لم يتقبّل جمهور “حزب الله” أن يتم عرض فيلم The Post للمخرج الشهير ستيفن سبيلبرغ في لبنان، وله كل الحق بمقاطعة الفيلم وعدم مشاهدته. في المبدأ لا أعرف هل عقيدة “حزب الله” تسمح بمشاهدة السينما أم تعتبرها حراماً، ولكن في النهاية حقهم أن يقرروا ماذا يشاهدون وماذا يقاطعون، إن كانوا من روّاد السينما.
لكن الإشكالية تبدأ مع “حزب الله” وجمهوره ساعة يظن نفسه أنه يستطيع أن يقرر عني ماذا عليّ أن أشاهد وماذا عليّ أن أقاطع، والمشكل يقع حين يقرر جمهور الحزب الأصفر أن يتهمني بالعمالة والصهيونية وكل النعوت المسيئة لأنني قررت أن أتحدى أرادته وإرادة زعيمه وأشاهد الفيلم!
نعم وبكل بساطة فإن هذا الجمهور لا يتردّد في تخوين كل من لا يخضع له وينعته بالعمالة ويصنّفه في خانة الإسرائيليين والصهاينة! فكيف يمكن بعد ذلك التعايش مع هكذا جمهور وهكذا حزب، هو بالفعل ميليشيا مسلحة متهمة بكل أنواع الإرهاب والاغتيالات وتجارة مخدرات وغير ذلك؟!
مشكلة التعاطي مع “حزب الله” تنقسم إلى مستويات عدة:
ـ المستوى الأول هو أنه في كل مرة يظنّ نفسه منتصراً يتخيّل أنه يستطيع يلغي الآخرين. هكذا تهيّأ للسيد حين نصرالله أنه سينتصر في 8 آذار 2005، فسخر من الآخرين ودعا المصورين إلى أن يعملوا “زوم آوت” بكاميراتهم ليشهدوا أن جمهور الحزب هو الأكبر والأقوى. لكن الجمهور اللبناني الرافض لـ”حزب الله” وسلاحه وعقيدته أنزل به شرّ هزيمة بعد أقل من أسبوع في 14 آذار 2005، هزيمة لن ينساها نصرالله في حياته.
ـ المستوى الثاني أن الحزب، وعبر كل تاريخه، لا يتردد في استعمال كل وسائل العنف والتصفيات الجسدية لتحقيق أهدافه. هكذا بدأ مسيرته بإلغاء حركة المقاومة الوطنية “جمّول” واغتيال أبرز قادتها، قبل أن ينقضّ على حركة “أمل” في حرب الضاحية وإقليم التفاح ويوقع مئات القتلى. وهو إلى اليوم متهم أمام المحكمة الدولية باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكل شهداء ثورة الأرز، وصولاً إلى الاتهام العلني بالوقائع الذي وجهه إليه اللواء أشرف ريفي في اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن. وهل ننسى 7 أيار واجتياح بيروت والجبل لفرض إرادته السياسية على أطراف الداخل؟ وهل ننسى القمصان السود لقلب الأكثرية النيابية بعد الإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري الأولى؟
إذا هذا هو أسلوب “حزب الله” مهما ناور في إظهار وجه متسامح أحياناً لضرورات المرحلة. لكن ما يفوت هذا الحزب دائماً أن اللبنانيين لا يمكن أن يكونوا نعاجاً أمامه. فكما انتفض اللبنانيون في 14 آذار 2005، قاومه أهل الجبل أيضا في معارك بطولية في 11 أيار 2008 وأسقطوا مخططه، كما يستمرّ بعض السياسيين والأحزاب في رفض الخضوع لمشروعه ومحاولة فرض وصايته، وتستمر الأكثرية الشعبية اللبنانية في مقاومة محاولات هيمنته.
ـ المستوى الثالث هو حين يحاول الحزب وإعلامه وأبواقه وجمهوره ترهيب اللبنانيين بتخوينهم وإطلاق نعوت العمالة بحقهم، تماما كما يحصل اليوم على خلفية فيلم The Post، وأنا أحد الذين تعرّضوا ويتعرضون على مواقع التواصل الاجتماعي لهذه الحملات الغبية.
لجميع من يتهموني بالعمالة أقول: إذا كانت مواجهتكم عمالة فأنا بكل فخر عميل. عميل للبنان الذي لا يشبهكم ولا نريد أن يشبهكم يوماً، وفي مواجهة عمالتكم لإيران وتبعيتكم للمشروع الفارسي الذي يسعى للهيمنة على لبنان. أنا عميل للحرية التي تشكل محور حياتي في مواجهة محاولاتكم إلغاء حرياتنا، ومحاولاتكم جعل لبنان شبيهاً لنظام الولي الفقيه في إيران… ولن نسمح لذلك بأن يتحقق مهما كلفنا الأمر من تضحيات.
لبنان لنا ومشروعكم طارئ وسنهزمه مهما طال الزمن. لبنان يشبه البطريرك مار نصرالله بطرس صفير والشيخ محمد مهدي شمس الدين والمفتي حسن خالد، ولن نقبل بأن يشبه يوماً السيد علي خامنئي والسيد حسن نصرالله والشيخ نعيم قاسم مهما كان الثمن!