يواجه المؤسس والمدير التنفيذي لموقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» مارك زوكربيرغ، تحدياً جدياً مع إعلان خطته لإصلاح الموقع والتي اعتبرها تحدياً شخصياً للسنة الجارية في منشور كتبه على حسابه الشخصي. ويسعى زوكربيرغ إلى إصلاح المشكلات المرتبطة بالموقع، إذ تمكن المئات من العناصر المارقة من إحداث أضرار جسيمة مثل التدخل في الانتخابات الأميركية والاستفتاءات في بريطانيا والترويج للعنف والإرهاب والتمييز العنصري والكراهية الدينية والعرقية.
ويقول المحلل الأميركي روجر كوهين الذي كان أستاذ زوكربيرغ في الجامعة، في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن «المرة الأولى التي لاحظت فيها استغلال العناصر الشريرة الموقع لأهدافها الدنيئة كانت في عام 2016، واتصلت بزوكربيرغ والمسؤولة عن التشغيل في الموقع شيريل ساندبيرغ على الفور.
وقضيت أربعة أشهر في محاولة إقناعهما بأن نظام الخوارزميات والإعلانات التجارية لديهم عرضة للاستغلال، إلا أنهما أبديا نوعاً من التردد إزاء قبول هذا الاستنتاج، وأنكرا هذا الأمر حتى العام الماضي»، مضيفاً: «لا تزال الشركة تؤكد حتى يومنا هذا أنها غير مسؤولة عن تصرفات أطراف ثالثة عبر الموقع».
ويطالب الخبراء ومنظمات المجتمع المدني والهيئات الحكومية المعنية، إدارة الموقع بتحمل بعض المسؤولية عن أفعال المستخدمين على المنصة، فضلاً عن مطالبات بإعلان استعدادها إجراء تغييرات جوهرية للحد من أضرار مستقبلية.
ويرى كوهين أن إعلان زوكربيرغ إدخال تعديلات على إعدادات الإشعارات هو خطوة إيجابية بالتأكيد، لكنه ليس حلاً كاملاً، بل إن هذا التغيير كان من الممكن أن يفاقم التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية من خلال زيادة مساحة تعرض المستخدمين لمعلومات مضللة، لو كان قائماً في 2016».
وعبّر زوكيربيرغ في مناسبات عدة عن اعتقاده بأن استياء الجميع منه يشير إلى أنه يسير على الطريق الصحيح. ولكن هذا الموقف دفع البروفيسورة المساعدة في معهد علوم المعلومات والمكتبات بجامعة نورث كارولينا زينب توفيقي، إلى الرد عليه في صحيفة «نيويورك تايمز»، معتبرة أن هذه «الحجة تبدو مجافية للمنطق». ووجهت توفيقي له السؤال التالي: «هل تشعر بالضيق إزاء الأخبار الكاذبة وحملات التضليل الممنهجة والنقاط المظلمة وهي الإعلانات التي توجه إلى فئة محدودة للغاية من المستخدمين ولا تظهر للجميع، والتي تستهدف الأميركيين من أصول أفريقية لتثبيط عزمهم على المشاركة في الانتخابات»، وأضافت: «هل يخالجك التوتر عندما يطرح عملاء أجانب أنفسهم بوصفهم أميركيين مسلمين وينشرون محتوى تحريضياً أو إرهابياً يمكن لأتباع اليمين المتطرف الاستشهاد به على أنه دليل دامغ أن جميع الأميركيين المسلمين يتعاطفون مع الجماعات الإرهابية مثل داعش؟».
ترى توفيقي أن «الأهمية الكبرى لا تكمن في المعتقدات السياسية لموظفي الشركة، وإنما في الهياكل والحسابات الخوارزمية والدوافع التي يقرونها، وكذلك نمط الإشراف الذي يمارسونه لمواجهة الخداع والتضليل والتدخل غير القانوني في شؤون الآخرين». وبينت أن «فايسبوك مكن من تحويل منصته إلى سلاح لنشر معلومات مضللة ومحتوى زائف».
ويرى الخبير كونور سين أن «مشكلة هذه المنصة تظهر عندما تقدم مجموعات ذات اتجاهات خارج سياق المألوف مثل العنصريين البيض، إلى استخدامها لنشر الكراهية».
ولكن مؤسس «فايسبوك» أكد أن الموقع سيعمد إلى إدخال تغييرات جذرية في طرق عمل المنصة الأكثر استخداماً في العالم. وسيؤدي هذا التغيير النوعي والجدي إلى خفض المنشورات من العلامات التجارية، وإلغاء أولوية الصور والفيديوهات والمنشورات التابعة للشركات والمؤسسات الإعلامية، وهو ما أطلق عليه زوكربيرغ اسم «المحتوى العام». في المقابل، سيعمد إلى إعطاء الأولوية لصالح محتوى ينتجه أصدقاء المستخدم وعائلته، نظراً إلى مزاحمة المنشورات التجارية للمنشورات العائلية في السنوات الماضية.
ويظهر زوكربيرغ اهتماماً بنتائج دراسة أظهرت عدم الارتياح لدى المستخدمين بسبب ارتفاع عدد المواد المنشورة من شركات المال والأعمال والعلامات التجارية ووسائل الإعلام التي تزيح التواصل الاجتماعي بين العائلات والأصدقاء والأقارب. وبما أن «فايسبوك» هدف منذ تأسيسه إلى مساعدة الناس على التواصل والتقارب فيما بينهم، فإنه يعيد ترتيب أولوياته من جديد.
وأشار زوكربيرغ إلى إصلاح كبير في خوارزمية الموقع، إذ ستكون الأولوية لما سماه «التفاعلات الاجتماعية ذات المغزى» على حساب «المحتويات ذات الصلة»، لتتوافر للمستخدم فرصة قضاء وقت أفضل وأكثر إفادة على المنصة.
وتقول الخبيرة في «النيو ميديا» فيسسلافا أنتونوفا، إن الشركة تتوقع أن «تؤدي هذه التغييرات إلى قضاء المستخدمين وقتاً أقل على الموقع، ولكنه سيكون أكثر قيمة وإفادة».
وأقر زوكربيرغ أن قضاء وقت أقل على الموقع سيؤثر سلباً على الشركة، ولكنه استدرك قائلاً إن «التغيير سينعكس إيجاباً على المجتمع والشركة على المدى الطويل في حال قمنا به على نحو صحيح».
ولا يمكن حتى الآن التكهن بنتائج هذا التغيير وفقاً لرأي أنتونوفا، لأن التفاصيل لا تزال مجهولة. ولطالما تناسى «فايسبوك» مبدأ الشفافية في ما يتعلق بالمبادئ والمعايير التي يستند إليها.
وأضافت أن الكلمة المحورية التي ترددت على لسانه عندما أعلن خطة التغييرات هي «فترة أقل» ولم يفصح ما إذا كان سيخفي بشكل كامل المواد عن أوساط المال ورجال الأعمال والأسواق والعلامات التجارية ووسائل الإعلام»، أو «كيفية تصرفه مع مشاركة المستخدم لمقالة من أحد المواقع الإلكترونية، وهل سيسمح بإظهار التعليقات في أسفل المادة المنشورة».
تبدو النتائج المباشرة واضحة بعض الشيء برأي المراقبين. وفي مقدمها مشاهدة المستخدم لوجهات نظر شخصية حول كل القضايا بشكل أكبر. كما سنلاحظ انخفاضاً في مشاهدة المواد المنشورة من قبل وسائل الإعلام، ما يعني أن مواقعها ستشهد انخفاضاً كبيراً في عدد القراء.
ومن النتائج المباشرة، أن الشركات التجارية والعالمات التجارية ستصبح مضطرة لزيادة حصة الإعلانات في «فايسبوك» لتصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس.
كما ستتيح التغييرات للشخصيات المعروفة والنجوم الحصول على عروض من الشركات التجارية والاستثمارية ووسائل الإعلام لنشر محتواها بأشكاله المختلفة على «فايسبوك».
ويجمع الخبراء على أن هذه التغييرات تمثل ضربة قاصمة لوسائل الإعلام ودور النشر. وظهرت نتائجها في صربيا وسلوفاكيا وغواتيمالا وبوليفيا وكمبوديا حيث قامت «فايسبوك» بتجربة هذه التغييرات في الخريف الماضي.
وفصلت الشركة الصفحة الرئيسة الخاصة بالمستخدم، وقسمتها إلى قسمين، هما: «Explore Feed» حيث تتواجد الصفحات الإعلانية وشركات الإعلام والشركات التجارية، و «News Feed» حيث تتواجد منشرات الأصدقاء. وشهدت المؤسسات الإعلامية خصوصاً الصغيرة والناشئة، انخفاضاً ملحوظاً في نسبة «الوصول الطبيعي» إليها.
وترى أنتونوفا بأن التغيير سيكون بمثابة ضربة لوسائل الإعلام الصغيرة التي لا تمتلك ما يكفي من المال لاستخدام الإعلانات. في وقت تمتلك وسائل الإعلام الضخمة وتلك التي تمولها الحكومات ما يكفي من الوسائل المالية للدفع لشركات الإعلان.
ولاحظ المراقبون أن زوكربيرغ لم يتطرق إلى دور شركته في هذا الانفجار، إذ على رغم إنكارها الدائم أنها مؤسسة إعلامية أو شركة ناشرة، إلا أن «فايسبوك» دفعت لمؤسسات إعلامية عدة مقابل إنتاج فيديوهات للموقع، كما أن ثلثي الأميركيين يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار، وفقاً لدراسة اعدها «مركز بيو للأبحاث».
ويمكن الاستنتاج بأن هذه التغييرات تهدف إلى الحد من موجة الانتقادات التي واجهها الموقع العام الماضي، المتمثلة باستغلال المستخدمين وتسهيل نشر وتوزيع الأخبار الزائفة والمضللة، إضافة إلى استغلال المستخدمين في جني المزيد من الأرباح.