كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
قد تكون المرة الأولى التي تشهد فيها الإنتخاباتُ النيابية في البترون، هذا التراخي من كل النواحي، إذ إنّ البحث يتمّ بـ»السراج والفتيلة» عن مرشّحين تُدوَّن أسماؤُهم في سجلّ مَن خاضوا مغامرة العبور الى ساحة النجمة.
بعكس ما يُروَّج في الإعلام عن أنّ دائرة الشمال المسيحي ستكون أمَّ المعارك، لا توحي الأرضُ البترونيّة حتّى الساعة بذلك. إذ إنّ إطلاقَ بعض المرشحين، وعلى رأسهم النائب بطرس حرب، ماكيناتهم الإنتخابية لم يُسهم بعد في تحمية الأرض، على رغم أنّ بعض المؤشرات والأخذ والردّ والحراك في بعض البلدات، يخرق هذه البرودة الإنتخابية.
من مدخل بلاد البترون حيث رُفعت بعض الصور التي تقول «شكراً جبران باسيل»، الى آخر نقطة في تنورين، ناحية بشرّي، حيث تودّعك محمية الأرز التي شهدت أقسى معركة بين النائب بطرس حرب ورئيس بلدية تنورين بهاء حرب، وانتهت بفوز الأخير برئاسة المحمية، تلاحظ أنّ الحماوة غيرُ موجودة.
ومَن عايَش المراحل الإنتخابية السابقة يدرك أنّ صورَ المرشحين كانت تملأ الشوارع والطرق بعكس اليوم، ففي ظلّ النظام الأكثري حيث كانت المحادل تحسم هويّة النواب، كان مرشحون يتجرّأون على خوض المعركة رغم علمهم بالخسارة، أو حصدهم نسبة أصواتٍ قليلة.
ينتظر البعض بلورة الصورة النهائية للتحالفات، مع أنّ المشهد بدأ يرتسم، لكنّ الأكيد أنّ هناك «مرشّحين دائمين»، وعائلاتٍ سياسية كبرى ستغيب عن المشهد الإنتخابي البتروني.
ولعلّ الغائبَ الأبرز سيكون آل يونس الذين يملكون زعامة تاريخية تسبق زعامة آل حرب في تنورين، إذ إنّ تنافس هذا الثنائي كان يطبع الإنتخابات، وقد احتدم منذ انتخاب النائب الراحل جان حرب حيث انقسم الجردُ بين حرب الموالي للرئيس كميل شمعون، والنائب الراحل مانويل يونس الموالي للنهج الشهابي، واستمرّ التنافس في دورات عدّة، وكان آخرها في دورتي 2000 و2005 بين النائب بطرس حرب والمرشح نزار يونس، وفي دورة 2009 بين حرب من جهة والمرشّح فايق يونس من جهة أخرى.
لكن يبدو أنّ هناك قراراً في العائلة بعدم خوض غمار الإنتخابات، فنزار يونس يرفض الترشّح، وكذلك أبناء النائب مانويل، وشخصيّات أخرى لم تستطع حجزَ مقعد بين الأقوياء، فبات النائب حرب المرشّح الوحيد في تنورين والجرد حتى هذه اللحظة، في حين إستمال رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل معظم العائلات المناهضة لحرب.
عائلة ثانية تغيب عن المشهد البتروني، وهي آل ضو، التي كانت تتحالف مع شخصيات الجرد، كما هناك غياب لمرشحين من آل عقل ونجم في الوسط والساحل، فيما لا تزال بلدة شكا البترونية، التي تُعتبر ثالثَ أكبر بلدة بعد تنورين والبترون، معتكفةً عن تقديم مرشحين بارزين الى ساحة النجمة.
لا يمكن فصلُ المعركة في البترون عن الدائرة الأوسع أي دائرة (البترون- الكورة- بشرّي- زغرتا)، وعلى رغم أنّ للبترون نائبين مارونيّين، لكنّ عدد المقترعين بلغ نحو 33 آلف ناخب في إنتخابات الـ2009، أي إنها تأتي في المرتبة الثانية بعد زغرتا.
من هنا، فقد رست الصورة الإنتخابية التحالفية حتى الساعة وفق الآتي:
الوزير باسيل: سيخوض الإنتخابات بالتحالف مع تيار «المستقبل» في الدائرة، وسيمنحه «المستقبل» أصواتِه التفضيلية في البترون، كما أنّ أصوات «حزب الله» من حصته، علماً أنّ باسيل سيكون المرشّح الوحيد في البترون ولن يأخذ مرشحاً من الجرد، فيما هو يغدق الخدمات على سكّان المنطقة.
النائب حرب: من المرجّح أنّ تحالفَه مع تيار «المردة» قد حُسمَ، وحتّى الساعة لم يبرز أيُّ إسم حليف له من الساحل، وفي حال تمّ نسجُ تحالف عريض مع الحزب «السوري القومي الاجتماعي»، فإنّه سيواجه بعض المشكلات، خصوصاً أنّ حرب من أبرز رموز «14 آذار» وقاعدته الشعبية في اتّجاه معاكس لتوجّهات «القومي».
النائب سامر سعادة: لا يزال يسعى الى بناء تحالف مع «القوّات اللبنانية»، ويُعتبر من أبرز الساعين الى هذا الأمر، وفي حال لم ينجح فإنّ التحالفات ستتغيّر، وقد يخوض الإنتخابات وحيداً في القضاء.
«القوات اللبنانية»: ما زالت متمسّكةً بمقعدها في البترون الذي يشغله حالياً النائب أنطوان زهرا، وهي في حوار مع الكتائب، لكن لا شيءَ ملموساً حتى الساعة، وفي حال فشل هذا الحوار فقد تخوض الإنتخابات بمرشّح بتروني واحد.
في هذا الوقت، يسعى الجميع الى اجتذاب الأصوات، لكنّ الحقيقة وراء البرودة الإنتخابية، هي إقتناعُ الجميع بأنّ إسقاطَ باسيل في المعركة بات شبهَ مستحيل، وتسليمهم بهذه النتيجة، فيما المعركة إنتقلت الى داخل الصفّ الواحد وبات التنافسُ على المقعد الثاني بين «أخوة الأمس»: حرب، «القوّات»، «الكتائب»، وسط إمتعاض جمهور «14 آذار» من النتيجة التي وصلت إليها المنطقة، خصوصاً أنها كانت من أهمّ معاقل «14 آذار».
وهنا يسأل البعض: إذا إستمرّ العمل هكذا، هل سنخوض معركة الـ2022 النيابية تحت شعار عدم السماح لباسيل بحصد مقعدَي البترون؟ في حين أنّ باسيل بدأ العمل فعلياً في البترون منذ العام 2005، أما بقية قوى «14 آذار» فموجودة في المنطقة منذ ما قبل الإستقلال وقد تشتّتت وتفرّقت وترهّلت؟