنا من يحاسب الحكومات على تقاعسها؟

تكفي الإشارة الى كل الدراسات التي قدمها وزير الاقتصاد السابق آلان حكيم، إضافة الى الدراسات التي أعدها البنك الدولي، وكل المجهود الذي قام به وزراء مالية أمثال الوزير السابق جهاد أزعور الذي أصبح اليوم مديراً إقليمياً لصندوق النقد الدولي، أم أن “الكنيسة القريبة لا تشفي” كما يقول المثل اللبناني الشائع؟ ولماذا دفع المزيد من الأموال على الدراسات؟ وهل فقدنا الثقة بالاقتصاديين اللبنانيين الذين تستعين بهم كبريات الشركات العالمية؟

والأهم، وإذا سلّمنا جدلاً بضرورة الاعتماد على “ماكينزي”، ثمة أكثر من سؤال يطرح نفسه:

ـ على أي أرقام ستعتمد “ماكينزي” لتقويم الوضع المالي والاقتصادي في لبنان طالما أن أرقامنا الرسمية متضاربة ومتناقضة من دون أن ننسى غياب الأرقام الحقيقية على كل المستويات. فمن يستطيع إعطاءنا رقماً واحداً للدين العام؟ أو للعجز الحقيقي للموازنة من دون تلاعب في الأرقام ونقل مستحقات من سنة الى أخرى؟

ـ وماذا ستفعل الحكومة بأي تقرير سترفعه “ماكينزي” طالما أن لا قدرة على اتخاذ أي قرار اقتصادي فعلي على مستوى الحكومة، وطالما أن هذه الحكومة ستصبح حكومة تصريف أعمال قبل أن تنهي “ماكينزي” تقريرها في خلال 6 أشهر، طالما أن الانتخابات النيابية مقررة في 6 أيار المقبل؟

ـ ولماذا تلتزم الحكومة بتقرير “ماكينزي” طالما أنها لم تلتزم بمقررات مؤتمرات باريس 1 و2 و3 والتي شكلت شروطاً دولية على الدولة اللبنانية وقد التزمت الحكومات المتعاقبة بتنفيذها من دون جدوى؟

ـ وهل نحتاج إلى “عباقرة اقتصاد” لنعرف أن قطاع الكهرباء يشكل المزراب الأول للهدر والعجز في الموازنة، والمسبب الأول للدين العام بفعل إنفاق ما لا يقل عن 35 مليار دولار على هذا القطاع من دون أي جدوى اقتصادية، ولا نزال من دون كهرباء؟ وهل نحتاج لأي عبقري ليخبرنا ما طُلب منا في “باريس-3” بضرورة خصخصة قطاع الكهرباء لنوقف العجز وتتأمن الكهرباء فتتحسن كل القطاعات الإنتاجية؟ ويقيناً لو خصخصنا الكهربا لكنا وفرنا على الخزينة منذ “باريس-3” الى اليوم أكثر من 20 مليار دولار؟!

إن القاصي والداني يعرف أن مكمن الخلل في لبنان ليس في النقص في التقارير والدراسات الاقتصادية والمالية، إنما في عجز الطبقة السياسية عن اتخاذ القرارات الصائبة لوقف النزف الاقتصادي والمالي، لأنها بذلك توقف أبواب “التنفيعات” السياسية والمالية لها وتوزيع الحصص والمغانم والجبنة على معظم أطراف السلطة الحاكمة. وبالتالي فإن هذه الطبقة السياسية لن تلتزم بأي نصائح أو مشورة اقتصادية تسدّ عليها أبواب الاستفادة من خزينة الدولة، التي شبّهها يوماً الرئيس الراحل الياس الهراوي بأنها كـ”البقرة الحلوب”!

ومن اليوم وحتى تصبح المحاسبة والمساءلة في لبنان متاحة للمسؤولين والحاكمين والوزراء والنواب والمدراء العامين والقضاة والموظفين، فإن لا حلّ ممكناً لا بـ”بماكينزي” ولا بغيرها، وتوقيع العقد معها لن يتعدّى “تنفيعة” إضافية على حساب الخزينة، ودراسة مكلفة جديدة توضع في جوارير النسيان الحكومية!